للأسف الشديد فقد ترسّخت فينا العديد من الأفكار والسلوكات التي لا تمت للفكر الراقي بصلة، ولم تسلم النخبة من ذلك، فيحاول الجميع دون استثناء التملص من المسؤولية وإبعاد الشبهة عنهم، حتى وإن كان الخطأ المرتكب صادرا منهم، فدائما تُعلّق على شماعة الآخر وبالخصوص في غيابه. أما الأنا فيُصيب دائما ولا يُخطئ، بل هي شبه معصومة رغم أن التهاون والتفريط والتقاعس في العمل من شيمها وغياب المهنية معيارها، ولو على حساب المصلحة العامة. هي مواقف نصادفها باستمرار في العمل والشوارع والأسواق وبالأخص بالمؤسسات والإدارات ذات الطابع الخدماتي، والتي من المفروض أن تكرس كل جهدها ووقتها وتجنّد كافة مستخدميها وإطاراتها لخدمة المواطن ثم المواطن فقط، حيث تدعّمت بأحدث الوسائل لتحقيق الغاية التي صرفت من أجلها خزينة الدولة ميزانيات ضخمة لاقتناء آخر صيحات العتاد المعتمد في التسيير وأكثر، فقد حظي عمال بعض المؤسسات المكلفة بتقديم الخدمة إلى المواطن بعقد شراكة مع الأجانب لعدة سنوات استفادوا خلاله من تكوين خاص ومتخصص. ففي مجال تسيير مياه الشرب باعتباره قطاعا استراتيجيا لم تدّخر الدولة مالا ولا جهدا لترقية الخدمة العمومية، لينعم السكان بتوزيع منتظم ومتواصل لهذا المورد الهام، فجُدّدت الشبكات ونُصبت كاميرات مراقبة وأجهزة تحكم عن بعد، فمن المكتب يمكن للمهندس فتح الصمامات وغلقها، كما يمكنه تحديد مواقع الأعطال وإعلام فرق الصيانة آنيا للتدخل، فهذه التقنيات الحديثة تسمح بمعالجة الخلل وقت حدوثه، فلا يكاد المستهلك يشعر به أمام المقرات والأثاث والتجهيزات الداخلية فهي من آخر جيل ومحطات تحلية مياه البحر موجودة أيضا حتى لا يكون للمسير حجة بعد كل ذلك. لكن المواطن لا يصله من هذه التكنولوجيا ولواحقها شيء ولا حتى المياه الصالحة للشرب، فانقطاع التوزيع صار أكثر سوءا مما عهدناه في سنوات الجفاف، وبمعدل مرة كل 3 أيام أو أكثر يأتي الفرج فتجود الحنفيات بماء ملوث قد لا يصلح حتى للوضوء، يستفسر المواطن عن السبب فلا ينال سوى خيبة الأمل ثم يسأله الناطق باسم المؤسسة عن مكان حدوث الانقطاع لإرسال فرق الصيانة فلا تصل أبدا. فماذا حل بتكنولوجيا التحكم عن بعد؟