ذات يوم جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فجاء رجل وشتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه وآذاه، فسكت أبو بكر ولم يرد عليه، فشتمه الرجل مرة ثانية، فسكت أبو بكر، فشتمه مرة ثالثة فرد عليه أبو بكر، فقام صلى الله عليه وسلم من المجلس وتركهم، فقام خلفه أبو بكر يسأله: هل غضبت علي يا رسول الله فقمتَ؟ فقال الله صلى الله عليه وسلم: (نزل مَلَك من السماء يكذِّبه بما قال لك، فلما انتصرتَ (أي رددتَ عليه) وقع الشيطان (أي: حضر)، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان) [أبو داود]. كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبلت عليهما أم المؤمنين السيدة صفية بنت حُيَي رضي الله عنها، فقالت السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا تعني أنها قصيرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَتْ بماء البحر لمَزَجَتْهُ (عكَّرته). أبو داود والترمذي، أي أن تلك الكلمة قبيحة لدرجة أنها تُنْتِنُ ماء البحر لِقُبْحِها وسوئها. قال أحد السلف: “صحبنا الربيع بن خثيم عشرين سنة، فما تكلم إلا بكلمة تعليه عند الله”، وعن رجل من بني تميم قال: “جالست الربيع عشر سنين، فما سمعته يسأل عن شيء من أمور الدنيا، إلا مرتين: قال مرة: والدتك حيّة؟ وقال في الثانية: كم لك مسجدا؟”. وقال آخر: “صحبت الربيع عشرين عاما، ما سمعت منه كلمة تُعاب”. عن محمد بن سوقة قال: “أحدثكم بحديث لعله أن ينفعكم، فإنه قد نفعني، قال لنا عطاء بن أبي رباح: يا بن أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله عز وجل أن تقرأه، وتأمر بمعروف أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين؟، عن اليمين وعن الشمال قعيد؟ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؟ أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته يوم القيامة، ليس فيها من أمر دينه ولا دنياه شيء؟”. قال سلمة بن علقمة: “جالست يونس بن عبيد، فما استطعت أن آخذ عليه كلمة تعاب عليه”، قال إبراهيم الحربي: “ما أخرجتْ بغداد أتمّ عقلا من بشر الحافي، ولا أحفظ للسانه منه، ما عُرف له غيبة لمسلم”، وقال الإمام ابن دقيق العيد: “ما تكلمت كلمة ولا فعلت فعلا، إلا وأعددت له جوابا بين يدي الله عزوجل”، وقال ابن السماك: “سبعُك أي: أسدك - بين لحيْيْك تأكل به كل من مر عليك، قد آذيت أهل الدور في الدور، حتى تعاطيت أهل القبور، فما ترثي لهم وقد جرى البلى عليهم، وأنت هاهنا تنبشهم، إنما نرى أن نبشهم أخذ الخرق عنهم، إنك إن ذكرت مساويهم فقد نبشتهم، إنه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال: أما واحدة: فلعلك أن تذكره بأمر هو فيك، فما ظنك بربك إذا ذكرت أخاك بأمر هو فيك؟ ولعلك تذكره بأمر قد ابتُليت بأعظم منه، فذلك أشد استحكاما لمقته إياك، ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه، أفهذا جزاؤه إذ عافاك. أما سمعت: ارحم أخاك واحمد الذي عافاك؟”، وعن أبي بكر بن عياش قال: “أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى به عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية”. قال مورق العجلي: “تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلت شيئا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي”.