لم تعد تفصلنا إلاّ أيام قلائل عن عيد الأضحى المبارك، لذلك يتأهب الكثير من الجزائريين للاستعداد لاستقبال هذه المناسبة الدينية التي تعاد علينا كل سنة، والتي تدخل الفرحة إلى قلب الصغير قبل الكبير، لأنه يفرح بأضحية العيد والملابس الجديدة التي سيشتريها أهله بالمناسبة، في حين تحل هذه المناسبة على الأهل كالصاعقة لما فيها من مصاريف كثيرة، لذلك يبقى الكثير من ذوي الدخل المحدود بين مطرقة شراء الأضحية وسندان الملابس الجديدة للأطفال. عتيقة مغوفل تقرر وحسب الحسابات الفلكية أن عيد الأضحى المبارك سيحل هذه السنة يوم السبت 4 أكتوبر، وانصب تفكير المواطن البسيط في الكيفية التي سيقضي بها العيد هذه السنة، فسيناريو ارتفاع الأسعار التي تكون خيالية يتكرر هذا العام وعلى غرار السنوات الفارطة، وما زاد الطينة بلة تقارب المناسبات الدينية والدخول الاجتماعي، فلم يمر شهر بعد على الدخول المدرسي الذي أنهك جيوب أولياء الأمور كثيرا إلى درجة بلوغ إحداها درجة الحضيض، وما فتئوا أن يخرجوا من غيبوبة الدخول المدرسي والاجتماعي على حد سواء إلا أن يقعوا في نظيرتها أضحية عيد الأضحى، والملابس الجديدة للأطفال، وهو الأمر الذي أصبح يخلق نقاشات كثيرة بين الأزواج في المنازل والتي تنتهي الكثير منها بالشجار في الأخير وخروج الزوج من البيت في حالة هيستيريا بسبب طلبات زوجته لكسوة الأبناء للعيد، وتوسل هؤلاء حتى يقتني الأب الأضحية مثلما يفعل الجيران. "الزوالية" يهجرون محلات بيع ملابس الأطفال حاولنا أن نجس نبض الشارع الجزائري واستعداداته للمناسبة فما كان علينا سوى النزول إلى الشارع حتى نتمكن من الالتقاء بأكبر عدد منهم، وأول ما قمنا به زيارة بعض المحلات الخاصة ببيع ملابس الأطفال، إلا أننا لم نتوقع أن نجدها خاوية من الزبائن بهذا القدر، فالكثير من أصحابها كانوا يجلسون أمام الأبواب يتصفحون الجرائد ويحذقون في الذاهب والعائد، تقربنا من أحدهم والواقع محله بالضبط بباب عزون بالجزائر العاصمة، سألناه عن مدى إقبال الناس على اقتناء ملابس العيد للأطفال، فأجابنا أن الإقبال محتشم للغاية إن لم نقل أنه منعدم تماما، وذلك راجع لتقارب المناسبات فلم يمض على الدخول المدرسي سوى أياما قلائل، أين قام الأولياء باقتناء الملابس الجديدة للأطفال، فمن الطبيعي عدم اقتناء ملابس أخرى، لأن القدرة الشرائية للمواطن البسيط لا تستطيع تلبية ذلك، وعلى ما يبدو لم يكن هذا المحل الوحيد الذي لا يعرف إقبال المواطنين عليه، بل غيره كثيرون لدرجة أن أصحاب الكثير من المحلات المشابهة المتواجدة في الجزائر العاصمة، لم يقتن أصحابها سلعا جديدة للمناسبة، بل احتفظوا بتلك الموجودة لديهم حتى يحل فصل الشتاء ويعرضوا ملابس مناسبة للموسم. أسر بين مطرقة الأضحية وسندان الملابس الجولة التي قادتنا إلى بعض محلات بيع الملابس والتي وجدناها خاوية على عروشها دفعتنا للتقرب من بعض أولياء الأمور من أجل سؤالهم عن استعداداتهم لعيد الأضحى المبارك، وقد تباينت الآراء من فرد لآخر، أول من التقيناه السيد دحمان البالغ من العمر 47 ربيعا، متزوج وأب لثلاثة أطفال، سألناه عن موضوعنا إلا أنه كان في حيرة من أمره، فقد أخبرنا أنه قام خلال عطلة نهاية الأسبوع بزيارة بعض الأسواق الخاصة بالمواشي من أجل معرفة أسعار الأضاحي، إلا أنه تعجب من غلائها على خلاف ما نشر في بعض وسائل الإعلام أن الأسعار في متناول المواطن البسيط، فحسبه الأسعار تتراوح ما بين 4 و7 ملايين للأضحية الواحدة، وبالتالي فإنه لن يستطيع اقتناء الأضحية في ظروف مثل هذه، ولكن ومن جهة أخرى تلح زوجته على ضرورة اقتناء ملابس جديدة للأطفال، لأنهم سيحتفظون بها من أجل الذهاب بها إلى المدرسة لأن الأطفال خصوصا صغار السن منهم يحتاجون إلى ملابس كثيرة لأنهم يتسخون كثيرا، فتضطرالأمهات إلى تغيير ملابسهم مرتين في اليوم تقريبا، وهنا يقف السيد دحمان في حيرة من أمره، هل يشتري الملابس الجديدة أم أضحية العيد خاصة وأن ابنه سامي يلح ويبكي يوميا حتى يقتني والده أضحية العيد له، مثلما أبناء الجيران، وهو الأمر الذي دفع بالسيد دحمان إلى البقاء خارج المنزل كثيرا ولا يدخل حتى ينام الجميع تقريبا، وذلك حتى يتفادى الخوض في الموضوع مع العائلة فالأضحية وكسوة العيد حديث الساعة في البيت. ...وللطبقة الميسورة وجهة نظر أخرى ولكن ومن جهة أخرى هناك أناس أنعم الله عليهم من بابه الواسع على غرار البعض الآخر ولله في ذلك حكمة، فهذه الفئة من المجتمع لا تجد حرجا في اقتناء كل ما يتمناه أفراد العائلة صغارا كانوا أم كبارا، وهو حال السيد ياسين المتزوج وأب لطفلين، وجدناه في أحد مواقف سيارات الأجرة بالعاصمة سألناه عن موضوعنا فقال إنه سيقوم بشراء أضحية العيد لأسرته مهما علا ثمنها، وذلك حتى يحيي سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام لأن عيد الأضحى مناسبة فريدة من نوعها لا تأتي إلا مرة واحدة في السنة ولا يمكن تضييع الفرصة وعدم إحيائها، عدنا وسألنا السيد ياسين مرة أخرى هل سيقوم باقتناء ملابس جديدة لأبنائه بالمناسبة، فأجابنا أنه بالطبع سيفعل ذلك ولن يترك أبناءه (يعيّدون) دون ملابس جديدة وذلك حتى تكتمل فرحتهم بالعيد، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، فقد قامت زوجته بطلب من إحدى صانعات الحلويات أن تحضر لها أنواعا مختلفة من الحلويات التقليدية حتى تزين بها طاولة صبيحة العيد، وعلى ما يبدو أن السيد ياسين لا يبالي بمصروف العيد أبدا على غرار سابقيه.