أحيا الدكتور احسن تليلاني، مدير الثقافة لولاية عنابة، مؤخرا، ذكرى وفاة كاتب ياسين (28 أكتوبر)، معتبرا إياه أقوى قلم تصدى لموضوع تشويه الاستعمار الفرنسي للهوية الجزائرية، إذ كانت هذه القضية بالذات، هاجسه المركزي في أغلب كتاباته الروائية مثل "نجمة"، أو المسرحية مثل "الجثة المطوقة" و"الأجداد يزدادون ضراوة"، وحتى في قصائده ودواوينه الشعرية، ففي تعابيره يصدح صوت المآسي الخرساء، ليصور في جمال إبداعي ساحر، آلام الجزائر وهي تعاني الاجتثاث والاستئصال والتشويه والمسخ والاستلاب. أشار الدكتور احسن تليلاني، إلى أن كاتب ياسين عاين هذه الجراح منذ طفولته، إذ اكتوى بعذاب الاستعمار وذاق مرارة السجن والتعذيب وعمره لم يتجاوز السادسة عشر ربيعا، حيث شارك في مظاهرات "08 ماي 1945" بسطيف، فاعتقل وعذب، وعندما أطلق سراحه بعد أشهر، وجد المأساة في انتظاره، بداية من أمه التي جنت، لأنه قيل لها إن فلذة كبدها (ياسين) قتل في المظاهرات، ثم والده الذي طرد من العمل، بسبب انتماء ابنه (ياسين) ل"المتمردين"، بالإضافة إلى أن إدارة المدرسة التي يتتلمذ فيها (كاتب ياسين)، قررت شطبه من قائمة المتمدرسين، بسبب مشاركته في المظاهرات. كل هذه التجارب المرة حسب تليلاني- وضعت كاتب ياسين وجها لوجه أمام "نجمة"، هذا الحب الكبير الذي أزهر في أعماقه وهو داخل زنزانة السجن، إنها الجزائر في مرآة القلب ونجوى الفؤاد، فمن خلال رمزية الحبيبة "نجمة" عبر الكاتب عن آلام الجزائر وآلامها. في مسرحية "الجثة المطوقة" مثلا، تردد الجوقة، وهي لسان حال الشعب قائلة؛ "يا مجاهدي الجزائر! لا تتركوا معاقلكم إن ساعة المعارك ما تزال بعيدة يا مجاهدي الجزائر" ليؤكد الدكتور تليلاني، أن كاتب ياسين سيظل أقوى أديب فضح الاستعمار في رمزية شفافة، إنه مثل ذلك المحارب الأسطوري الذي يسلب سلاح عدوه ليدحره به قبل أن يقضي عليه، ففي حربه ضد الاستعمار الفرنسي، جعل من اللغة الفرنسية غنيمة حرب يقارع بها هذه الأمومة الفرنسية الرعناء، حيث يصور في نصوصه، قطيعته مع الاستعمار وإحساسه بمرارة التشويه الثقافي. كاتب ياسين يختلف عن عموم كتاب الجزائر، في كونه لم يتحدث في إبداعاته عن القتل الحقيقي الذي طال الجزائريين على يد زبانية الاستعمار الفرنسي، لكنه تحدث عن القتل الرمزي، قتل الجزائر في هويتها وشخصيتها ووجودها، إنه يوجه أصابع الاتهام للاستعمار الفرنسي، معبرا عن شعوره بالاغتراب والقطيعة مع ذاته وإحساسه بالضياع، عندما فقد أمه ولغتها، إنها ربما طريقة أخرى لاعترافه بالغربة والمنفى، على غرار ما صرح به مالك حداد عندما قال "الفرنسية منفاي"، ثم سكت عن القول المباح، يؤكد تليلاني. في كل الأحوال، فإن كاتب ياسين في اعتقاد الدكتور تليلاني، مبدع عالمي، سخر حياته وقلمه للدفاع عن قيم الحق والخير والجمال، مناضلا في سبيل حرية الإنسان حيثما كان وأينما وجد، وإن أقل شيء كان يستحقه، أن يتوج بجائزة "نوبل" للأدب، كما كان كاتب ياسين يقول دائما "أنا أستعمل الفرنسية، لأقول لفرنسا، إنني لست فرنسيا".