تأسفت وزارة الدفاع الوطني، أمس، لمحاولة بعض العسكريين المتقاعدين إصدار أحكام مسبقة إزاء مواقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية، من خلال منح أنفسهم الحق في التحدث باِسمها باستغلال كافة السبل، لاسيما وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن "هذه التصرفات المتكررة قد تجاوزت بتماديها، حدا لا يمكن السكوت عنه، وأن المؤسسة العسكرية تحتفظ بحقها كاملا في اتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة ضد هؤلاء". وأوضح بيان لوزارة الدفاع الوطني تلقت "المساء" نسخة منه، "أن الجيش الوطني الشعبي الذي يستند مسعاه ونهجه إلى طابعه الشرعي والجمهوري في ظل احترام النظام الدستوري، هو في غنى تام عن أي دروس يقدمها له أشخاص لا وجود لهم إلا من خلال الدوائر التي تتحكم فيهم". كما تأسف لكون هذه الأفعال من صنيع بعض العسكريين المتقاعدين الذين، وبعد أن خدموا مطولا ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، التحقوا بتلك الدوائر المريبة والخفية قصد الوصول إلى أطماع شخصية وطموحات جامحة، لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة". وأوضحت الوزارة أن هؤلاء الأشخاص قد تجاهلوا المهام الدستورية للجيش، عندما طالبوا نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بتحمل مسؤولياته والتي تكمن، حسب زعمهم، في تعزيز المكتسبات الديمقراطية، من خلال خطاب تهويلي وسيئ النية، مشيرة في هذا السياق إلى أنه "يتضح، للأسف، من خلال تحامل هؤلاء الأشخاص على المؤسسة، التي كبروا فيها بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، أن مسعاهم، غير الفردي المستند إلى مبررات واهية وزائفة، وليد خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة". واستطرد بيان المؤسسة العسكرية أنه لبلوغ غايتهم، يحاول هؤلاء الأشخاص الذين لم يولوا أي اعتبار لواجب التحفظ الذي هم ملزمون به، بموجب القانون رقم 16-05 المؤرخ في 03 أوت 2016 والذي يضعهم تحت طائل المتابعة أمام العدالة، الخوض في السياسة، يدفعهم في ذلك هوس الانتقام"، كما "ينصبون أنفسهم بدون احترام أدنى قيمة أخلاقية، وعاظا يلقّنون غيرهم الدروس". واستغربت الوزارة تصرفات هؤلاء الأشخاص ممن تحركهم الطموحات المفرطة والنوايا السيئة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، عبر استعمال وسائل غير نزيهة، ومحاولة التأثير عبثا على الرأي العام وادعاء مصداقية تعوزهم. وأضافت في هذا الصدد: "لكونهم لم يحققوا أي صدى عقب مداخلاتهم الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام مع محاولة، بدون جدوى، تقمص دور خبراء متعددي الاختصاصات، قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي كخيار أخير". وبعد أن وصف البيان هؤلاء الأشخاص بالناقمين وضيقي الأفق، أوضح أن بتصرفهم هذا "نسوا أو تناسوا أن المبادئ الراسخة التي لطالما استرشد بها الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، قد جعلت منه مؤسسة في خدمة الشعب الجزائري وحده دون سواه، والذي بدوره يرى في جيشه ذلك الحصن المنيع الذي يحمي الجزائر من كل الأخطار، ويضمن لها الأمن والسكينة". كما أشار بيان المؤسسة العسكرية إلى أن "هؤلاء الذين خانهم حس التقدير والرصانة يدّعون حمل رسالة ودورا ليسوا أهلا لهما، ويخوضون بدون حرج ولا ضمير في ترّهات وخرافات تنبع من نرجسية مرضية، تدفعهم إلى حد الادعاء بالمعرفة الجيدة للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبقدرتهم على استقراء موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشكل انحرافا جسيما ينم عن درجة متقدمة وخطيرة من اللاوعي الذي لا يُحدثه إلا الطموح الأعمى". وسجلت وزارة الدفاع الوطني عدم الانسجام الذي يطبع الخطاب الذي يسوقه هؤلاء، لاسيما فيما يتعلق بقضية يتناولونها بإلحاحٍ، والمتعلقة بمسألة إتاحة الفرصة للشباب لتبوّؤ مناصب المسؤولية في أعلى هرم الدولة، والذي يمليه عليهم، على الأرجح، عرابوهم، مضيفة أن هذا "التضارب يفضح نواياهم الحقيقية، ويعري مقاربتهم العرجاء"، باعتبار أن هذه المسألة غير مطروحة أصلا، كون غالبية الوظائف العليا في الدولة يشغلها حاليا إطارات من جيل ما بعد الاستقلال. كما أوضحت أنه تم تكريس هذا المبدأ ميدانيا وفعليا على مستوى الجيش الوطني الشعبي، حيث وحدها معايير الاستحقاق والكفاءة هي المعتمدة في إسناد مختلف المسؤوليات. وأشار البيان إلى أنه في محاولة فاشلة للظهور عبثا في ثوب البراغماتية والواقعية، "نجد أن تحليل مكانة الجزائر على المستوى الإقليمي الذي يسوقه هؤلاء المحللون المبتدئون، يُظهر على أكثر من صعيد بأن معرفتهم بالمجال الجيوسياسي الذي يتشدقون بالإلمام بخباياه، لا يؤهلهم حتى بالإحاطة بمفهوم "الدولة المحورية"، كما أنه يميط اللثام عن نواياهم الحقيقية في تقزيم والتقليل من المكتسبات التي تم تحقيقها بفضل الاستراتيجية الأمنية التي تتبناها القيادة العليا، بما في ذلك التعاون الإقليمي والدولي الذي يتم تجسيده في إطار الاحترام التام لنصوص التشريع الوطني". وأوضح البيان أن هذه الاستراتيجية المتبصرة سمحت برفع العديد من التحديات التي تواجهها منطقتنا، خصوصا في ميدان مكافحة الإرهاب، حيث استحقت مساهمة الجزائر وقواتها المسلحة في إرساء موجبات الاستقرار في المنطقة، الإشادة على الصعيد الدولي لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، لتصبح بذلك النستراتيجية والأنماط العملياتية المنتهجة مثلا يُحتذى، ونموذجا يُدرَّس في المدارس والمعاهد.