أن يحمل تلميذٌ في الطور المتوسط قلمه ويتحدى مُخيلته ويخط لنا إبداعاً قصصياً بمستوى قصة «القدر» فهذا إنجازٌ حقّ لنا أن نفتخر به ونحتفي بمُؤلف، القصة تتجاوز في حجمها ألفي كلمة بقليل، مشوقة وهادفة، كان للقدر فيه نصيب الأسد، شخصيتاها الأساسية أستاذٌ وتلميذه، يلتقيان صدفة، لينتهي اللقاء بشراكة خيرية. أبارك للتلميذة «خيرة بن عياد» وأهنئها، مع تمنياتي لها التوفيق والسداد في مسارها الدراسي والإبداعي القصة : يحكى أن مراهقاً في الخامسة عشر من عمره، يدرس في السنة الأولى ثانوي، اسمه «جدير»، ترعرع وكبر في حضن عائلته التي رزقها الله من نعمه، علماً ومالاً، وصنفتهم أموالهم الكثيرة ضمن الفئة الغنية في مجتمهم، لم يسبق أن ظهر في العائلة فرد قللّ من شأنها. والد « جدير» يرسم درب النجاح لابنه كي يتربع على العرش من بعده، لكنه لم يعرف الكثير عن ابنه الذي تربى على يدّ مربيه الخاص، فاجتمع به وقال له: «اسمع يا بني ،لقد قررت أن تتخصص في شعبة الرياضيات، لأنها الشعبة التي قد تمكنك من أن تصبح مدير عملي من بعدي» فردّ «جدير»: ولكن!!؟، قال الوالد: « لا نقاش، غدا سيأتي أستاذ الرياضيات ليتولى مهمة تدريسك». ومرت الأيام وتلقى بعض الدروس دون أدنى تركيز، وها هي الفروض على الأبواب، لم يوفق في أي سؤال من موضوع الرياضيات. في عطلة نهاية الأسبوع، ذهب عند جده، وعندما وطأت قدماه أرض الريف شعر بأنه تخلّص من الأرق والمزاج المتعكّر. مرت أيام نهاية الأسبوع كلمح البصر، أنها أيام جميلة، وعاد إلى منزلهم الذي عندما يدخل من بابه، يلبس قناعا عابساً. خرج مسرعاً، راكضا في الشارع، وبعدما شعر بالتعب وجد رجلاً كهلاً، ثيابه رثة وحالته بائسة. جلس بجانبه وقال: « القهر يُبكي الرجال». قال الرجل بعد أن سمع مشكلة «جدير»: « أنا مدرّس فيزياء، ويمكنك أن تقول أنني مدرّس رياضيات أيضا، التي عليك أن تتقنها يا صاح» قال جدير» علي أن أذهب يبدو أنك مدرس فاشل» فرد الرجل: « احضر الدرس الأول وإذا لم يعجبك لا تعد ثانيةً» وهكذا مرت الأيام، وكان «جدير مداوماً على دروسه عند أستاذه الجديد، حتى دخل الاختبارات بكل ثقة، وتحصل على العلامة الكاملة في كلتا المادتين الفيزياء والرياضيات. عاد « جدير» إلى أستاذه وأخبره: تحصل على نتائج مذهلة وشعرت بفرحة لم أكتشفها في حياتي قبل الآن، لكن سرقها منه المدير وأبي بألفاظهم المهينة لي، لكنني لا زلت واثقاً بمهاراتي ومهارات أستاذي، رغم أنني أصبحت أكبر غشاش في نظر عائلتي وأصدقائي». قال «جدير» لأستاذه «سعيد»: «إذا احكي لي ما خطب يدك المبتورة، وكيف انتهى بك الأمر متسولاً في الشارع وأنت بهذه المهارات؟!» قلت لابنتي «أمل»: اسمعي يا بنيتي أمك رحلت إلى مكان بعيد» ، فقالت لي: « يا أبي، مقدرٌ لي أن تموت أمي، ومقدرٌ لأمي أن تموت، ومقدرٌ لك أن تتعب في تربيتي وأن تنهك في اهتمامك بي وبجدي، كل هذا قدرنا». ....ابنتي «أمل» لم تكن أملي بل كانت أمل الفتاة، تعافت هذه الأخيرة، وحظيت برؤية فرحة أولياء لم يكن لديهن أمل، كان سرورهم كبير. عندما عدت إلى المدرسة طلبوا مني أن أستقيل بحجة أنني لا أستطيع الكتابة، وقالوا أن يدك المقطوعة تخيف التلاميذ وهكذا أصبحت بدون عائلة وبدون عمل وبدون فائدة.... عندما بدأت أتسوّل في الشارع، التقيت الكثير من الناس مثلي، كل واحد منهم لديه قصة لماضيه أكثر حزناً من الآخر . قال «جدير»: كانت تحدث معي مواقف تافهة، كنت أرى الحياة سوداء، إن الإنسان دائماً في نعكة لكنّه لا يقدّر ذلك، لأنه بطبعه طمّاع...» أصبح «جدير» من أكبر رجال الأعمال، قام ببناء مجمع سكني، وجال الشوارع وجمع الرجال الطاعنين في السنّ، وأمّن لهم عيشاً طيباً في سنواتهم الأخير، كان الأستاذ يائساً، لأنه أراد يساهم بشي من أجل الأطفال المرضى، فقال له «جدير»: أنت أكبر مساهم في هذه الحملة لأنني طبعت كل دروسك وحلولك في كتب، لكل المستويات، وقمت ببيعها، فكان مردودها هائلاً، قدمته للمستشفى...» قال الأستاذ سعيد: الآن أصبحتُ اسما على مسمى، أما أنت يا «جدير» فكنت كذلك منذ رأيت، أنت جديرٌ بشعب كامل.»