عام خيبر أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعا .. ومنذ وضع يمينه في يمين الرسول أصبحت يده اليمنى موضع تكريم كبير فآلى على نفسه ألا يستخدمها الا في كل عمل طيّب وكريم .. هذه الظاهرة تنبئ عما يتمتع به صاحبها من حسّ دقيق .. وعمران بن حصين رضي الله عنه صورة رضيّة من صور الصدق والزهد والورع والتفاني وحب الله وطاعته ... وان معه من توفيق الله ونعمة الهدى لشيئا كثيرا ومع ذلك فهو لا يفتأ يبكي ويبكي ويقول : يا ليتني كنت رمادا تذروه الرياح.. !! ذلك أن هؤلاء الرجال لم يكونوا يخافون الله بسبب ما يدركون من ذنب فقلما كانت لهم بعد إسلامهم ذنوب .. إنما كانوا يخافونه ويخشونه بقدر إدراكهم لعظمته وجلاله وبقدر إدراكهم لحقيقة عجزهم عن شكره وعبادته فمهما يضرعوا ويركعوا ومهما يسجدوا ويعبدوا .. ولقد سأل أصحاب الرسول يوما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله مالنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا وزهدنا دنيانا وكأننا نرى الآخرة رأي العين .. حتى إذا خرجنا من عندك ولقينا أهلنا وأولادنا ودنيانا أنكرنا أنفسنا .. ؟؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لو تدومون على حالكم عندي لصافحتكم الملائكة عيانا ولكن ساعة .. وساعة .. وسمع عمران بن حصين هذا الحديث .. فاشتعلت أشواقه .. وكأنما آلى على نفسه ألا يقعد دون تلك الغاية الجليلة ولو كلفته حياته وكأنما لم تقنع همّته بأن يحيا حياته ساعة .. وساعة .. فأراد أن تكون كلها ساعة واحدة موصولة النجوى والتبتل لله رب العالمين .. !! وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أرسله الخليفة الى البصرة ليفقه أهلها ويعلمهم .. وفي البصرة حطّ رحاله وأقبل عليه أهلها مذ عرفوه يتبركون به ويستضيؤن بتقواه .. قال الحسن البصري وابن سيرين : ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد بفضل عمران بن حصين .. كان عمران يرفض أن يشغله عن الله وعبادته شاغل استغرق في العبادة واستوعبته العبادة حتى صار كأنه لا ينتمي الى عالم الدنيا التي يعيش فوق أرضها وبين ناسها .. أجل .. صار كأنه ملك يحيا بين الملائكة يحادثونه ويحادثهم .. ويصافحونه ويصافحهم .. ولما وقع النزاع الكبير بين المسلمين بين فريق علي وفريق معاوية لم يقف عمران موقف الحيدة وحسب بل راح يرفع صوته بين الناس داعيا إيّاهم أن يكفوا عن الاشتراك في تلك الحرب حاضنا قضية الإسلام خير محتضن .. وراح يقول للناس: (لأن أرعى أعنزا حضنيات في رأس جبل حتى يدركني الموت أحبّ اليّ من أن أرمي في أحد الفريقين بسهم أخطأ أم أصاب).. وكان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلا: (الزم مسجدك .. فان دخل عليك فالزم بيتك .. فإن دخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله).. وحقق إيمان عمران بن حصين أعظم نجاح حين أصابه مرض موجع لبث معه ثلاثين عاما ما ضجر منه ولا قال: أفّ .. بل كان مثابرا على عبادته قائما وقاعدا وراقدا .. وكان إذا هوّن عليه إخوانه وعوّاده أمر علته بكلمات مشجعة ابتسم لها وقال: إن أحبّ الأشياء إلى نفسي أحبها إلى الله.. !! وكانت وصيته لأهله وإخوانه حين أدركه الموت: إذا رجعتم من دفني فانحروا وأطعموا.. أجل لينحروا ويطعموا فموت مؤمن مثل عمران بن حصين ليس موتا إنما هو حفل زفاف عظيم ومجيد تزف فيه روح عالية راضية إلى جنّة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين... ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها مالك الملك ورد ذكره في القرآن الكريم (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) [آل عمران: 26] مرتان المالك لجميع الممالك وجميع من فيها مماليك له وهو المالك لخزائن السماوات والأرض بيده الخيرُ يرزق من يشاء. أَثَرُ الإيمان بالاسم: - تَفَرُّدُ اللهُ بالملك يوم القيامة مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] وخصَّ يوم الدِّين لأنَّه اليومُ الذي لا يملك فيه أحدٌ شيئًا ممَّا كان في ملكهم في الدنيا !. - من رحمة الله بعباده أنَّه هو الملك الوحيد يوم القيامة لأنَّه يحاسب بالعدل ولا يجور وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّام لِلْعَبِيدِ [فُصِّلَت: 46].