مع كل احتجاج أو أزمة، تعود كلمة المافيا إلى الواجهة، في غرداية سمعنا حديثا عن مافيا، وعن تجار مخدرات، وعن مجموعات مصالح، فضلا عن اليد الأجنبية، والآن نسمع عن مافيا العقار في تقرت، حيث أشخاص يتحدون الجميع، منتخبون ومسؤولون محليون يسطون على كل شيء، ويشيعون حالة من اليأس والإحباط في أوساط المغلوبين على أرهم الذين لا يقدرون على شيء. هذا الحديث عن المافيا لا يقابله أي تحرك للعدالة، لا أحد يسأل المتحدث عن أدلته، ولا أحد يستدعي من توجه له أصابع الاتهام للتحقق مما يجري، وهذا الأمر يخص كل القضايا وعلى كل المستويات، وكأننا نعيش في بلد لا عدالة فيه، أو كأن الحديث عن المافيا حديث فارغ لا يستحق الالتفات إليه لأنه ملازم للأزمات ولا يلبث أن يختفي، وحتى الصحافة قد تلام في بعض الحالات لأنها تكتشف هذه المافيا متأخرة وبعد أن تحدث الكارثة. قبل سنوات من الآن كان مصطلح المافيا المالية والسياسية هو الشائع، يستعمله محترفو السياسة، ولا فرق بين من يشغل منصب وزير ومن يقود حزبا معارضا، فوزير الصحة الأسبق كان يقول بأنه تعرض للضغط من مافيا الدواء، وحتى الرئيس أشار إلى جماعات مصالح في أكثر من مرة، وأوحى بأن هناك من يعيق عمل الحكومة على أعلى مستوى. قضينا سنوات طويلة ونحن نردد هذا الكلام، لم نرسم بعض ملامح وجه هذه المافيا، ولم تتحرك عدالتنا لإحقاق الحق وتطبيق القانون، ومع مرور الأيام صارت المافيا مثل الغولة، كائن خرافي يستعمل لتخويف الأطفال وإجبارهم على النوم باكرا، فالمتحدث عن المافيا لا يعرفها ولا يؤمن بها، هو يريد أن يتخذها غطاء لتبرير ما يجري، فمن الأسلم القول إن المافيا فعلت، أو هي مسؤولة، لأن انتقاد سياسات معينة، أو التأكيد على وجود مظالم بسبب التسيير قد يجلب المتاعب أكثر. ما يجري من احتجاجات في مختلف القطاعات هو نتيجة طبيعية للفشل في التسيير، وهو ثمرة غياب رؤية صحيحة لما يجب أن يكون عليه اقتصاد البلد، وكل تفسير آخر يعتبر خرافة يراد بها إسكات الحقيقة.