أفرزت التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة ظاهرة غريبة عنا، يمكن أن تكون قديمة لكن ليس بالشكل الذي هي عليه الآن وهي عصابات الأحياء. فما يسمى ب«الحمية» شيئ معروف في المجتمعات القديمة، لكن في إطار قانوني تحت رقابة كبار المنطقة، سواء في إطار العروشية أو القبلية وحتى بين الدول المتحالفة. لكن ما نشهده فيما يسمى عصابات الأحياء هو انحراف مجتمعي بأتم معنى الكلمة، لأشخاص يتعاملون بمنطق البقاء للأقوى في ترسيخ صارخ لذهنية الغاب، لا يولون أية أهمية للقانون ولا يردعهم السجن، حيث سجلت مختلف الأسلاك الأمنية عدة تدخلات عبر أحياء الوطن التي شهدت قتالا مجنونا بين أشخاص استخدموا كل ما طالته أيديهم من أسلحة بيضاء وغازات مسيلة للدموع والمولوتوف، وأضرموا النيران التي وصلت إلى شرفات المنازل الآمنة في صورة مريعة. من خلال ملفنا لهذا الأسبوع نحاول تسليط الضوء على هذه الظاهرة الغريبة علينا ومعالجتها من كل الجوانب، سواء من حيث حجم التدخلات التي قام بها أعوان الأمن من شرطة ودرك في عين المكان، إلى الإحالات التي تمت على مستوى مختلف المحاكم والمجالس القضائية. في جانب آخر حاولنا تشريح هذه الظاهرة من جانبها الإجتماعي والنفسي وحتى الديني من خلال مختصين في هذا المجال، حيث يجمع من تحدثنا إليهم أن الأزمة تكمن في الأخلاق والوازع الديني. فما دام سلوك الفرد غير سوي ومتأثر بمختلف الأمور السلبية بدايتها بالتربية غير السليمة إلى البيئة التي ينتمي إليها، سواء الحي أو الزملاء، فهذا ينتج لنا شخصا غير متوازن يمكنه إحداث إختلالات في المجتمع ويؤثر بدوره في سلوك الآخرين. فيما ركز المشرع في التعديلات الأخيرة لقانون العقوبات على الرفع من مستوى الردع، بالحبس الذي لا يقل عن الثلاث سنوات لكل متورط في هذا النوع من الجرائم، فيما قد يصل إلى العشر سنوات وحتى المؤبد مع تغريم المتورطين بأموال طائلة، وفي المقابل استحدث آليات للوقاية تسهر عليها لجنة وطنية ترفع تقريرها دوريا لرئيس الجمهورية.