تابع لصدام حسين مجدي كامل وإذا كانت تجربة صدام مع زوج أمه قد ساعدته في تشكيل شخصيته، فإن الفترة التي أمضاها مع خاله في تكريت وبغداد قد أسهمت دون أدنى شك بوجهات نظره السياسية، وبينما كان خير الله لاعبا صغيرا في النضال الأوسع من قبل الشعب العراقي للحصول على حق تقرير المصير، فإن مشاركته الفعالة في التيارات القومية في ذلك الوقت تركت بصمة لا تمحى لدى صدام الصغير، خصوصا أن أنشطة خاله قد حرمته من صحبة خير الله خلال خمس سنوات حاسمة من طفولته. كان ابن الأخت والخال قد تغيرا بقدر كبير بحلول الوقت الذي التأم فيه شمل صدام وخير الله من جديد في تكريت، كان خير الله يشعر بالمرارة والميل إلى الانتقام نتيجة للمعاملة التي لقيها على يد البريطانيين، وإلى جانب حبسه فإنه قد خسر مكانته الاجتماعية بعد طرده كضابط من القوات المسلحة العراقية، بعد إطلاق سراحه عمل ناظرا لمدرسة خاصة، حيث أخذ يثبت وجهات نظره القومية وأفكاره المعادية للبريطانيين بين طلاب المدرسة. يقول طالب سابق في المدرسة "كان خير الله رجلا في منتهى القسوة نازيا وفاشيا، كل الطلبة كانوا يخافونه سواء بالنسبة لسجله في محاربة البريطانيين أوآرائه السياسية". وأثناء غياب خاله القسري كان صدام قد تخرج بجدارة كفتى قوي وصلب من الشوارع، وبسبب والد زوجته كان أميا، وبالنسبة لمعظم الفتية الذين هم في مكانة صدام الاجتماعية، فإن التعليم لم يكن يشكل أولوية بالنسبة لهم، ولم تكن هناك رغبة لدى صدام في محاكاة خاله وتقليده لكان قد بقي مثلهم يعتاش على السرقة والبلطجة، كان الانخراط في القوات المسلحة ربما هو الطريق الوحيد المتاح لمثل من هم في مكانة صدام لتحسين مواقفهم الاجتماعية، ليس لأنهم كانوا فلاحين فقراء فحسب، بل كونهم من السنّة والذين كانوا يعتبرون في العراق الجديد أقلية إذا ما قورنوا بالأكراد والشيعة، كان طموح أي شاب عراقي ميال للخدمة العسكرية والالتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية التي أسسها البريطانيون لتخريج ضباط جيدي التدريب وموالين. ويعود انضمام شبان تكريت للقوات المسلحة إلى شخص يدعى "مولود مخلص"، والذي ولد في تكريت وبنى سمعة أثناء الثورة العربية ضد العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، وبعد تأسيس العراق أصبح "مخلص" أحد المقربين الموثوقين من الملك فيصل الأول ونائب رئيس مجلس الشيوخ في ظل الملكية، واستخدم نفوذه في تعيين الشبان من تكريت بمراكز رفيعة في القوات المسلحة والشرطة، وهو ما دأب عليه أعوانه فيما بعد، وبذلك وفي أواخر الخمسينيات تكونت عصبة قوية في قلب الجيش العراقي والمؤسسة الأمنية، وقد تطلع صدام الذي كان يمتلك بنية قوية تؤهله لخوض الحرب للانضمام للأكاديمية، لكن لسوء حظه فإنه لم يكن يمتلك أي مؤهلات علمية وشهادته الوحيدة أنه خريج العوجة "تكريت". وتقترن عودة الشاب الطموح للعيش مع خاله في تكريت بحكايات مفادها أن" خير الله"الذي كان بمثابة والد صدام بالتبني، قد عرض مساعدة صدام للحصول على تعليم مناسب. ووفقا لفؤاد مطر، أحد كتاب سيرة حياة صدام، فإن عائلة صدام كانت تريد منه أن يصبح مزارعا، على أساس أنه لا فائدة من التعليم، لكن صدام أصبح مهتما بفكرة التحصيل العلمي والذهاب إلى المدرسة بعد أن التقى بابن خاله عدنان خير الله، الذي أبلغه كيف أنه يتعلم القراءة والكتابة والحساب، وعدنان هو ابن خير الله من زواجه الأول الذي أثمر أيضا عن إنجاب ساجدة التي ستصبح _فيما بعد_ الزوجة الأولى لصدام، وبعد إطلاق سراحه تزوج خير الله من امرأة أخرى وانتقل عدنان وساجدة اللذان كانا يعيشان مع أمهما في منزل والدهما في بغداد أثناء سجن والدهما للسكن في تكريت، وقد أصبح عدنان أعز أصدقاء الطفولة لصدام وتبوأ فيما بعد منصب وزير الدفاع، وهو منصب احتفظ به حتى وفاته في ظروف غامضة بتحطم هيلوبتكر عام1947. تأثر صدام بما سمعه من ابن خاله حتى أنه قرر السفر معه إلى تكريت للالتحاق بالمدرسة، ووفقا لسيرة حياته الرسمية، فقد كانت تلك " أول خطوة تمرد" يتخذها صدام، حيث كانت أسرته لا تزال بعد مقتنعة بأن التعليم ماهو إلا مضيعة للوقت بالنسبة لابنهما. وكان صدام والناس نيام يغادر المنزل ويشق الظلام في طريقه، حيث يعمل بعض من أقاربه الذين كانوا يفاجؤون بظهوره المفاجيء، لكنهم كانوا يتفهمون عندما بدأ يشرح لهم أسبابه، وأنه يريد الذهاب إلى المدرسة ضد رغبة أسرته، وكان صدام يلقى التشجيع من هؤلاء الأقارب، وبعد أن أكمل السنة الأولى في المدرسة انتقل إلى بغداد مع خاله "خير الله طلفاح"، وأكمل دراسته الابتدائية في بغداد والتحق بعد ذلك بالمرحلة الثانوية. ولم تكن تجربة صدام التعليمية ممتعة، فقد كان يزامل أطفالا في الخامسة من أعمارهم مما كان يسبب له حرجا وكلمات تنم عن السخرية، فكان يدخل في مشاجرات مع البعض منهم لهذه الأسباب، وقد تركت تهكمات أولائك الطلبة جروحا عميقة في نفسه، ويقال إنه عندما شب عن الطوق عاد إلى تكريت للانتقام ممن كانوا يسخرون منه، وتصوره بعض الروايات بأنه كان صبيا يتصف بالشجاعة والجرأة، وكان يداعب أساتذته ببعض الممارسات الطريفة، مثلما فعل مع مدرس الدين الذي كان عندما يهم بمعانقته يضع أفعى في ملابسه، ويقول أحد الذين عاصروه أيام الدراسة: إن الناظر قرر طرد صدام من المدرسة، وعندما علم صدام بذلك توجه إلى مكتب ناظر المدرسة وهدده بالقتل فعدل الناظر عن قراره. كان صدام يتلقى التشجيع بصفة خاصة من خاله وابن خاله عدنان، الذي كان يكبره بثلاث سنوات للاستمرار في التحصيل العلمي، كانت الصور التي التقطت له في تلك الفترة تظهر صبيا عبوسا حاد النظرات مظهره يدل على أنه قادر على العناية بنفسه، وكان على صدام أن يتغلب على الكثير من العقبات للالتحاق بالمدرسة، لم يكن من الطلبة المتفوقين رغم أنه يتمتع بذاكرة ممتازة وقدرة تصويرية على تذكر التفاصيل. ويقول سعيد أبو الريش، أحد المدافعين عنه، أن صدام كان طفلا نجيبا وذكيا، وأظهر قدرة على التعلم بسرعة، لكن هذا التقييم يتعاكس مع عدم استطاعة صدام النجاح في اختبار القبول الخاص بأكاديمية بغداد العسكرية التي كان تواقا إلى الالتحاق بها، وقد شعر بالإهانة لرفض طلبه، وبعد أن تعزز موقفه في الحكومة عين نفسه برتبة لواء فخري، وبعد أن أصبح رئيسا منح نفسه رتبة مشير، ويحكى أنه قد أعدم بإطلاق الرصاص فيما بعد ابن مولود مخلص، الضابط التكريتي، الذي يرجع إليه الفضل في تعيين أبناء بلدته وأقاربه بمراكز مهمة في القوات المسلحة العراقية.