لست مع فكرة الفصل بين الجنسين في قضايا تتعلق بالعبقرية، أو بالكفاءة المؤهلة لإنتاج المعنى، أو العلامات الموجهة للذائقة العامة. هذا التمييز لا يقدم شيئا ذا فائدة. كما أني لا أستسيغ كثيرا من المصطلحات والاستعمالات التي راجت في سوق الأدب والثقافة، ومنها أدب المرأة، أو الأدب النسوي، أو الأدب الأنثوي، كمقابل لما يسمى، اعتباطا، بأدب الرجل. الفنون فوق هذه التصنيفات المضرّة بكيانها. ثمة، من منظوري، عمل جيد، وعمل بحاجة إلى إعادة النظر في حقيقته. ذاك هو المقياس الوحيد الذي يمكن الاحتكام إليه، بعيدا عن التصنيفات التي لا مسوّغ لها من الناحية العملية. المجتمع المنسجم بنيويا لا ينفي بناه المشكلة له، أو يحتكر السلطة بفرض المركزيات المغشوشة من حيث الكفاءة والقيمة، مهما كانت طبيعتها، سياسية أو بيداغوجية أو أدبية، ومنها مركزية الذكر، وليس الرجل، وذلك من أجل رفع اللبس عن كلمتين تحملان دلالات مختلفة. لا شيء يؤكد التفوق سوى الجهد والموهبة والقدرة على التأثير والإقناع تأسيسا على زاد معرفي مؤهّل لذلك، أو على مقدرة ما، كيفما كانت طبيعتها. ذاك ما يمكن أن ينسحب على الأدب والمسرح والفنون، وعلى الإعلام ومختلف المجالات العلمية والجمالية قاطبة. أتابع عن كثب أغلب الجهود المبذولة في هذه الحقول التي احتُكرت من قبل الذكور في فترة ما لأسباب تاريخية واجتماعية، ولغايات مبرمجة من الأنظمة والجماعات السياسية والدينية التي تعاقبت على البلد من الاستقلال إلى اليوم. كان تغييب المرأة، أو تهميشها، في بعض المقامات، خطأ جسيما أسهم، بشكل من الأشكال، في محو كفاءات عالية، ومن ثمّ تدمير جزء من كياننا كأمة تحتاج إلى الاستثمار في كل الكفاءات القائمة، دون تمييز جنسي قد يلحق ضررا كبيرا بانسجام المجتمع، وبمقدراته على تحصين نفسه من الانزلاقات الافتراضية. لقد قدمت المرأة الجزائرية، عبر تاريخ البلد، جهدا كبيرا في ترقية المحيط الخارجي وتنشئته، وفي مختلف المجالات، من السياسة إلى المدرسة إلى الجامعة إلى الصحافة إلى الفنون اللفظية، كما أسهمت في تقوية مختلف المعارف باقتدار، وبتميز يجعلها نواة ثابتة، وليست هامشا، أو حشوا لا يمكن التأسيس عليه في تقييم المنجز الحالي، أو في بناء دولة لا تحتكر الثقافة والذكاء، مثلما يحصل دائما، عن وعي أو عن غير وعي. إن مسألة المفاضلة، كما تواترت في بعض الفهم المؤدلج للكتابة، للسلوك، وللمعرفة الإنسانية، ليست ذات قيمة اعتبارية فعلية لأن العقل هو الذي يحدد القيمة المؤثرة، وليست المرجعيات النقلية التي يمكن أن تؤدي إلى مغالطات مدمّرة لا يعوّل عليها، رغم أنها ظلت ضاغطة، وما تزال بحكم اعتبارات كثيرة تحتاج إلى مراجعة جذرية من أجل مجتمع نيّرلا يضحي بجزء منه خدمة لأوهام مؤسسة على الإقصاء، أو على التمييز الجنسي كسلوك عنصري، أو على منطق القبيلة، وهو المنطق الذي يتحكم فينا من عقود. أجد أن العنصر النسوي، في السنين الأخيرة، يكتسح أغلب المجالات بتفوق نادر، وبشكل مؤكد وجب التنويه به عرفانا بما ينجز على كافة الأصعدة. لذا يتعذر تقديم عينات تمثيلية للتدليل على هذا التفوق الذي يصعب القفز عليه ، لأن العينات لاتعدّ: في الشعر والمسرح والقصة والرواية والرسم والنقد والإعلام والبحث الأكاديمي، وفي قطاعات كثيرة أصبحت فيها المرأة رائدة، وقيمة لا يمكن تجاوزها لأن ذلك سيتسبب في فجوة يتعذر ترميمها. الكاتبات المكرّسات، وهنّ كثيرات، والكاتبات الناشئات، في الرواية والشعر والمسرح والسينما، قدمن تحفا إبداعية استطاعت اختراق الحدود اللسانية والجغرافية بحصولها على عدة جوائز وتكريمات وطنية وعربية ودولية لأنها تمثيلية، وذات قدرة كبيرة على فرض شخصيتها المخصوصة، دون الاتكاء على ما يكتبه الذكر كعنصر لا يختلف، من حيث الموهبة، عمّا يقدمه العنصر النسوي في شتى المجالات، وهو الآن يتبوأ المشهد، كما لم يحدث من قبل في تجاربنا السابقة التي بدا فيها الذكر مهيمنا، سواء باقتدار، أو بادعاء امتلاك الموهبة والحقيقة لأن السياقات أسهمت في ذلك. ما يعني أن المرأة استطاعت أن تنجز كتابات منافسة لما يكتبه كثير من الذكور، وأكثر حضورا وتأثيرا في سياقات مختلفة يمكن قراءتها بروية، وباحترام من أجل تثمين ما وجب تثمينه، دون أي انحياز. هل وجب أن نشير، في الحقل الأدبي وحده إلى أسماء ستظل كبيرة بمنجزها، إلى آسيا جبار وزهور ونيسي وزليخة السعودي وأحلام مستغانمي وجميلة زنير وحبيبة محمدي وفضيلة الفاروق وربيعة جلطي وزينب الأعوج، إضافة إلى أسماء لا تقل شأنا، ومنها نسيمة بولوفة ونصيرة محمدي ونسيمة بن عبد الله؟، وهناك الأسماء النقدية البارزة التي أصبحت مرجعا في مختلف الدراسات الأكاديمية الجديدة مستفيدة من الدرس النقدي الغربي: كالسيميائيات والتداولية وعلم الدلالة والتفكيكية، أو جامعيات لهنّ زاد معرفي ومنهجي يثبت تفوقهن، رغم السياقات غير المناسبة، كتدهور المقروئية، غياب الأطر المنظمة للنشاطات والبحث، انشغالات المرأة بالتربية والعمل وشؤون البيت، ثم انتقال الثقافة والفنون إلى مرحلة أدنى بحكم النظرة الدونية لها من قبل مجتمع غير معني بالكتاب. لا يمكن إحصاء كلّ هذه التجارب التي تستدعي كتبا مستقلة تتناول مساراتهن ومؤلفاتهن بالقراءة والنقد. لقد أصبحنا اليوم أمام ظاهرة حقيقية تستدعي الأخذ بها جديا للإعلاء من شأنها كقوة إبداعية متميزة، ومؤهلة لأن تكون رائدة، مؤثرة في المحيط والجامعة، ومصادر يمكن الاتكاء عليها في شؤوننا البحثية، بدلا من تهجير القارئ، باستمرار، إلى منجزات غيرية تقليلا من قيمة ما ينجز محليا. الأمر لا يتعلق بتثمين كلّ ما تنشره المرأة الجزائرية. ثمة أعمال إبداعية ونقدية ليست ذات شأن كبير بالنظر إلى مستواها، تماما كما يحصل على مستوى الكتابة الذكورية. نحن بحاجة إلى قراءة هذا المنجز بموضوعية تفاديا لتضليل المتلقي، أو لتضليل الكاتبات والمهتمات بالشأن الفني لأن هناك ما وجب التنبيه إلى هشاشته درء للتمادي في نشر ما لا يستحق النشر لأنه ظرفي، وبحاجة إلى مراجعات ليكتمل على عدة أصعدة. مع ذلك فإننا نجد، في منجز المرأة، ما يشد الانتباه لأنه بلغ درجة معتبرة من الرقي، وهو قادر على أن يمثل البلد في المحافل الدولية إن نحنا أوليناه أهمية بالنظر إلى جهده، سواء في المسرح أو في الشعر أو في القصة أو في الرواية أو في الفنون التشكيلية أو في البحث الأكاديمي، وفي أغلب الميادين التي شهدت حضور المرأة بتميز. كان عليّ أن أذكر عشرات الأسماء، غير أن طبيعة المقالة ومساحة الجريدة لا تسمحان. لكنّ كلّ فرح الدنيا حيث يمّمتن، شامخات كصفصاف البلد، ومؤهلات لقول ما لم نستطع قوله نحن الذكور.