كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزًا في حياته قبل الإسلام وبعده، فقد كانت عزة نفسه تأبى عليه أن يسجد لحجر لا يضر ولا ينفع، كما كانت تمنعه من يأتي ما اعتاده قومه من الفواحش كالكذب والغش والخيانة والزنا وشرب الخمر. اعتزاز الرسول بالإسلام وبعد الإسلام كانت كل مواقفه صلى الله عليه وسلم تنطق بالعزة المنزهة عن الكبر والفخر والخيلاء، فقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله -عز وجل- بعثه من خير قرون بني آدم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع». عزة الرسول في حمل الرسالة فقد جاء وفد من كفار قريش لعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي طالب يستنكرون على رسول الله، وقالوا له: "وَإِنّا وَاَللهِ لا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ". فبعَثَ أبو طالب إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاءوني، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق. فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ أنه قد بدا لعمه فيه أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نصرته والقيام معه. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ». ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قَامَ، فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أقبل يا ابن أَخِي. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلّى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا. عزة الرسول بعبادته لربه لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل الأذى من المشركين، ولكنه كان يوقفهم عند حدودهم، ولا يسمح لهم بتجاوزها، فهو وإن كان مأمورًا بالصبر عليهم والإعراض عنهم، فإنه -أيضًا- عزيز لا يرضى الله له المهانة، وعندما تجرأ كفار قريش عليه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم عند الكعبة، فوجموا وخافوا دعوته، وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم من نصيبهم، فقتلوا جميعًا يوم بدر؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم، فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغير شيئًا لو كان لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحت عن ظهره.. فرفع رأسه ثم قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سَمَّى "اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط". وعَدَّ السابع فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر.