بقلم: جمال نصر الله بعد استقلال الجزائر كانت الطبيعة الجغرافية شبه متحررة، وتعيش أسعد سنواتها، ولو أتيحت لنا الفرصة لأجرينا بحثا مطولا عن كيفية تعامل المصالح الاستعمارية مع قضية القمامة اليومية آنذاك، وماهي الخطط اليومية والموسمية التي كانت الإدارة تدرجها ضمن البنود قصد الحفاظ على السير الحسن لسلامة المدن وبهائها. فحسب أرشيف الصور، كانت معظم المدن تبدو ناصعة نقية بشوارعها وأحيائها، هذا على المستوى الداخلي، أما خارج المدن والقرى فكانت الطبيعة أكثر انجذابا واخضرارا، بل أكثر سكونا، ولو حاولنا أن نقارن تلك الفترة بما هو موجود حاليا، أي مع بداية القرن ال21، لعجزنا صراحة وهربت بنا الأرقام والفوارق، وتعددت الأسباب والمسببات؟، وكذلك استطالت أحجام الأسئلة بنا، ما الذي حدث يا ترى، ما الذي انضاف، وما الذي نقص، والإجابة تبدو واضحة وجلية، منها النمو الديمغرافي الرهيب والضغط الذي مورس على المدن الكبرى جراء النزوح الريفي الذي جلب معه الذهنيات، وبالتالي حدث اصطدام وتناطح حضاري، نتج عنه أن الحياة المدنية شُحذت وتراجع مفعولها، وبالمقابل استقوت حياة الأرياف والقرى، ومنه لم نعد نتفاجىء أن نشاهد عددا من البغال والعنز تعبر الشوارع الرئيسية، ولا صورة لشبه حظيرة مصغرة داخل مؤسسة تعليمية أو شرفة عمارة؟!، واضعين في عين الاعتبار أنه بقدر ما يتكاثرالإنسان بشكل لا محدود، كذلك الحيوان يسير على النهج نفسه؟!. ويبدو هذا فقط أحد الأسباب التي جعلت الحيوان شريكا أساسيا في العيش داخل المدن… من بين الأسباب الأخرى هو التوسع العمراني الذي جعل باقي المداخل والمخارج للمدن عبارة عن ورشات عمل يومية، وصارت لغة البناء والتعمير لغة حية وحضارة مفتوحة على جميع الاحتمالات؟!، لذلك لا عجب أن تصبح بقايا هذه الورشات عبارة عن مكدسات من الأطنان التي لم تجد عندنا من يتصرف بشأنها ويزيحها عن المظهر العام؟!، بل أصبحت تنتج عددا من الأمراض خاصة التنفسية والجسمانية. وأذكر أنني زرت مرة إحدى الولايات الوسطى، وعلى الرغم من التقدم الصناعي الذي حازته، وعدد الشركات الأجنبية التي جلبت نوعا ما من العصرنة إلا أنها لم تستطع التخلص من نمط حياتها البدوية، فعدد العمارات بالآلاف، وبهندسة محكمة وسيراميكية، إلا أنه مع مرور سنة تشوهت جدرانها وامتلأت جوانحها بالقمامات المكدسة وبدت وكأنه مضى على بنائها قرن، والتمست أن جل من سكن هذه العمارات أكيد غير مؤهل حضاريا، فالذهنية لازالت مشبعة بطرائق العيش الخاصة بالأرياف والبراري والسهول. بالإختصار المفيد سيبقى الإنسان هو سيد محيطه، سواء كان مواطنا عاديا أو رئيس جمعية أو موظف أو مسؤول. العامل الآخر هو حجم السياسة أو قل المشاريع بعيدة المدى التي تسطرها المجالس المحلية وكيفية تعاملها مع مشاكل القمامة، هل هي أساليب أكثر دقة وإحكاما، أم أنها مصابة بثقافة اللامبالاة والتغاضي، وأن التقدم في أشبه المؤسسات أو المصانع ليس عيبا، بل عدم إيجاد صيغ ما وأساليب التعامل معها هو العيب، خاصة إذ كانت تفرز كثيرا من القمامة اليومية. مرة شاهدت أحد المستثمرين في إحدى المدن الهولندلية وكيف هو يستثمر في المزابل، أي أنه أسس مصنعا لتحويل المواد المقتنية منها، كي يحولها إلى مواد أخرى تُستعمل في الحياة العامة كالبلاستك والفولاذ والكرتون والزجاج؟!، وطبعا هذا موضوع آخر لكنه يعتبر من اللواحق التي هي حلول إنقاذية وقائية، الهدف منها الحفاظ على البيئة والمحيط، وتطهيرهما من المخاطر المحدقة، فقط السؤال الأكثر إحاحا، هل هناك أمل لازال قائما لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه حول أهم مشاكل العصر التي تتخبط فيه مدننا، أم أن الأمور سوف تزداد تأزما وبشاعة، وبالتالي فلا مناص من البكاء على الظروف أو عدم جدوى كذا من دعم أو آليات وكذا ميزانيات، إنما يصدق قول الشاعر هنا (يداك أوكتا وفوك نفخ). شاعر وصحفي جزائري [email protected]