اهتمّ الدّكتور محمود طرشونة بالشّأن الأدبي التّونسي كما لم يهتمّ به أحد قبله، فلقد أفرد له مؤلفات عديدة كان لها الصّدى الطّيّب في كلّ الأوساط، وأصبحت من المراجع الّتي لا غنى عنها للاطّلاع على خصوصيات الحركة الإبداعيّة الحديثة في تونس، وهو ما جعله من أبرز النّقّاد الجامعيّين خاصّة وأنّه كان دوما الصّوت العالي في الجامعة منذ منتصف السّبعينات لفائدة الأدب التّونسي الحديث والمعاصر. ورغم هذا الإشعاع الواسع المسلّط عليه نتيجة جهوده في خدمة هذا الأدب، فإنّ محمود طرشونة أبدا لا ينسى أنّه مبدع وأنّه قصّاص وروائي، بل هو يرى إبداعاته بعين كبيرة كما يقال في اللّهجة الدّارجة التّونسيّة. وقد صرح في وسائل إعلامية تماشيا مع الأحداث التي تشهدها تونس عن صوت المثقف العربي الشّاحب.. عن ملامح صنع القرار من طرف النّخب الثقافية ليؤكّد أنّ الثقافة الجوارية أو مبادرات الفكر العربي اختفت ف"المشكل هو أنّ المفكّرين العرب، حتّى إزاء بديهيات مثل هذه، غير متّفقين على ما ينبغي اتّخاذه من مواقف، لأنّك تجد من يحلّل ويجادل ويبرّر، في حين أن لا أحد من التّيّاريْن يمكن تبريره أو تبنّيه أو الدّفاع عنه: العولمة قاتلة ومهيمنة وطامسة لهوّية الشّعوب، وعلى خلفية الفكر العولمي الذي يرى فيه البعض مجرد منافع مصلحية أكد الباحث أن هناك من يعي مخاطرها فيقاومها.. القضية إذا قضية فعل لا مجرد نقاشات عقيمة إذ "يهدر المفكّرون العرب طاقاتهم وأوقاتهم في الجدل العقيم عوض أن يتكتّلوا للوقوف في وجه التّياريْن معا" وينفي الباحث والمفكر محمود طرشونة زمرة المثقفين الذي تشترى ذممهم بأبخس الأثمان فيناصرون من لا ينفع، أولئك يفقدون صفة المثقّف بمجرّد قبول التّعاون الفكري مع الخصوم المتربّصين بأقطارنا العربيّة للانقضاض عليها يقول المفكر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا نسمع أصوات المثقّفين الكبار اليوم في مثل هذه المواقف، كما كان شأنهم في النّصف الأوّل من القرن العشرين، وربّما بدأت أصواتهم تنقطع بداية من الثمانينيات الماضية؟ ماذا يحدث في عالم المفكّرين والفلاسفة والأدباء؟ لقد ابتعدنا كثيرا عن العهد الّذي كان المفكّرون والأدباء فيه يعبّرون عن مواقف مناهضة للاستبداد والدّكتاتوريّة، ويترجم بعضهم موقفه بالفعل يضيف الباحث الذي استحضر مواقف مثقفين لما تزل خالدة على غرار أندري مالرو الذي حمل السّلاح ليقاوم إلى جانب الجمهوريّين في إسبانيا، ويناهض جان بول سارتر احتلال بلاده للجزائر، وينشقّ فيه سلجنستين عن السّلطة في الاتّحاد السّوفياتي فيلجأ إلى الغرب، ويحتجّ فيه مفكّرون على ضمّ إسرائيل أراضي عربية سنة 1967 فيتحمّلون تهمة معاداة السّامية، وينتظر فيه موقف نجيب محفوظ من التّطبيع... يضيف بأنّ مواقف أدب ومثقفي اليوم تنحصر في ما بقي فيما لا يتجاوز إصدار المُحرزين لجائزة نوبل بيانا يندّدون فيه بالحرب، فتسجّل نواياهم الطّيّبة وتتواصل الحرب أشرس من ذي قبل. لقد عوّض الشّارع كلّ ذلك يؤكد "طرشونة" أمّا في الأقطار العربيّة، فقد عوَّضت القنوات الفضائيّة الرّأي العام المثقّف، فصارت تستجوب مفكّرين يُقيمون عادة في المهاجر الغربيّة لضمان السّلامة. وقد يُدفعون إلى الهجرة دفعا بسبب تنامي الضّغط عليهم في بلدانهم وبهذه الرؤى والعقلية التي تسهم في تراكم الأخطاء السياسية وتفاقم العقوبات الاقتصاديّة، وتُشوّه المعتقدات، مما يعجل إثارة الفتن والحروب الأهليّة، ويكتفي المثقّف بالتّفرّج على كلّ ذلك على شاشات القنوات الفضائيّة، يؤكد الباحث محمود طرشونة وفي أحسن الحالات يُعبّر عن استنكاره إرضاءً لضميره ثمّ يعود إلى حياته اليوميّة ومشاكله العائليّة وشؤونه المهنيّة. سهام .ع