كل من يذكر وهران إلا ويخطر على باله الولي الصالح سيدي الهواري، حيث اقترن اسم هذا الرجل الورع والتقي، بهذه المدينة المضيافة الجميلة، إذ كل زائر لوهران، لا يمكنه أن يغادرها دون أن يتبرك ببركة هذا الولي الصالح، لذا تجد الكثير من العائلات الوهرانية تسمي مواليدها الجدد، على اسم هذا الولي الذي يرقد بالضريح المتواجد بشارع القصر القديم من حي سيدي الهواري ويعتبر يوم السبت، اليوم المفضل لزيارة الضريح من قبل سكان وهران،ولا تقتصر زيارة ضريح الإمام سيدي الهواري على النساء فقط، بل حتى الرجال من سكان المدينة أو خارجها يقصدون الزاوية لطلب البركة، وهي العادة التي توارثها سكان المدينة جيلا بعد جيل. كما تقام سنويا وعدة الإمام «سيدي الهواري» التي يتم التحضير لها شهورا قبل تاريخ موعدها. ويتم دعوة أهل المدينة، ومن في الولايات المجاورة، قصد المشاركة في طقوس الوليمة التي تغيرت مع الزمن،ويعتبر الولي «محمد بن عمار الهواري» من بين علماء مدينة وهران وسلطان أوليائها على الإطلاق، شيّد ضريح سيدي الهواري بطراز تركي عتيق، تعلوه قبة ومنارة، تزوره يوميا النسوة ولاسيما العجائز، اللواتي يلتمسن منه البركة باعتباره أحد الرجال المصلحين الذين سخروا حياتهم في الذكر والعبادة ودعوة الناس ونصحهم. الولي الصالح سيدي الهواري عالم جليل تبحّر في العلم وسافر من أجله، وتحمّل المتاعب والمشاق، حيث يذكر المؤرخون، بأن سيدي الهواري، هو الإمام محمد أبوعبد الله بن عمر الهواري المولود سنة 750ه والمتوفى سنة 843 ه (1350 - 1439م) لم يكن وهراني المولد والانتماء، بل يقول الباحثون، إنه وُلد ونشأ بمغراوة وتربى بهوارة، وهي تقع بين قرية تدعى المطعم ومدينة غليزان في مغراوة. تلقّى مبادئ القراءة والكتابة في كتاتيبها، حيث استظهر القرآن الكريم على يد شيخه علي بن عيسى. لم يستقرّ المقام بسيدي الهواري في هوارة، فارتحل منها وهو ابن 10 سنوات إلى «كليميتو» مدينة مازونة. ولا يخفى عن الكثيرين أن الثقافة الصوفية انتشرت في القطر الجزائري، والمتصوفة كانوا يلجأون إلى أماكن نائية على قمم الجبال أو في الكهوف، طلبا للخلوة والتفكر والتدبر، فقصد سيدي محمد الهواري وليا صالحا يتعبد في غار، فلازمه مدة من الزمن ولم يغادر هذا الولي الصالح حتى عرف منه الحقيقة، واطّلع على السر وأخذ عنه الهداية إلى الطريق المستقيم والطريقة الصوفية. كان شغوفا بطلب العلم محبا للرحلة، حيث زارمختلف المدن الجزائرية غربها وشرقها، خاصة حواضر العلم منها، كتلمسان والجزائر العاصمة، وحتى بجاية التي استقر بها وتلقّى فيها العلم عن الشيخ أحمد بن إدريس والشيخ عبد الرحمن الوغليسي. وبعد تلقّيه العلم عن مشايخ بجاية عاد إلى مسقط رأسه هوارة، ومنها شد الرحال إلى مازونة. لينتقل إلى مدينة مستغانمووهران، ثم تلمسان، التي مكث بها مدة، ليواصل بعدها رحلته إلى حاضرة مدينة فاس بالمغرب الأقصى، وجامع القرويين، حيث جلس لحلقات الشيخ العبدوسي والشيخ القباب. وفي مدينة فاس حفظ سيدي الهواري مدوّنة الإمام مالك وهو لا يتجاوز ال 25 سنة من عمره. وبعد مدة شد الرحال إلى المشرق العربي، فمر بتلمسانووهرانومستغانم وهوارة ومازونة والجزائر العاصمة وبجاية، ثم تونس وليبيا والقاهرة؛ حيث استقر بجامع الأزهر الشريف وتتلمذ على يد الشيخ الحافظ العراقي، ومن القاهرة شد الرحال إلى الحجاز لأداء مناسك الحج وكذا طلب العلم، فنظّم حلقة بالحرم المكي ليلقي دروسا على طلبة العلم للخاصة والعامة. كما شد الرحال إلى بيت المقدس، فأخذ عن علمائها، وكوّن لنفسه حلقة علمية يلقي بها دروسه حتى اشتهر بين طلبة العلم وذاع صيته، غير أن الترحال والسفر من مدينة إلى مدينة لطلب العلم كان همه الأول، فشد الرحال من مدينة القدسالشريف إلى عاصمة الأمويين دمشق. حيث انضم إلى الحلقات العلمية في المسجد الأموي، وبعد مكوثه مدة من الزمن عاد إلى وطنه الجزائروزار قريته وأهله، ثم انتقل إلى مدينة تلمسان، فجاور فيها ضريح سيدي بومدين، وكوّن مجموعة من الطلبة ليكونوا نواة لمدرسته «الهوارية» بتلمسان، إلا أن المقام لم يطب له فيها؛ نظرا للتعنت الذي لقيه من حكامها، مما جعله يطلب من طلبته التنقل من تلمسان إلى مدينة وهران، فانتقلوا إلى وهران، واستقر سيدي الهواري بمدينةوهران وتزوج من إحدى بناتها وأنشأ بها مدرسته الهوارية.من آثاره منظومته التي تسمى «التسهيل» و»شرح المنفرجة»، وكتابه الشهير «السهو».