بقلم: كامل مندور منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة فى مصر وإسرائيل لم ترفع عينها عن بلادنا، إنها ترقب بكل الحقد والغيظ التطورات المتلاحقة التى تشير إلى إمكانية استقرار الأوضاع الداخلية ونجاح السياسات الخارجية، ما قد يسمح بتحسن الأوضاع الاقتصادية في زمن قصير نسبيًا، ويؤدى بالتالي إلى مزيد من التماسك والتلاحم فى الجبهة الداخلية، وهو ما ينذر بخطر قيام دولة قوية على حدودها، الأمر الذى لن تقبل به أبدًا، لذلك فلابد أن نتوقع أن تقوم إسرائيل بزرع الألغام فى طريق مصر نحو التقدم، ألغام في الداخل من أجل تمزيق وحدة الشعب المصري وإحداث أكثر من شرخ في الجبهة الداخلية على الأصعدة المسيحية والنوبية والبدوية، وألغام أخرى فى الخارج من أجل تمزيق العلاقات والروابط السياسية الإستراتيجية، وبصفة خاصة العلاقات مع أمريكا بصفتها الراعي الرسمي لإسرائيل والمشرف على مشروع السلام في الشرق الأوسط، المشروع الذي لا تريد إسرائيل له أن يتحقق في يوم من الأيام.. لذلك لم يكن مستغربًا أن نعلم أن الذي أنتج الفيلم المسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم) هم حفنة من اليهود والصهاينة بالتعاون مع بعض المارقين من أقباط المهجر، وأن الذي أخرجه هو مخرج يحمل الجنسية الإسرائيلية، وهنا ينبغي أن نتوقف قليلاً لندرك أن الهدف من إخراج هذا الفيلم إلى الوجود هو هدف سياسي بالدرجة الأولى وليس هدفًا دينيًا، وهذا بالضبط ما صرح به مخرج الفيلم بأنه أخرج فيلمًا سياسيًا وليس فيلمًا دينيًا، وتكتمل الصورة حين نعلم أن هذا الفيلم كان قد أصبح جاهزًا للعرض منذ صيف العام الماضي، وأنه كان من الطبيعى أن يعرض في ذكرى 11 سبتمبر من العام الماضي، لكن أصحابه تعمدوا حجبه عامًا كاملاً حتى يعرض في نفس الذكرى من العام الحالي، وأن الهدف من ذلك أن العام الحالي هو عام الانتخابات فى أمريكا، وفي أمريكا كما فى إسرائيل حمائم وصقور، وبالرغم من أن أوباما لم يدخر جهدًا في محاربة الإسلام والمسلمين إلا أنه في نظر إسرائيل من الحمائم، وترى أن الحزب المنافس حزب بوش الأب والابن هو أشد منه حربًا على العرب والمسلمين، ومن ثم فقد كان الهدف المباشر من عرض الفيلم في هذا التوقيت هو إحراج إدارة أوباما أمام الناخب الأمريكي ورفع أسهم منافسه ميت رومني، ذلك أن صانعي الفيلم يراهنون على رد فعل الشعوب العربية والإسلامية، ويتوقعون خروج المظاهرات الغاضبة لتحاصر السفارات الأمريكية أو لتضرب المصالح والمنشآت الأمريكية أو لتمزق العلم الأمريكي وتحرقه، أو ربما يتطور الأمر إلى قتل بعض الأمريكيين، وكل ذلك حدث بالفعل، الأمر الذى يظهر إدارة أوباما بالعجز عن حماية رعاياها ومصالحها في بلاد العرب والمسلمين، ويشعر الناخب الأمريكي بأنه فى حاجة إلى إدارة أشد حزمًا مع كل هؤلاء، فإذا حاول أوباما أن يزايد باتخاذ إجراءات تتسم بالخشونة كما يحدث مع ليبيا الآن، تكون إسرائيل قد كسبت في الحالتين، إما أن يكسب رومني وهو المستهدف أصلاً، وإما أن يعود أوباما على علاقات ملتهبة ومتوترة مع الدول العربية والإسلامية، وبعد أن كان معارضًا مثلاً لضرب إسرائيل لإيران، قد يعود أكثر لينًا مع الإرادة الإسرائيلية. وإذا عرفنا ذلك، فإنه يتوجب علينا أن نجعل غضبتنا من الفيلم المسيء غضبة عاقلة لا تعطى للعدو الفرصة التى يخطط لها، فلو كان الغرض هو مجرد الإساءة لكان الأيسر على إسرائيل أن تسخر لهذه المهمة إحدى الدول الأخرى مثل النرويج أو هولندا، وواضح أن الغرض من الاستعانة ببعض الأقباط المارقين في المهجر هو إيغار الصدور بين المسلمين والمسيحيين لإضعاف الجبهة الداخلية، لذا يلزم عدم الاستجابة للاستفزاز الديني، والمحافظة على حسن العلاقة مع المسيحيين في الداخل، لمعاملة العدو بنقيض مقصوده، وأتوقع أن تبادر الحكومة إلى عقد محاكمات غيابية لمن شارك في هذه الجريمة ممن يحملون الجنسية المصرية، واستخدام هذه الأحكام الغيابية فى المطالبة بتسليمهم إلى السلطات المصرية.