وسط ترقب الدوري السعودي.. ميلان يضع بن ناصر على لائحة البيع    حنكة دبلوماسية..دور حكيم ثابت وقناعة راسخة للجزائر    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إبراز البعد الفني والتاريخي والوطني للشيخ عبد الكريم دالي    التراث الثقافي الجزائري واجهة الأمة ومستقبلها    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    استقالة متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية من منصبها    تكوين 50 أستاذا وطالب دكتوراه في التّعليم المُتكامل    ثقافة مجتمعية أساسها احترام متبادل وتنافسية شريفة    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    حريصون على تعزيز فرص الشباب وإبراز مواهبهم    وكالة الأمن الصحي..ثمرة اهتمام الرّئيس بصحّة المواطن    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    الشباب يبلغ نهائي الكأس    بونجاح يتوّج وبراهيمي وبن يطو يتألقان    خلافان يؤخّران إعلان انتقال مبابي    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    سوناطراك تتعاون مع أوكيو    الأقصى في مرمى التدنيس    حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي    غزّة ستعلّم جيلا جديدا    جراء الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان إلى 34 ألفا و356 شهيدا    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    باحثون يؤكدون ضرورة الإسراع في تسجيل التراث اللامادي الجزائري    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    بن طالب: تيسمسيلت أصبحت ولاية نموذجية    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    المدرب أرني سلوت مرشح بقوّة لخلافة كلوب    جامعة "عباس لغرور" بخنشلة: ملتقى وطني للمخطوطات في طبعته "الثالثة"    "العميد" يواجه بارادو وعينه على الاقتراب من اللّقب    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    أمن دائرة عين الطويلة توقيف شخص متورط القذف عبر الفايسبوك    سيدي بلعباس : المصلحة الولائية للأمن العمومي إحصاء 1515 مخالفة مرورية خلال مارس    أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعا آسيا جبار..


أمين الزّاوي
هي آسيا جبار، سيدة الكتابة الروائية بالفرنسية، اسمها الحقيقي هو فاطمة زهراء إيمالاين، Fatma-zohra Imalayen من مواليد المدينة الساحلية العريقة شرشال، التي تبعد حوالي مائة كلم غرب مدينة الجزائر العاصمة، مثقفة شجاعة وأديبة جريئة، نشرت أول رواية لها وهي لم تكمل العشرين من عمرها، كانت بدايتها برواية «العطش» نشرتها العام 1957 وظل عطش الكتابة يلاحقها، لتكتب دون أن ترتوي، الكتابة ارتواء وعطش، عطش وارتواء، عذاب سيزيفي لا يتوقف.
عرفت آسيا جبار في بداياتها الأولى، في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، خاصة بعد نشر روايتيها «العطش» و«القلقون»، هجوما كاسحا من قبل حرس «الوطنية المزكومة» و«نقاد الأدب الأيديولوجيين» ومن بين من هاجمها، المفكر مصطفى الأشرف الذي وصفها بالكاتبة البورجوازية، لكن إيمانها بالكتابة وبالصدق الفني بعيدا عن السياسوية، وقناعتها بأن ما تكتبه هو أقرب إلى نبض الإنسان الجزائري، خاصة الصوت الأنثوي المكسور في مجتمع ذكوري قامع، جعلها تواصل خطها في الكتابة مرافعة بجمال عن حق المرأة في الوجود، امرأة تعاني من استعمارين، من جهة استعمار سياسي وهو الاستعمار الفرنسي الذي صادر الأرض والحرية ومسخ الكينونة التاريخية للجزائر، ومن جهة ثانية استعمار التخلف العاداتي والثقافي المحلي الذي جعل من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية.
ولد صوتها الأدبي ثائرا على تبعية المرأة، ثائرا على وضع الاستعمار ومصادرة الحرية الجماعية والفردية. توجهت آسيا جبار لدراسة التاريخ، وتأكد فيما بعد من خلال رواياتها «بعيدا عن المدينة المنورة» و«الجزائريات في شققهن» و«أطفال العالم الجديد» و«ليالي ستراسبورغ» و«الحب الفانتازيا» بأن التاريخ هو المتكأ الأساس لجميع كتابات آسيا جبار، التاريخ الجزائري والعربي الإسلامي والمتوسطي حاضر بكثافة في جميع رواياتها. رواياتها هي رواية المعرفة ولكنها معرفة في قالب «شهوة الحكاية» والسرد والإمتاع.
صوت آسيا جبار صوت الروائية الشجاعة، شجاعة مؤسسة على ثقافة ومعرفة بالواقع وباللغة وبالأسطورة.
كانت آسيا جبار تبحث في نفسها عن كثير من الطرق والمسارات للتعبير، كانت المتعدد في الواحدة، فهي روائية وشاعرة وقصاصة ومسرحية وهي أيضا سينمائية، فقد أخرجت أفلاما حققت نجاحا كبيرا على المستوى العالمي، لم يكن ذهابها إلى السينما من باب الصرعة بل كان باب البحث عن صوت جديد من خلال الصورة، فأفلامها حصدت كثيرا من الجوائز الدولية المحترمة، وتدرس في الجامعات وتعرف إقبالا كبيرا لموضوعاتها المرتبطة أصلا بالمرأة في كفاحها اليومي من أجل شحذ وعيها الشقي ومن أجل صناعة مكان لها تحت الشمس في مجتمع يهيمن فيه الذكر هيمنة مشرعة له من خلال ثقافة «جنسوية» عنصرية.
تظل الجزائر المحرض الأساس للكتابة الإبداعية عند آسيا جبار، لقد واكبت في كل كتاباتها الإبداعية الروائية والقصصية ما جرى وما يجري في الجزائر بوصفها مركز الاهتمام ومركز هيجان الكتابة وتهييجها، فكما كانت جزائر الحرب التحريرية، وجزائر بناء الدولة الوطنية حاضرة بقوة، فجزائر العشرية الدموية هي الأخرى حاضرة في رواياتها الأخيرة «وهران، لسان ميت» أو «أبيض الجزائر».
تكتب آسيا جبار بلغة فرنسية شفافة، ما بين اللمسة الشعرية والعين التاريخية، تكتب بسرد ينتمي إلى الشرق، ولكنه يقف وسط معمعة الواقع وحراسة التاريخ، مع كل ذلك فكتاباتها لم تسقط في الوظيفية المبتذلة. تعتبر آسيا جبار أول كاتبة عربية وإفريقية تدخل محراب الأكاديمية الفرنسية العام 2005، دخلتها بقوة كتبها، وبما أحدثته في اللغة الفرنسية من تجديد ومن تحريك، وأيضا للرسالة السامية التي تحملها رواياتها الداعية إلى السلام والعدل والدفاع عن حقوق المرأة في العالم الثالث وفي العالم الإسلامي بشكل خاص، من هنا فآسيا جبار فخر المثقف العربي والمغاربي.
لعدة مواسم على التوالي، ومع كل موعد الإعلان عن الأسماء المرشحة لأكبر جائزة أدبية عالمية وأعني بها جائزة نوبل للآداب، يوضع اسم آسيا جبار ضمن القوائم المنتظرة أو المتوقعة لنيل هذه الجائزة، ولعل آسيا جبار إلى جانب محمد ديب (توفي العام 2003) هما أكثر الكتاب المغاربيين اجماعا في النقد ولدى القراء على أهليتهما لجائزة نوبل للآداب، فهل ستكون من حظها هذه السنة؟
اليوم تقوم مجلة نزوى بتكريم الروائية العالمية آسيا جبار من خلال هذا الملف، الذي هو في شكل ندوة شارك فيها ثلاثون كاتبا ومترجما وناقدا من الجزائر، كاتبات وكتابا من جميع الحساسيات الجمالية والفكرية، كاتبات وكتاب يكتب بعضهم بالعربية وآخر بالأمازيغية وثالث بالفرنسية، هي ندوة الإجماع الأدبي على صوت أدبي عالمي متفرد ونادر.
تكرمها مجلة نزوى بهذا الملف/ الندوة التي يشارك فيها كتاب يمثلون أصواتا لثلاثة أجيال أدبية متلاحقة، بمقاربات مختلفة، شهادات فيها العفوية، وفيها الرأي، فيها الاختلاف، كل جيل يقرأ آسيا جبار على طريقته الخاصة وبآلياته المعرفية والجمالية والسياسية التي تشكل فيها وعيه، وعلى الرغم من الاختلاف في الرؤى والمقاربات بين جيل وآخر، بين كاتب يكتب بلغة وآخر يكتب بأخرى إلا أن الجميع في شهادته ومداخلته كان شاهدا على حضور آسيا جبار المتميز في الذاكرة الإبداعية الجزائرية والمغاربية والعالمية.
تكرم مجلة نزوى آسيا جبار التي طرح اسمها ضمن القائمة الأولية للمترشحين لجائزة نوبل للآداب، ولنا أن نتفاءل ونقول إنها أقرب الجميع إلى هذا التتويج.

آسيا جبار في الرأسمال الرمزي للكتابة العربية والعالمية

حين نتساءل عمّا تمثل آسيا جبار من حيث الرموزية الثقافية والأدبية للكتاب الجزائريين الذين يمارسون الكتابة باللغات الثلاثة المتعايشة إبداعيا في الجزائر: العربية والأمازيغية والفرنسية، ماذا تعني هذه الروائية لأسماء إبداعية تنتمي إلى ثلاثة أجيال أدبية.
بصيغة بسيطة: ماذا تعني آسيا جبار للكاتب الروائي اليوم؟
سنكتشف من خلال الأجوبة تقاربا في الرأي من حيث الاعتراف بالقيمة الأدبية والشجاعة الفكرية والاجتهاد لهذه الروائية:
ليلى حموتان (روائية تكتب باللغة الفرنسية من أعمالها: «هاويات» (قصص(، «الرمّال» (قصص)، «دم وياسمين» (رواية)، «الطفل الجزائري» (شعر ... )
إن آسيا جبار كاتبة وامرأة تثير في كثيرا من الإعجاب والتعاطف. ما في شك أنها تعيش بعيدا جسديا عن الجزائر ولكنها لم تبتعد عنها يوما. إننا في جوهر اهتماماتها، وكتاباتها تشهد على ذلك.
لم تتورط كتاباتها بحرب التحرير
حبيب السايح (روائي وقاص يكتب بالعربية من رواياته: «زمن النمرود»، «تماسيخت»، «تلك المحبة» «مذنبون» وآخر روايته «الموت في وهران» 2013 عن دار العين)
امرأة ذات أنوثة باذخة! كاتبة متفردة، مربكة بصمتها. آسيا جبار (فاطمة الزهراء إمالايان: اسمها الحقيقي) هي مِن نَحْت ما يشكل صورة الجزائر الإتنية الفريدة في العالم العربي. لعلها تكون أولى كاتبة جزائرية تهتدي إلى جسدها فيكون ذلك صعقة التحول عندها نحو الكلمات التي وحدها تغدو القادرة على تثمينه بما هو فتنة.
من ثمة قد تكون بداية تكَوّن كل الفعل الأدبي والفني والتأملي الذي سيلحق في خلال مسار تجربتها. هل لانفتانها بالجسد راحت تحرص على أن تنقل إلى (الآخر) صورة عن الجزائر وعن نسائها بالألوان التي يحب أن يراها؛ لعل أهمها تلك التي تركها عليها وهو يغادرها في نهاية حرب التحرير. إنها ألوان تذكارية تشبه إلى حد ما البطاقة البريدية التي اشتغل على تيمتها صنف من الكتاب في المغرب خاصة. لعل روايتها «بعيدا عن المدينة» (1991) تعد توسيعا لمساحة تلك البطاقة!
ولكن، مهما يكن، فإن تجاربها في الشعر والقصة القصيرة والرواية والإخراج السينمائي هي التي بوأتها هذه المكانة المرموقة التي تحظى بها في الفضاء الفرنكوفوني، فرنسا خاصة.
إن كنت أكن تقديرا لموهبة آسيا جبار الفذة وفرادتها في خياراتها التيماتيكية؛ ما تعلق بشرط المرأة خاصة، فإني، كلما قرأت لغيرها ممن عايشتْهم أو جايليتهم من الكتاب الجزائريين، انطرح علي السؤال: ما الذي حال دون أن تكتب آسيا جبار بشكل مضاد للنموذج الكولونيالي، كما كتب محمد ديب وكاتب ياسين؟ وما الذي جعلها لم «تتورط» صراحة وعلانية في حرب التحرير، كما التزم بذلك مالك حداد وجمال عمراني، مثلا؟

الصوت الغريب

بشير مفتي: (من رواياته «أٍرخبيل الذباب» «شاهد العتمة» «بخور السراب» «خرائط لشهوة الليل» «أشباح المدينة المقتولة»، وصلت رواية «دمية النار» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية)
صراحة على عكس الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية مثل محمد ديب ومالك حداد وكاتب ياسين لم اسمع بها باكرا ولم يكن اسمها يتردد كثيرا في الأواسط الاعلامية والثقافية خاصة المعربة منها..لا أدري لماذا كانت مغيبة ؟ وهل هو تغييب إرادي من الكاتبة نفسها أم تغييب قسري من المؤسسة الثقافية والسياسية التي ربما كانت على تعارض معها..لم نكن نقرأ معها حوارات في الصحف والمجلات كما كان الحال مع مختلف الكتاب الآخرين ولو من حين لآخر، ولم تكن تثير زوابع سياسية أو تقوم بتصريحات نارية مثلما كان الشأن مع كتاب من نوع ياسين أو مولود معمري..كانت بعيدة عن مجالات الاعلام والنجومية والشهرة وكان من الصعب أن تلفت انتباهنا ونحن شباب نقبل على القراءة الروائية لمن نشعر أنهم أكثر ثورية وتمردا على واقعنا البائس..أذكر فقط أنه في نهاية الثمانينيات شاهدت بعض كتبها في مكتبة وهي رواياتها الأول أظن «العطش، أطفال العالم الجديد..» المنشورين في سلسلة 10-18 الفرنسية ولا أخفيك لم تثرني لدرجة أن اشتري تلك الروايات فلم يكن عندي أي خلفية أدبية عن كتابتها وطريقة إبداعها .. والغريب أن الكثير من الاسماء الروائية التي جاءت بعدها بعقود اثارت اهتمامنا أكثر مثل مليكة مقدم وحتى نينا بوراوي مؤخرا حيث ترجمت لهما عدة أعمال بالعربية أما آسيا جبار فظلت كأنها الصوت الغريب عن أدبنا نسمع به من بعيد لبعيد ونادرا ما نقترب منه.
خاتمة الكتاب الكبار

أحمد حمدي: (من مؤلفاته: انفجارات (شعر) تحرير ما لا يحرر (شعر) «حومة الطليان» (رواية) وغيرها لا شك ان آسيا جبار من أوائل الجزائريات اللواتي اقتحمن عالم الكتابة باللغة الفرنسية وبالذات الرواية، في فترة زمنية تتميز بثورة عظيمة ومخاض اجتماعي كبير، لقد كانت خاتمة لكوكبة من اعظم الكتاب الجزائريين من محمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون ومالك حداد وجان سيناك، ظهرت أيضاً في فترة كان الادب الفرنسي يعرف فيها تزاحم كاتبات من عيار سيمون دو بوفوار وفرانسواز ساغان.
محمد مفلاح: (من رواياته: الانفجار، هموم الزمن القلاقي، بيت الحمراء، خيرة والجبال، عائلة من فخار، الوساوس الغريبة، شعلة المايدة وله دراسات وأبحاث في الثقافة الشعبية).
آسيا جبار روائية جزائرية شهيرة تكتب بالفرنسية ولا أحد يشك في موهبتها وتميزها، وهي أيضا شاعرة وقاصة ومخرجة سينيمائية، ومناضلة من أجل حرية المرأة، وقد أنجزت أعمالا عن الموروث الثقافي لمنطقة شنوة الأمازيغية بولاية تيبازة (الجزائر)، كما كتبت عن بعض الأحداث التاريخية. وبالنسبة إليّ وبكل صدق، فإن مكانتها الروائية -وهذا ما يهمني في كتاباتها المتنوعة- أجدها ضعيفة جدا في ذاكرتي وتجربتي، وهذا مقارنة بالروائيين الجزائريين الآخرين وهم محمد ديب، وكاتب ياسين، ومولود معمري، ومولود فرعون الذين ربطتني بهم كتاباتهم الإبداعية. أما روايات آسيا جبار الأخيرة فهي من النصوص التي تتداخل فيها الأجناس الأديبة، ورغم ذلك تصر المؤلفة على وصفها بالرواية.
لزهري لبتر: (شاعر باللغة الفرنسية من مؤلفاته: نوفمبر حبي (شعر) ياسمينة أو الحجرات السبع لعقد حبي (شعر) العودة إلى الأغواط، ألف عام بعد بني هلال (قصة) بانوراما الشريط المرسوم في الجزائر 1969-2009 (دراسة) ومؤلفات أخرى)
آسيا جبار هي الكاتبة الأكثر إنتاجا والأكثر شجاعة في وسط الكاتبات الجزائريات، هي الوحيدة التي استطاعت أن تحقق لها مكانة عالمية من خلال كتاباتها المتميزة، وهو ما منحها مكانة واعتبارا وتقديرا أدبيا فاق وتجاوز الحدود الجزائرية. إنها في الأدب، وفي الرواية بشكل خاص المعادل الأنثوي لمحمد ديب، إنها تماما مثله فهما المرشحان لجائزة نوبل٫
مخلوف عامر: (من مؤلفاته النقدية : « مظاهر التجديد في القصة الجزائرية»، «الرواية والتحولات في الجزائر»، توظيف التراث في الرواية الجزائرية»، «الكتابة لحظة حياة»، وآخر ما صدر له كتاب: «الدولة الإسلامية: واقع تاريخي أم نموذج وهمي» عن دار العين 2013).
تعني لي «آسيا جبار» نموذج المرأة المقاوِمة التي اكتوت بنار حرب التحرير كسائر الجزائريين واستطاعت أن تفتكَّ الفرنسية ك(غنيمة حرب) لتؤسس لوجودها ولتقدم للآخر صورة عن أمَّتها، وعن التراث عامة، بغض النظر عن طبيعة قراءتها لوضعنا وللتاريخ، وأن تثبت عملياً أن الأدب لا فرق فيه بين الذكورة والأنوثة، إنما هو أدب أو ليس أدباً، جيد أو رديء.
إبراهيم تازغارت كاتب باللغة الأمازيغية (من مؤلفاته الروائية بالأمازيغية رواية «سلاس ونوجة» وهي أول رواية بالأمازيغية تترجم إلى العربية).
المرأة في بلادي رغم جمالها وذكاء قلبها بقيت لوقت طويل حاملة على أكتافها هموم الوطن وأماله من دون ان يجعل لها المجتمع مكانة كاملة تليق بها. آسيا جبار تحدت النظرة التقليدية الى المرأة وتجاوزت الشفوية التي امتازت بها هذه الاخيرة في نقل الموروث الثقافي لتفرض نفسها بين أهم مبدعات هذا العصر. انها مثل في التحدي والامتياز.
محمد ساري: (من مؤلفاته في الرواية السعير، البطاقة السحرية، المتاهة، القلاع المتآكلة .... ومن مترجماته عناوين من روايات محمد ديب وياسمينة خضرا وأنور بن مالك وبوعلام صنصال).
آسيا جبار هي أولا كاتبة من مدينتي، أعرف عنها وعن أهلها الكثير، وقد بدأت قراءة رواياتها الأولى خاصة أطفال العالم الجديد والنوارس الساذجة وأنا في المتوسطة، لذلك تكتسي مكانة أدبية وعاطفية لديّ، ذلك أنها تتحدث عن أمكنة لي معها ذكريات طفولية جميلة خاصة جبل شنوة وسكانها الريفيون الطيبون ونساؤها المضيافات التي وصفتهن في فيلمها أناشيد نساء شنوة.
حبيب مونسي: (من مؤلفاته في الرواية العين الثالثة، جلالة الأب الأعظم، متاهة الدوائر المغلقة ومن كتبه في النقد: فعل القراءة : النشأة والتحول، نظريات القراءة في النقد المعاصر).
تمثل آسيا جبار «القلم النسائي» الذي شق طريق الكتابة السردية مبكرا، حاملا في أسلوبه وفكره ثنائية «الداخل والخارج» بكل أبعادها الذاتية، والاجتماعية، والسياسية، والحضارية. فقد كانت ابنة معلم في المدرسة الفرنسية، يؤمن إيمانا «مثاليا» بالمبادئ التي استقاها من الثورة الفرنسية، ومن شعاراتها وادابها، وانفتح على المشروع الغربي العلماني بكل آماله وتطلعاته، كما آمن بالدور التكويني الذي تلعبه المدرسة اللائكية التي تحددت معالمها في فرنسا ابتداء من مطلع القرن العشرين. كانت آسيا جبار، تلك الفتاة التي وجدت في مكتبة أبيها ما يفتح شهيتها للإطلاع على الغرب من خلال نصوصه السردية، وولوج صالوناته ومجتمعاته من خلال المخيال المجنح لفتاة في مقتبل العمر، تعيش شرخ «الداخل والخارج» في عودتها يوميا من المدرسة إلى أعراف المجتمع المستعمَر، وإلى حضن الأسرة التي تحاول أن تحافظ على عربيتها وانتمائها التاريخي. إنها تحس بذلك الفارق الحضاري الذي يبعدها عن عالمها المتخيل، الذي تنسج حضوره مما تقرأ وتفكر فيه، ومما تراه من مظاهر البؤس والحرمان والتخلف والأمية.. فكان من الطبيعي أن تحمل كتاباتها ذلك الألم الذي يسري في لوحاتها الوصفية التي تقدمها عن المجتمع الجزائري المحلي، محاولة مناقشة أسباب التخلف، والرجعية، والانكسار، من وجهتها التي أنشأتها من مثال تصبو إليه، ومن واقع تحاول التنصل منه. لذلك كانت كتابة آسيا جبار قريبة من تيار البوفارية الذي يقف عند الجزئيات الدقيقة من المشهد السردي، وتقليب الحوادث من زوايا مختلفة.. تلك التقنية التي ألفناها من قبل في أسلوب «محمد ديب» في الثلاثية، قبل أن يلج عالما فكريا وسرديا مغايرا كل المغايرة، نظرا لانتقاله إلى بيئة أخرى، ربما حتمت عليه ذلك اللون وتلك الرؤية. فقد كتبت آسيا جبار عن المرأة الجزائرية ونعتتها ب «القبرات البليدة» «les alouettes naïves» إشارة إلى سكونها وطواعيتها واستسلامها لقضاء مفروض عليها قهرا.. فكانت هذه «العتبة» بمفردها شارة على التوجه المبكر في فكر آسيا جبار وفي رؤيتها للواقع النسائي الجزائري. فلم تكن دعوتها دعوة نسوية «féministe» بمعنى التنكر والتنصل من الجذر الجزائري والعرف، وإنما كانت دعوة إصلاحية بكل بساطة، وجدت في قلم آسيا جبار مجالا للانتشار. عملت آسية جبار على صقل أسلوبها السردي، وحبك عبارتها الأدبية، فارتقت بها إلى مصاف الأدباء الذين يحفظون للحرف الفرنسي نبالته وإشراقته، ويجددون فيه عبارته ولغته، وكأنهم أمناء الأمة على لغتها وجمال حرفها. ومن ذلك نالت شرف الأوسمة والشارات التي تزين صدرها اليوم. وإننا حين نقرأ كتابتها نتحسس ذلك التأنق البهي في اختيار اللفظ، وتلك الرشاقة الأرستقراطية في سبك العبارة، وذلك الفضاء المشرق الذي يسبح فيه الخيال. فقد استطاعت أن تستجمع في لغتها جماليات كثيرة من الفلوبيرية إلى البروستية مع مزيج من شعرية مالارميه يتخلل الجمل القصيرة ويوقعها.
يوسف مراحي: والأمين العام السابق للمحافظة السامية للغة الأمازيغية، هو شاعر وروائي وإعلامي يكتب بالفرنسية وبالأمازيغية (من مؤلفاته بالفرنسية: «الحابل بالنابل» (رواية 2010)، وهران على سلم 31 (شعر) مذكرات قبائلي، والظل يغتال الضوء ( شعر) وغيرها٫
إن آسيا جبار تنتمي إلى جيل كتاب حرب التحرير الجزائرية، باعتبار أن أول رواية لها وهي «العطش» صدرت العام 1957 في منشورات جوليار بباريس. هذا النص الأول يدور حول الجسد والحميميات الأنثوية، وهو ما سيوجه لاحقا كتابات آسيا جبار ويتحكم فيها. ومع أنها كانت تكتب في ظل الحرب، في ظل واقع تاريخي هادر، إلا أن رواياتها الأولى لم تكتب هذا الواقع العنيف، وخطابها الأدبي ظل بعيدا عن الأسلوب الانتقامي. وظلت وفية لموضوع تحرر المرأة منذ بداياتها الأولى مرورا بكل رواياتها وصولا إلى أفلامها.

تقبض على أثرها بالكتابة

ذهبية عمور: (كاتبة وباحثة في الثقافة الشعبية وفي علم المكتبات في فرنسا) بالنسبة لآسيا جبار، الكتابة وجود أنطولوجي، لو أنها لم تكتب ما كان أن يكون لها وجود. الكتابة هي الأثر الوحيد الذي تريد أن تقبض عليه قبل أن يتلاشى، من أعمالها التي أثرت في والتي أقترحها للقراءة، إنها رواية « واسع هو السجن»، حيث تستعيد ومن الصفحة الأولى عبارة كانت قد غنتها الكاتبة طاووي عمروش، كاتبة أخرى من تبر خاص، تستند آسيا جبار في كتاباتها الإبداعية على تخصصها الأول وأعني به «التاريخ». تحاول آسيا جبار أن تحتفل بالتاريخ في نصوصها كي تثمرها وتغرقها في الواقع. إنها بافعل أديبة أركيولوجية المعرفة. حتى تتحرر من أي حصار، تحاور آسيا جبار كثيرا من الثقافات خلاقة حوارات بينها. إنها تسكن التاريخ كي تسكنه مراتب الكلام .
يوسف وغليسي: (من دواوينه الشعرية: «أوجاع صفصافة في مواسم الإعصار»، «تغريبة جعفر الطيار» من كتبه النقدية : «الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض – بحث في المنهج وإشكالياته»، «النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية»، «التحليل الموضوعاتي للخطاب الشعري» ودراسات أخرى).
آسيا جبار في تقديري هي عنوان من عناوين أدب إشكالي الهوية، جزائري الروح.. فرنسي اللسان، أدب منفيٌّ في لغة الآخر، هو أدب المنفى أو أدب اللجوء اللغوي (على غرار اللجوء السياسي)، أدب هاجر إلى لغة المستعمر واغترب فيها وظل يحنّ إلى لغته الأم، رواده آمنوا بأنّ الفرنسية هي منفاهم اللغوي، وأنّها «غنيمة حرب» و«وسيلة تعبير» لا غير.
لأنّ اللغة جزء لا يتجزأ من الهوية، فإنّ هذا الأدب يظلّ مضطرب الهوية، لأنّ الأدب ينتسب إلى لغته. ولنا أسوة في الأدب الشعوبي القديم (لدى بشار بن برد وعصبته) الذي نسبناه إلى أدبنا العربي رغم أنّه ترعرع في كثقافة إسلامية مضادة لمحتواه. آسيا جبار أيضا هي إحدى مؤسّسات الكتابة النسوية في الجزائر.
محمد داود: مدير وحدة البحث في «الثقافة، الاتصال، اللغات، الآداب والفنون» (من مؤلفاته: الرواية الجديدة: بنياتها وتحولاتها 2014):
الروائية آسيا جبار هي من أهم الأقلام النسوية بالجزائر وفي العالم العربي والعالم، كانت مناضلة بالقلم من أجل رفع قيمة المرأة وتمكينها من حقوقها وفي الاطار أظن أنها قدمت الكثير وأسهمت في نشر الوعي الثقافي بقضايا المرأة.
أحمد دلباني (من مؤلفاته: «قداس السقوط: كتابات ومراجعات على هامش الربيع العربي» «السمفونية التي لم تكتمل: في أركيولوجيا الانتكاس وانفجار الأصوليات» وغيرها). أعتقدُ، كغيري من المثقفين والكتاب الجزائريين بالطبع، أن آسيا جبار اسمٌ استثنائي وإشكالي في المشهد الثقافي الجزائري والمتوسطي معا. إنها مبدعة، باعتبارها روائية وسينمائية، حاولت طرح قضايا الوعي الوطني الممزق بفعل ترسبات الوجود الكولونيالي، كما حاولت تناول قضايا المرأة المطمورة تحت تعاليم الشوفينية الهوياتية الضيقة التي مارسها النظام الذي استلم مقاليد الحكم بعد حرب التحرير الجزائرية. هذا ما يجعل منها شاهدة على شروخ الهوية وانكسارات التاريخ ووجه الذات الضائع الممزق تحت سنابك اللحظة التي فقدت التجانس. يتجلى هذا في حياتها وأدبها وخياراتها على مستوى اللغة والإبداع والتفكير. لقد اختارت «أن تسكن لغتنا بصورة رائعة» كما يُعبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك وهو يحتفي بها بعد دخولها الأكاديمية الفرنسية. من هنا نفهمُ كونها في قلب الجدل الذي يتناول هوية الكاتب الثقافية بعامة.
جمال معطي: (من مؤلفاته بالفرنسية: سيبيركافي (رواية) حامض-حلو (رواية، كأنما الجنوب (رواية 2007).
لدى آسيا جبار هناك حاجة ملحة للكتابة أو بالأحرى للانكتاب، ومن خلال هذا الفعل ما بين الداخلي الذاتي والخارجي، إنها تنفتح على الآخر وعلى نفسها، كل هذا شعرت به وأنا أقرأ روايتها «الحب، الفانتازيا» وأيضا «نساء الجزائر في شققهن». من خلال القراءة نشعر بذلك الالتحام والتماهي ما بين الماضي والحاضر، انهما في حالة من التجاذب أو التدافع، إنه ممر تاريخي ما بين الجزائر وفرنسا، ولا تفوتنا ونحن نقرأ الرواية الاستماع بدهشة إلى أصوات النساء بهويات متعددة اللواتي يتحدثن عن حياتهن كما نتحدث عن فاكهة استوائية، تتحدث برغبة، بحشمة ولكن بشجاعة!
سعيد بوطاجين: (صدرت له أخيرا ترجمة رواية «نجمة» لكاتب ياسين إلى العربية 2013، كما ترجم «الانطباع الأخير «لمالك حداد، من مؤلفاته أيضا أحذيتي وجواربي وأنتم وغيرها..(آسيا جبار كاتبة محترمة لها عدة اهتمامات فنية، وقد كانت حاضرة في الرواية والمسرح والشعر، ثم في الأفلام الوثائقية، إضافة إلى تأثيرها اللافت في المشهد الثقافي، الجزائري أوَلا، ثم الفرنسي والعالمي من خلال نقل كتاباتها إلى لغات عالمية، إضافة إلى تواجدها في الجامعات المعروفة كأستاذة لها تجربة كبيرة بدأتها في الجزائر، إلى أن وصلت إلى الولايات المتحدة، وهي فائزة بجائزة السلام، إضافة إلى قيام هيئات بترشيحها لجائزة نوبل. إن شخصية كهذه تستحق الثناء، بصرف النظر عن مواقف بعضهم. إلاَ أنها ستظل، دون شك، إحدى القامات الأدبية المغاربية والعربية.

منشغلة بالهم الانساني

فيصل الأحمر (من مؤلفاته: «كتاب الرؤى» (شعر) و«ساعة حرب، ساعة حب» (رواية) 2013(
تقف آسيا جبار على حواف مجموعة من القيم الرمزية تجعلها تشكل حالة أدبية و«ثقافية» خاصة، ليس في الأدب الجزائري – كما يروج- ولا في الأدب الفرنسي – كما هو متوقع- بل في الأدب العالمي بصفة شاملة...
لقد شغل خروج امرأة العالم الثالث من دائرة المطالبة بالحريات البسيطة أو دائرة الجدل والمحاجاة لأجل فرض الوجود اجتماعيا ككائن معترف به يجاور الرجل، صوب التواجد كذات معترف بها موجودة في ذاتها ولأجل ذاتها – لا تعرف من خلال «آخرية» الرجل، شغلت هذه المسيرة زمنا كبيرا، نلاحظ آسيا جبار تختزله ببراعة كبيرة آتية بما تستطعه الأوائل...وذلك من خلال كتابة ذات طابع فلسفي تأملي، مشبع بالهم الإنساني وبالوقوف في وجه التهميش عموما مثلما كان شكله وأيا ما كان لبوسه،...فالمرأة من زاوية نظر آسيا جبار هي «كائن» نبيل منشغل بالهم الإنساني يفكر من زاوية الإنساني، وليست «رجلا مصابا بنقيصة الأنوثة» يجاهد لأجل إثبات وجوده في عالم هو ليس عالمه بالدرجة الأولى.
اليامين بن تومي: (من مؤلفاته: «مرجعيات القراءة والتأويل عند نصر حامد أبو زيد»، «فلسفة السرد: إشراف وتقديم» «في سؤال العلمانية – كتاب مشترك»، «من قتل هذه الابتسامة» (رواية) وكتب أخرى(.آسيا جبار هي ما يمكن أن نصف بالعلامة التأسيسية للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية،أقامت داخل اللسان الفرنسي لتتجاوز مآزق الهوية التي صادرت المرأة وجعلتها صوتا مبحوحا خارج الإرادة،فداخل البوح اللغوي تمكنت «آسيا جبار» من تأسيس جبروت رمزي ومخيالي لشذرات من السيرة المنسية لتدفع بخطاب الأنثى والأمومة نحو التعالي، وهي ترسم في جدارية تيهنا الوطني من خلال تجميع وحدات بنيوية ورمزية للهوية لكن داخل منفي قسري تاريخي وبنيوي، هذا الأخير الذي أنهك الذات وجعلها متورمة على أسطح العلامة اللغوية
عبدالرحمن مزيان: (ترجم من الفرنسية إلى العربية بعض روايات رشيد بوجدرة و«الخنوع» و«الغزوة» لأمين الزاوي وغيرها)
شكرا أ. د أمين زاوي على هذه الاستضافة الثلاثية: استضافتي واستضافة آسيا جبار والأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية. دعني في البدء استشهد باعتراف شاعر أرجنتيني الذي ترجمت إلى العربية ديوانه «أنا أيضا» حيث يقول بخصوص الأدب الجزائري: «إلى الجزائر. أجدها في صدى لغتي الأم وفي أعماق بلدي، في جنوب الأرجنتين. الجزائر والأرجنتين يتقاسمان رنين الفضة، بالتأكيد، أشياء أخرى أكثر جذابة أيضا. جراح التاريخ ولنا وهران وكرة القدم... إلى غايات الأدب الجزائري الذي نوع عالمي.» كارلوس ألفارادو.
في البداية أشير إلى أن الحديث عن آسيا جبار هو حديث عن مسيرة أدبية إبداعية، بدأت منذ سنة 1957 إلى اليوم. إنها مهمة زمنيا. دون أن ننسى طبيعة هذه المسيرة الأدبية التي تراوحت وتنوعت بين الإبداع الروائي والمسرحي والشعري والسينما وباللغة الفرنسية. هذا المشهد الإبداعي يوحي لأول وهلة بثرائه وتنوعه وإشكالية الكتابة باللغة الفرنسية.
آسيا جبار بالنسبة إلى حالة خاصة جدا بالمفهوم الإيجابي إذا ما علمنا أنها أول عربية وأول مسلمة تدخل المدرسة. هذا في حد ذاته تحد. كما أنها فرضت نفسها في وقت الاستعمار الفرنسي. بل أنها تجاوزت هذا إلى الإبداع. كما أنها فرضت نفسها كأنثى في مجتمع رجولي. آسيا جبار أعتبرها من بين مؤسسي الجامعة الجزائرية، لأنها درست بها. كما أنها عنصرا مهما في تأسيس الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية وأعتبرها من الرواد إلى جانب جون موهوب عمروش ومحمد ولد الشيخ وكاتب ياسين.
غائبة عن المشهد الجزائري

رابح خدوسي: (من مؤلفاته الأخيرة: موسوعة العلماء والأدباء الجزائريون، انطباعات عائد من مدن الجمال ونصوص أخرى).
شهادة المبدع حول نظيره تأتي أحيانا بلا طعم لأنها لا تخلو من المجاملة وأحيانا الأحكام الجاهزة، وبالتالي تتأكد أهمية رأى الدارس المخبري كرأي مؤسس يتضمن شرعية النقد وممارسته. وحتى الملتقى القرائي للنص على عفويته في التحليل الانطباعي وفي الموقف الشخصي لا يختلف اثنان على أن آسيا جبار كاتبة جزائرية معروفة بغزارة وتنوع وانتشار إنتاجها الأدبي عالميا. . كما هي معروفة بمسارها المهني في الجامعة والصحافة والإخراج السينمائي وبكتاباتها عن المرأة والمشاكل اليومية سيما خلال فترة الاحتلال وهذا ما تتضمنه روايتها (الحب والفانتازيا).
في أيامنا هذه اسم آسيا جبار خارج الوجدان الجزائري، نعم قد تحتفظ لها الذاكرة والمكتبة بنصوصها كأي أديب لكن انفصالها عن المجتمع الجزائري حضورا وإعلاما جعلها خارج الزمان والمكان الجزائريين، انها غائبة عن المشهد الجزائري، فاسمها يذكر فقط شهر اكتوبر أثناء التكهنات بأسماء المرشحين لجائزة نوبل.

ملامح الكتابة العالمية في سردياتها

أحمد عبد الكريم: (من مؤلفاته : «معراج السنونو» (شعر) و«عتبات المتاهة» «رواية» و«اللون في القرآن والشعر» وغيرها...(آسيا جبار هي علم من أعلام الرواية العالمية، لا يختلف اثنان في أنها علامة لافتة في مسار الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية على الأقل، استطاعت أن تكتسب هذه المكانة بقوة الإبداع والحفر عميقا في المواضيع والهواجس التي اشتغلت عليها طوال مسيرتها الإبداعية التي امتدت لعقود من الزمن .
سمير قسيمي: (من رواياته: هلابيل، في عشق امرأة عاقر، الحالم، صدرت له مؤخرا رواية «حب في خريف مائل» 2014(.
لم أجد لحد الآن تفسيرا واضحا لغياب «آسيا جبار» في النصوص النسائية في الجزائر وحتى في الوطن العربي.، رغم أنها بالنسبة لي قد تكون أفضل ممثل للأدب النسوي وأحسن من خاض فيه. إنك حين تقرأ «امرأة دون قبر» أو «الحب والفانتازيا» تدرك أنك أمام هرم سردي تخلى عن جنسه-ذكر او أنثى- ولكن في نفس الوقت يحاصرك الحس الأنثوي الذي لا تجعله آسيا جبار كتيمة في كتاباتها بل كقضية تتحسسها بين السطور، وهو ما تختلف فيه عن كل الكاتبات العربيات بدون استثناء حتى اللواتي يرفعن شعار الأدب النسوي. فالكتابة بالنسبة لآسيا جبار التي للأسف لم أقرأ لها إلا «امرأة دون قبر» و»الحب والفنتازيا» تتعدى قضية المرأة والوطن إلى الانسان والبشرية. حقيقة ترتكز على الجزائر وتاريخها وملامح شخصياتها جزائرية بشكل عام إلا أن ارتكازها لا يعدو أن يكون إلا مركز دائرة بقطر غير محدود.. في هذا تظهر ملامح الكتابة العالمية في سردياتها، وهي نفس الملامح مع الفارق بالطبع التي تستشعرها في كتابات محمد ديب، مركزا على جملة «مع الفارق». ملامح كتابة جعلتها تترجم لمعظم لغات العالم باستثناء-وللمفارقة المضحكة المبكية- اللغة العربية، لغة وطنها الجزائر...
ماذا بقي من آسيا جبار، ما هي أهم رواياتها الأكثر تأثيرا في الكتّاب وفي الكتابة وفي القراء؟
محمد مفلاح: أرى أن الأديبة آسيا جبار لم تشتغل كثيرا على معنى الكتابة، كما هو الأمر بالنسبة للكاتبة والمخرجة السينيمائية الفرنسية «ماغريت دوراس» مثلا. وقد بحثتُ من خلال قراءاتي القديمة لأعمال آسيا جبار أو لنقول حول أدبها فكانت كلها حول موضوعات المرأة والتراث الثقافي ومعضلة اللغة في الجزائر، وفي أغلب الأحيان كانت تقدم أعمالها بنظرة تاريخية وانترولوجية.
وأنا صراحة، لم أجد لإبداعها الأدبي أي تأثير في تجربتي الكتابية، وحتى رواياتها «العطش» و«أطفال العالم الجديد» و«القبرات الساذجة» التي قرأتها في السبعينيات من القرن الماضي فقد انمحت جل أحداثها من ذاكرتي ولم يبق منها إلا أسماء غامضة (نادية، ونفيسة الخ). أما كتاباتها الأخيرة ومنها «بعيدا عن المدينة»، و«الحب.. الفنتازيا» و«وهران.. لغة ميتة»، فلم استطع الانتهاء من مطالعتها. وقد يعود سبب ذلك لعلاقتي الودية بأدب الروائيين الجزائريين الذين يشتغلون على موضوعات لها علاقة بالذات المبدعة والواقع الجزائري المعيش بكل تناقضاته.
والمتتبع لنشاط الأديبة آسيا جبار يشعر بأنها ترغب بالدرجة الأولى في تمرير خطاب نحو الآخر وبنفس الرؤية ذات المسحة التاريخية، ويبدو ذلك جليا منذ الصفحات الأولى من كتاباتها التي تستند فيها إلى المراجع والمصادر (لوحات «ديلاكروا» في قصص «نساء الجزائر في شقتهن»، وكتب التراث والتاريخ في «بعيدا عن المدينة».. وكتابات وأبحاث «المجلة الأفريقية» عن المقاومة ومحارق الظهرة في مشاهد «الحب.. الفرنتازيا»). كم تمنيت لو استغلت مبدعتنا آسيا جبار دراستها للتاريخ واشتغالها على التراث لإنجاز روايات تاريخية نابضة بروح بلادها. وقد تفرجت مؤخرا على فيلمها الوثائقي «زردة وأغاني النسيان» فوجدته عبارة عن مجموعة من صور الأرشيف عن تراث ومقاومات المغرب العربي. وأعتقد إن ايمانها بال»هوايات» أفقدها هويتها المميزة فوجدت نفسها في فضاء الآخر فقط.
قد تكون رواية «القبرات الساذجة» التي تطرقت فيها الكاتبة آسيا جبار إلى هموم جيل ضائع في عالم موزع بين حضارتين، ومن شخوص الرواية أتذكر اسم «نفيسة» رمز الفتاة المتحررة والتي ظلت في الوقت نفسه تقدس التقاليد العريقة.
الصفة التاريخية لأعمالها

يوسف مراحي: ما يشدني فعلا وبقوة إلى كتابات آسيا جبار هو طريقة طرحها لتلك الحشمة التي تصبغها على صور المرأة في شخوصها رواياتها، وكذا الصراحة الكاملة التي من خلالها تعرض حركات المرأة وسلوكاتها. لقد عرفت آسيا جبار كيف تموقع المرأة في ظل مجتمع ذكوري، حيث هيمنة الرجل هيمنة مطلقة. لقد قاربت بشكل متميز الثنائية رجل / امرأة في الجزائر، وهي الإشكالية الأكثر حضورا في كتاباتها.
ولكن لا يوجد فقط هذا الموضوع، يل إنها طرحت إلى جانب ذلك كثيرا من الإشكاليات الأخرى كالهوية ومسألة اللغة، وبشجاعة أيضا تحملت انتماءها للفرنكوفونية، كما أنها توقفت كثيرا عند الدور الذي على الكاتب أن يلعبه في مجتمعه وفي العالم.
سمية محنش: (شاعرة من الجيل الجديد من دواوينها «مسقط قلبي»).
من كل أعمالها أحببت فيلمها «الوليمة أو أغاني النسيان».
عندما نعود بذاكرتنا إلى فيلم شاهدناه أو كتاب قرأناه فيما مضى، يحدث أن تسترجع الذاكرة انفعالاتها فتعيش الماضي مجددا في صورة حية للحاضر، وهو ما يحدث مع العديد من أعمال آسيا جبار، فالحديث عن آسيا جبار يأخذني إلى «ليالي ستراسبورغ»، و«امرأة لم تدفن»، ولا يبعدني «عن الزردة أو أغاني النسيان»، غير أنه يقربني جدا من «نوبة نساء جبل شنوة «، ربما لأن فاطمة الزهراء إمالاين التي رسخت في ذهني صورة أولئك النسوة وهن يرقصن على أنغام النوبة الممتزجة بالغناء والبندير أكثر من أية مشاهد أخرى من روايتيها سالفتي الذكر أو فيلمها الآخر، تكون ابنة ذلك الجبل،الذي اتخذت منه مغارة لحرية المرأة وطريقا لتحررها في هذ الفيلم، ولعلها نقلت إلى الكثيرين دون أن تدري صفات بطلتها وهي تصافح اخيرا ذاتها وتعود بعد قطيعة إلى منبتها وتاريخ أهلها ومنطقتها. إن أكثر ما أحببته في هذا الفيلم، هو إصرار كاتبته على إخراجه من الورق إلى عمل سينمائي رغم مرور 20 سنة على كتابته قبل 36 سنة من الآن، ناهيك على أنه صور جانبا من حرب التحرير الوطني، وبين دور المرأة فيها، دون أن يغفل التاريخ الجماعي الذي جسدته في مشاهد الجدات وحولهن حلقات الأطفال وهم يستمعون لقصصهن وحكايتهن . أحببت في ذلك الفيلم أيضا التزاوج بين الأدب المكتوب والأدب الشفوي كما عبرت عنه آسيا جبار، إلى جانب الأثر الجميل الذي تركته النسوة من خلال مختلف وظائفهن في ذلك الفيلم الذي سيبقى شاهدا على سعي المبدع لإخراج كائناته الورقية والحبرية إلى كائنات حية من لحم ودم، كتابة وإخراجا.
بن ساعد قلولي: من مؤلفاته «استراتيجيات القراءة/ المتخيل وهوية الاختلاف في الإبداع والنقد»:
لم أقرأ للروائية آسيا جبار بتاتا وهذا القصور يعود إلى أن أعمالها لا وجود لها في سوق الكتاب الجزائري، وكل ما قرأته فقط بعض المقالات النقدية التي كتبت عن بعض أعمالها .
لا أدري كيف لم أتمكن من الاقتراب من العوالم الإبداعية للروائية آسيا جبار رغم أني قرأت أغلب النصوص التأسيسية الأولى لمجايليها (ديب – كاتب ياسين- مالك حداد الذين شكلت منجزاتهم الروائية النواة الأولى لميلاد وتشكل رواية جزائرية انبثقت من أتون العنف الثوري الجزائري كمعطى ابداعي شديد الخصوصية والتمسك بقيم التحرر من الاستعباد والظلم الذي كان سائدا في ذلك الزمن. ولسوء حظي أني لم أصادف في رحلتي مع القراءة والانغماس في دائرة المتخيل الإبداعي أي عمل لآسيا جبار وهي الروائية البعيدة عن الأضواء نظرا الإبداعية تكاد تكون منعدمة الحضور في فضائنا الاجتماعي والثقافي رغم دبيب حركة النشر في السنوات الأخيرة باتجاه التراكم والانفتاح النسبي وزوال فعل الرقابة السياسية على بعض الأعمال الإبداعية نسبيا ولا أدري لماذا لحد الآن لايزال هذا الصوت الروائي محور تداول محدود جدا لدى بعض الكتاب من الذين يتخذون من اللغة الفرنسية وسيلتهم التعبيرية وواسطة تواصلهم مع قراءهم ولم تمتد يد الترجمة الأدبية لآثارها الإبداعية فهي غير مقروءة كما نعلم جميعا لدى القارئ المعرب والأجيال الجديدة رغم توفرنا على مترجمين أكفاء في حقل السرد العربي من الذين أخلصوا لمسألة «عودة النص» وقدموا ترجمات مهمة ونوعية لأصوات روائية جزائرية من مختلف الأجيال والحساسيات الإيديولوجية والفنية على غرار محمد ساري والسعيد بوطاجين وأمين الزاوي وأحمد منور وغيرهم فمتى نرى ذلك أتمناه أن يكون قريبا جدا فمن الإجحاف حقا أن يظل هسيس هذا الصوت الروائي النسوي بعيدا جدا عن مخيال المثقف الجزائري المعرب وغير مطروح للتداول الإعلامي والنقدي
ليلى حموتان: «بعيدا عن المدينة المنورة» يعد الكتاب الذي أثر في بشكل واضح، فهذا الكتاب صبغ كثيرا من الإنسانية على النساء اللواتي كن في محيط الرسول (ص). يمكنني أن أضيف إلى أن روايتها «الحب، الفانتازيا» هي بحق نشيد الجزائر.
بشير مفتي: لم أقرأ آسيا جبار في البدايات وبالتالي لا أشعر أنها اثرت في رواياتي وهي تنتمي لعالم كتابة يختلف عن حساسيتي نوعا ما، فهي تهتم كثيرا بالتاريخ وبالمرأة ووضعها الاجتماعي والنفسي والحياة الداخلية للمجتمع الجزائري ومن خلاله العربي الإسلامي، وبمنطقتها المميزة حيث استثمرت كثيرا في الموروث الشفوي الشعبي، أما أسلوبها فيميل إلى الاقتصاد اللغوي والتعبير المجازي فتحس أن كل كلمة في مكانها وأن تعبيرها السردي مميز للغاية وله نكهته الخاصة التي لا تحصل إلا لمن اجتهد واشتغل كثيرا على لغته الروائية.
يؤسفني أن أخبرك أنني لم اقرأ لها ولا رواية واحدة رغم أنني منذ سنتين أو ثلاثة اشتريت معظم أعمالها الروائية خاصة الأخيرة وأن الكتاب الوحيد الذي قرأته لها بمتعة وحزن هو «بياض الجزائر» وهو إن لم يكن رواية فهو قريب منها ويتحدث عن جنازة ثلاث كتاب جزائريين حضرت الكاتبة لجنازتهم ومن خلال الجنازة تحكي لنا علاقتها بهم وبالجزائر وبالكتابة وغير ذلك كتاب رائع على كل المستويات.
الحبيب السائح: إننا، حين نقرأ لغيرنا من الكتاب، نكون في حال انتباه دائمة إلى جهدهم في البناء وفي الأسلوب وفي تركيب الجملة ولكن أيضا في حفاظهم على أدبية النص مهما تكن خياراتهم التيماتيكية. من هذه الناحية، لا يمكن لقارئ آسيا جبار إلا أن يقيم معها حوارا حول مفهوم الكتابة؛ خلاصته تفضي بالضرورة إلى مثل هذه النتيجة: إذاً، لا بد من الابتعاد مسافة!
لعل «بعيدا عن المدينة» (Loin de Médine)، في لغتها الأصلية! المقصود بالمدينة، «المدينة المنورة»، ذلك لهذه الجرأة التي اقتربت بها آسيا جبار من عالم المرأة في القرن الهجري الأول (مع وفاة الرسول محمد)، كما لهذا الصبر الجميل النافذ والعنيد على وطء أشواك التاريخ الإسلامي والمشي على بيض المحظور أن لا تنكسر منه واحدة؛ وأخيرا، لهذه المشهدية من صور الحب والعشق، ولاحتفال النص بأسماء نساء عظيمات: إنها موهبة آسيا جبار الفذة في تحويل التاريخي «الثابت» إلى الأدبي المتخيل الذي ينبسط كواقع أخطأه التاريخ.
لا بد أن أذكر، هنا، أن دار نشر جزائرية اتصلت بي لترجمة «بعيدا عن المدينة»؛ وقد بدأتُ فعلا، بعد اتفاق مبدئي. ولكن يبدو أن المشروع قد توقف بسبب إجراءات شراء حقوق الترجمة من دار (Albin Michel) الفرنسية.
المايسة بوطيش (شاعرة باللغة الفرنسية من مؤلفاتها «غن لي يا ريح الشرق» شعر).
واحد من أعمالها الإبداعية التي أثرت فيّ روايتها «امرأة بدون قبر» التي صدرت العام 2002، فيها خلدت آسيا جبار المرأة الجزائرية البطلة في ثورة التحرير. فشخصية زليخة امرأة من شجاع، تترك كل شيء وراءها، تحمل السلاح وتلتحق بالجبل لأجل الدفاع عن استقلال البلد، تستشهد، حيث لا ترجع إلى أبنائها، لم يتمكن الأبناء من العثور على جثمانهالدفنه الدفن الذي يليق بالشهيدات
محمد ساري: صراحة لا. رغم قراءتي المبكرة لرواياتها لم تمثل النموذج الذي حلمت به، ربما لأنني بدأت الكتابة والجو الثقافي يعج بصخب الكتابات الثورية الاشتراكية والاندفاع النقدي القوي، لذلك وجدت ضالتي في كتابات الطاهر وطار ورشيد بوجدرة ومحمد ذيب وكاتب ياسين ونوعا ما مالد حداد. في السبعينيات كانت الأيديولوجيا الاشتراكية وكتابها عبر العالم يشكلون نموذجا لنا نحن الذين كنا نخط سطور إبداعاتنا الأولى. في حقيقة الأمر لم أكتشف قوة سرد وشعرية آسيا جبار إلى مؤخرا، يعني بعد نضج تجربتي الأدبية، وتوغلت في قراءة كتبها حينما عادت إلى الكتابة الروائية بعد انقطاع سنوات مع «الحب الفانتازيا› وبعد ذلك مع بعيدا عن المدينة المنورة وأخيرا «لا مكان في بيت أبي» والتي ترجمها مؤخرا المترجم المرحوم محمد يحياتن.
أروع رواية لها عندي هي بلا أدنى مقارنة «بعيدا عن المدينة المنورة» حيث راحت تحفر في كتب التاريخ العربي الإسلامي ليعيد الحياة لنماذج نسائية لعبن دورا مرموقا، سواء مع الدعوة المحمدية أم ضدها، وشكلت منهن صورا نسائية رائعة من الإقدام والشجاعة ورجاحة الرأي، وكل هذا في وصف سردي وشاعري قل نظيره في الأدب الفرانكوفوني. ويمكن أيضا أن أضيف كتابها الأخير، وهو سيرة حياتها (الطفولة والمراهقة والدراسة) وهي أيضا شهادة حية لمرحلة عصيبة خاصة ما تعلق بتعليم المرأة العربية في العهد الاستعماري، والتقاليد التي تمنع الأهل بتسجيل بناتهم للدراسة خاصة بعد البلوغ. فكانت حياتها صراعا قويا وبفضل تشجيع أبيها المعلم، تمكنت من مواصلة دراستها. فتقرأ الرواية السيرة بشغف كبير، لقوة شعريتها وسرديتها في رصد التفاصيل الصغيرة التي تمنح الحياة للمشاهد المصورة.
عن الحب والفانتازيا

إبراهيم تازاغرت: آسيا جبار كتبت عن المرأة عبر سيرتها الذاتية، كتبت عن اللغات الحب في علاقته باللغات وثقافات لمها التاريخ في فضاء اسمه الجزائر. آسيا جبار هي الكتابة مجسدة في السينما والفيلم الوثائقي الذي أسس لذاكرة أمة مجروحة لكنها مرفوعة الجبين ومتحدية. بدون شك كان لهذه الكاتبة المرموقة تأثير علي كتاباتي كروائي وقاص. كلنا نحمل نفس الهموم والارهاصات. كل حسب زمانه وموقعه من الاحداث.
ما أجمل رواية قرأتها لها هي «الحب والفنتازيا». العنوان في حد ذاته مشروع وتحدي. هذه الرواية كعمل ابداعي هي عمر الانسان في فردوس الطفولة وجنون الشباب وصولا الى هدوء الكبر وغموضه. الولادة الجديدة في ليلة الزفاف لا تعيد أحلاما لم تعرف معنى الهموم. هموم التاريخ وتمزقات الذات في لغة الأم التي لم يبق فيها الى ذلك الحنين الي أغاني الحب العذري هل تعتقد أنها ظلمت من طرف بلادها حيث لم تكرم؟
سمير قسيمي: الكتابة بالنسبة لآسيا جبار التي للأسف لم أقرأ لها إلا «امرأة دون قبر» و«الحب والفنتازيا» تتعدى قضية المرأة والوطن إلى الانسان والبشرية. حقيقة ترتكز على الجزائر وتاريخها وملامح شخصياتها جزائرية بشكل عام إلا أن ارتكازها لا يعدو أن يكون إلا مركز دائرة بقطر غير محدود.. في هذا تظهر ملامح الكتابة العالمية في سردياتها، وهي نفس الملامح مع الفارق بالطبع التي تستشعرها في كتابات محمد ديب، مركزا على جملة «مع الفارق». ملامح كتابة جعلتها تترجم لمعظم لغات العالم باستثناء-وللمفارقة المضحكة المبكية- اللغة العربية، لغة وطنها الجزائر...
أحمد دلباني: قد لا يختلفُ معي الكثير عندما أقول إن آسيا جبار كانت – بين الكتاب الفرانكوفونيين الجزائريين – هي الأقل تأثيرا في الأجيال الأدبية اللاحقة. فهي لم تمتلك سحر كاتب ياسين أو مالك حداد ومحمد ديب. ولكنها ظلت تطل من شرفة بعيدة حاملة قضية الجزائر المتعددة ثقافيا ولغويا بمعزل عن تاريخ التمويه الإيديولوجي الذي حاول حجب فسيفساء الذات الضاربة في عمق التاريخ. كما حاولت أن تعدد من أشكال حضورها الثقافي التعبيري من خلال تجربتها السينمائية كما هو معروف.
سعيد بوطاجين: أتصوَر ذلك، بيد أني لا أستطيع الجزم. آسيا جبار لها قوة سردية كبيرة بفعل الجهد الذي تبذله من رواية إلى أخرى، والمعروف أن لها معجمها وقوة زادها المعرفي وطريقة تعاملها مع الجملة والبناء، إذ عادة ما أثثت كتاباتها بمرجعيات مركبة لقناعاتها بأن النص يظل مفتوحا على التاريخ والفنون والحقول الأخرى. لا يوجد كتَاب كثيرون لهم هذه الرؤية. أتذكر في هذا السياق كتَابا عالميين من نوع نيكوس كازانتزاكي وهنري ميللر وهرمان هيسه وغانتر غراس وغيرهم، لكن ذلك لا ينفي وجود عينات لها التوجه ذاته في الوطن العربي.
قد يكون لآسيا جبار، أو فاطمة الزهراء إيمالاين، وهو اسمها الحقيقي، تأثير من حيث قدرتها على إعادة النظر في الأشكال السردية التي كانت متواترة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهذا أمر مهمَ، بيد أن تأثيرها في الكتابة الجزائرية يظل نسبيا إلى حد كبير، مقارنة بكتَاب آخرين كان لهم حضور تأثير واضحان، ومنهم محمد ديب وكاتب ياسين ومالك حداد ورشيد بوجدرة في الكتابة باللغة الفرنسية، والطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة في المنجز السردي المكتوب بالعربية. وأمَا السبب فيكمن في غيابها عن المشهد الثقافي المحلي، إضافة إلى انحسار توزيع مؤلفاتها بعد استقرارها في باريس في الثمانينيات، وعدم برمجتها في الجامعات إلاَ لماما. أظن أنها كانت أقل حظا، ولا أجد أي تفسير لذلك، ما عدا لا مبالاة المؤسسات الثقافية ودور النشر التي تملك إمكانيات.
من الصعب اختزال كاتبة بحجم آسيا جبار في مؤلَف واحد. ثمَ إن الموقف النقدي قد يرتبط بالتموقع والذوق، وبعدة اعتبارات أخرى لها علاقة بتكوين القارئ، فنيا وجماليا وسياسيا وأيديولوجيا. أضيف إلى أننا نميل في رواية ما إلى جزء دون الآخر، لأن أي منجز هو عبارة عن أجزاء: اللغة، الأسلوب، الصورة، السرد، البناء، الموضوع، الشخصية، المرجعيات، الاستثمار، الموقف. هناك عناوين كثيرة تستحق الاهتمام « لا مكان في بيت أبي»، «زردة، أو أغاني النسيان»، «ظل السلطانة»، «نساء الجزائر»، « شاسع هذا السجن»، «ليالي ستراسبورغ»، «الحب والفنتازيا». قد أميل أحيانا إلى العنوان الأخير لأنه يدين التخريب الذي تعرضت له الجزائر إبان الاستعمار لأن لي منطلقا وخصوصية، لكن الفرنسي سينظر إلى هذه الرواية بعين أخرى لأنها تفضح ممارسات تمَ إخفاؤها تفاديا للمساس بطبيعة المستعمر وحقيقته.
أقف، في أغلب الأحيان، على مسافة من هذه الإبداعات وأنظر إليها من عدة زوايا مستقلة، كقارئ بالدرجة الأولى، ثم كناقد في المقام الثاني. هناك جهد كبير ومستويات، وهذا أساسي، وهناك تجاوز مستمر للتجربة السابقة، وهذا الجانب لا يتوفر إلاَ عند الأشخاص الموهوبين، وعند أولئك الذين يكدون ولا يعتبرون الرواية مجرد حكاية يتمَ تسويقها بأية طريقة. الكتابة بالنسبة لآسيا جبار هي حرفة تتطلب العمل والصبر والمهارة والإتقان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.