وصلت إفرازات المخاض الديمقراطي عبر العالم الحديث إلى حياكة دساتير تقرّ في أوّل ديباجياتها وفي بطن موادها الداخلية بأنّ الحكم من الشعب وإلى الشعب، فأصبحت هذه الدساتير ورقة الطريق التي يسير على خطاها المحكومون ، إلّا أن كثيرة هي الأمثلة - وفي العصور التي سبقت أيضا - التي يطفو فيها مفهوم البطولة الفردية، إلا أن ثمّة مميزات ترسم علامات لقادة دون آخرين و يقول علم النفس أنّ الأفراد الذين يشعرون بهذا لا يصطنعون الفعل بل تولد معهم هذه الفطرة، التي تؤذي إلى أن تلبسهم الزعامة ُ لباسا فيروا غيرهم مجرّد مقادين وراءهم و تكبر الذات لديهم، وعادة، والأمثلة موجودة في صفحات التاريخ أنّ الفعل الثوري أو الحضاري بصفة عامة يذبل ويتراجع عندما تزيد حدّة الزعامة عند هذا القائد السياسي أو الديني ولعلّ أقرب مثال لدى الجزائريين ثورة المركزيين على مصالي الحاج الذي أمسك بزمام الأمور بيد من حديد وبدأ يقترب رويدا من مركب الزعامة (أو هكذا قالت كتب التاريخ)، فكان أن جاءت المقولة الشهيرة للعربي بن مهيدي : القوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب، ليسجّل هذا الشعب وتبثه التاريخية وعندما تخلصت الثورة من مركب زعامة الفرد نالت مقاصدها وبقي الشعب إلى يومنا هو الزعيم . قد يغفو لكن لا ينام. ومفاتيح الزعامة موجودة في ضمير النّاس بأنّ لا زعيم عليهم وحسهم الصادق البعيد عن الأمراض التي أدخلها السياسيون والناشطون لكن دون الوصول إلى المبتغى وحتّى عندما نسمع عبارات مثل زعيم الحزب وزعيم الأمّة فالأمر يتعلّق بمجرد تعبير لا يؤدي معنى وليست له نيّة في التعبير الصحيح عن مفهوم الزعامة. عندما تؤول الزعامة إلى الشعب تصبح قيادة المجتمع سياسيا أسهل وتعبر عن كوامن لديه بأنّه ليس مادة للحكم بل صانع قراراته أيضا و يلامس بذلك عصبا حساسا بتبنى أفكار شعبية هدفها التحريك الاقتصادي والسياسي. أسلوب الزعامة والقيادة أثبت فشله في الحالة الجزائرية وأكّد الشعب أنّه عندما يقاس ولا يجد مطلبه الطريق إلى التنفيذ، يعبّر عن موقفه بالطرق الديمقراطية والسلمية التي طبعت مسيرات الحراك الأخير، ولا يمكن للحراك الذي يقوده الشباب باعتباره الفئة الأكثر عددا في المجتمع البحث عن بديل غير سلمية السير من أجل ضمان الوصول إلى أبعد النقاط في تحقيق المطالب، حراك لا انتظر زعيما ولا قائدا ولا حزبا ولا تيّارا ولا منظمة جماهيرية ولا إديولوجية من أجل التحرك ولو انقاد الحراك وراء واحد من الأطراف المذكورة لتقزّم السير وانحصر في الدائرة المغلقة الغالب عليها هوس الزعامة والتحول إلى رمز.