من الردود المفحمة لبعض القضاة ,ما رد به أحدهم على متهم برر جنحته بأنها تشكل وقائع, يقترفها جميع الناس و لا أحد ينكرها عليهم ؟, فنبهه القاضي بكل هدوء , أنه في الوقت الراهن لا يوجد سوى هو في قفص الاتهام متابع بهذه الوقائع و ليس جميع الناس !. و هو رد يمكن اعتباره قاعدة قانونية مفادها أن شيوع جنحة في المجتمع لا يسوغ لأي فرد اقترافها . إنها قاعدة ينبغي أن يحفظها و يأخذها في الحسبان , كل أولئك الذين كلما خرقوا قوانين الجمهورية , سارعوا إلى تفعيل كل أساليب البكاء و النحيب و لبس قناع الضحية للتملص من تحمل مسؤولية أفعالهم و استجداء تضامن و مساندة كل من كان على شاكلتهم , و خاصة منهم الذين يوازنون أنفسهم «بالدولة»؟ نعم بالدولة , و يعتقدون أنهم أكبر مقاما من المثول أمام القضاء الجزائري , وبعضهم يعتبر هذا الأخير قاصرا و غير مستقل في أحكامه وقراراته , و يتهمونه مسبقا بالانحياز إلى السلطة القائمة أو التي ستقوم , والغريب أن نفس القضاء في شموليته يسترجع استقلاليته و يحظى بالتصفيق و الإشادة , عندما يحكم لصالحهم أو يدين خصومهم , خلافا للدولة التي ترضخ لقرارات القضاء الجزائري سواء كانت لها أو عليها . و إلا من العبث نعت الدولة بدولة القانون , بل إن القانون يصبح فوق الدولة ليتصدى لما يشوبها من فساد و انحراف و ظلم و فشل ...و ليقيم العدالة التي يقال:» أنها بطيئة الخطى لكنها تصل دائما» . و لا شك أن الأحداث الجارية منذ أكثر من 5 أشهر على الساحة الوطنية , قد كشفت لمن يريد أن يكتشف , أن الذين ظلوا يؤدون دور المدعي العام و القاضي و الواعظ و رجل الأمن و المحامي , ليسوا في آخر المطاف أفضل ممن تعرضوا لقدحهم , أو مدحهم بحسب الحاجة و المصالح في الحالين .فالقدح و المدح أصبحا مصدر ريع مغر إلى درجة دفع البعض إلى التجرؤ على الاغتراف من المال العام دون رقيب و لا حسيب ما دام هو الذي يتحكم في أدوات التشريع , و يستغل سلطته لحفظ الملفات القضائية و الحيلولة دون محاكمة أطرافها, عندما تتغول سلطة على بقية السلطات , و يطبق القانون بشكل انتقائي أو انتقامي , مما يحط من شأنه لدى الرأي العام و الخاص على حد سواء , و تسود ذهنية استخفافية , تعتبر من يحترم القانون و النظام و مؤسسات الدولة الدستورية , شخصا منفصلا عن الواقع , مما يفسر وجود شريحة هامة من المجتمع تبرر جنحها و جرائمها , بشيوعها و انتشارها بين الكثير من الناس ؟ عندما كنا ننبه إلى خطورة هذه الذهنيات ,كانوا , يتهموننا بأننا مع النظام , أو مع الدولة . و من حسن حظنا أن هذه «التهمة» لا ينص عليها أي قانون من قوانين الجمهورية التي على العكس من ذلك وضعت للحفاظ على النظام و على تقوية دعائم دولة القانون. فالإشكال في جميع الأنظمة ليس في المنظومة القانوني , و إنما في آليات تطبيقها.