يتلخّص الفكر الاستعماري الفرنسي عند الكثير من الجزائريين ، في استيلاء هذا الأخير على ممتلكاته الخاصة والعامة باستعماله طرق شنيعة يندي لها الجبين كالتشريد و التقتيل و الحرق و السرقة و التخريب ... ، مع تسليم المسلوبات إلى المعمرين القادمين من كل أنحاء العالم بهدف استغلالها و الانتفاع بها ، لكن ما لم يتصوره عقل المواطن الجزائري أن الحقد الاستعماري وكراهيته للسكان الأصليين يمكن أن يدفع بصاحبه تجاوز الخطوط الحمراء وكل ما هو غير معقول وغريب، إلى درجة أنه ينتقم من صخرة جامدة ، كما حدث في مدينة الجلفة قديما ، .. وتعود حيثيات هذه الحكاية التاريخية الغريبة إلى سنة 1852 ، عندما قررت الإدارة الاستعمارية الفرنسية بناء برج عسكري عند مدخل مدينة الجلفة ، فجندت عددا من الجلفاويين من أجل تكسير الحجارة الكبيرة بإحدى الجبال القريبة من المدينة ، ثم جرها إلى المكان الذي قررت أن تبني عليه البرج ، وخلال عملية التكسير تدرجت صخرة كبيرة من أعلى الجبل في الجهة الشمالية للمدينة ودهست أحد الجنود "ميشال" الذي كان يُشرف على الورشة ، لتُرديه قتيلا، بعد بلوغ الخبر إلى الإدارة العسكرية، بدأت تبحث هذه الأخيرة عن طريقة تمكنها من إذلال سكان المنطقة والسخرية منهم ، فقامت بأمر غريب لم يحدث في أي مكان من قبل في العالم، وهو محاكمة الصخرة التي تسببت في مقتل الجندي،.. وبالفعل رتبت قيادة الجيش الفرنسي الذي احتل مدينة الجلفة سنة 1847 ، مجلسا قضائيا لمحاكمة الصخرة، وقد ضم المجلس قاضيا ومحاميا وشهودا، وبعد المحاكمة حُكم عليها بالسجن مدة 35 سنة ، ولتنفيذ الحكم قيد في اليوم الموالي بعض الجنود الصخرة بسلاسل كبيرة ونقش عليها اسم العسكري الهالك "ميشال"، وأكثر من هذا قررت تنظيم وقفة ترحمية سنوية في عين المكان بهدف تذكير الجلفاويين بما حدث سنة 1852، ثم رمي الصخرة بالرصاص الحي انتقاما لما فعلته في حق الجندي الفرنسي.. وبهذا الفعل الغريب تكون الإدارة العسكرية الفرنسية قد تجاوزت كل ما يمكن أن يتحمله العقل من تصور لتحقيق رغبة واحدة وهو ترهيب المواطنين وجعلهم أكثر خنوعا وانبطاحا للإدارة الاستعمارية والمُعمرين، بهدف تسهيل عملية ابتزازهم وتجريدهم من ممتلكاتهم و من أبسط حقوقهم، وكذا تطبيق عليهم ما كان يعرف بالاستعمار الإستيطاني، وهو أقبح وأبشع أنواع الاستعمار الذي عرفته البشرية . ..قصة الصخرة السجينة التي عرفتها منطقة الجلفة ليست الوحيدة من نوعها وإنما تضاف إلى مئات إن لم نقول آلاف القصص الإجرامية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق البشر ، النبات والجماد عبر كامل التراب الوطني وعلى مدار 132 سنة .