من العلائق المتميزة بين البشر علاقة المسلمين بعضهم ببعض، حيث جعلها الله -عز و جل- كالعلاقة الدموية، إذ عبر عنها بكلمة "إخوة" فقال: "إنما المؤمنون إخوة"، فهذه الكلمة تطلق في اللغة العربية على أخوة الصلب والنسب، كقوله عز و جل: "وجاء أخوة يوسف" وقوله سبحانه عن حقوق أخوة النسب في الميراث: "فإن كان له أخوة". لقد كان أوائل المسلمين يتوارثون من غير أنساب بينهم حتى السنة الثانية من الهجرة حيث نسخ ذلك بعد نزول قوله تعالى : "وأولو الأرحام بعضكم أولى ببعض". ومن واجبات هذه الأخوة الإسلامية اهتمام المسلمين بعضهم ببعض، فقد قال الرسول -صلى الله عليه و سلم-: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، كما اعتبرهم جسما واحدا بقوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد". ومن أجمل ما قرأت عن هذا الشعور بهذه الأخوة الإسلامية ما نشرته جريدة البصائر في 31 جويلية 1953 (ص2) من أن شعبة العلماء المسلمين الجزائريين في باريس أقامت حفلة بمناسبة عيد الفطر، حضرها بعض المسلمين المقيمين بباريس أو الزائرين لها، وألقيت عدة كلمات منها كلمة الأستاذ محمد خير، وهو دبلوماسي في سفارة سوريا بباكستان، وعندما ختم كلمته أخرج حافظة نقوده، واستل منها أربعة آلاف فرنك، وخاطب الحاضرين قائلا: "هذا ألف أتقدم به إلى صندوق جمعيتكم وجمعية الإسلام عامة باسمي وباسم كل أخواني السوريين المقيمين في باريس، وهذا ألف ثان باسم الشعب السوري، وهذا ألف ثالث باسم الشعب المصري، الذي تشرفت بتلقي دروسي في معاهده، وهذا ألف رابع باسم الشعب الباكستاني الذي أتشرف بالعمل بين ظهرانيه في مفوضية سوريا، وباسم جميع المسلمين والعرب في مشارق الأرض ومغاربها". قد يقول بعض الناس الذين لا يفهمون المعاني النبيلة ولا يقدرونها حق قدرها: وما هي قيمة أربعة آلاف فرنك؟ وعلى هؤلاء نرد بأن العبرة ليست في الكم، ولكنها في الكيف، ثم من أدرانا بأن ما على هذا الأخ من التزامات مالية لا تسمح له بأكثر من ذلك، أو أن يكون مدخوله قليلا ومخروجه كثيرا، وهنا يكون قد بلغ أسمى مراتب البذك، وهو "البذل عن إقلال"، وقد أشار إلى هذا المعنى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- بما معناه غلب درهم ألف درهم، ذلك لأن صاحب الدرهم قد لا يكون عنده إلا درهمان، فتبرع بنصف ماله، وقد يكون لصاحب الألف مئات الآلاف من الدراهم فلا يحس بإخراج ألف.. وقديما قال شاعر: ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل إنني ليتملكني العجب العجاب من قسوة قلوب المسؤولين المصريين التي هي اشد قسوة من قسوة اليهود التي هي أشد قسوة من الحجارة، حيث يرون ما يكابده الإخوة الفلسطينيون فلا يرحمونهم، ولا يتركون غيرهم يرحمونهم.