رئيس الجمهورية يؤكد أن السيادة الوطنية تصان بجيش قوي واقتصاد متطور: الجزائر دولة مسالمة و من اعتدى عليها فقد ظلم نفسه    يخص منطقتي أولاد جلال وسيدي خالد: السلطات تستعجل إنهاء مشروع تدعيم توزيع المياه    تحسبا لموسم الاصطياف بسكيكدة: حملات نظافة مكثّفة وتعليمات بإنهاء مشاريع التهيئة    القمة الإفريقية للأسمدة وصحة التربة بنيروبي: تبني مقترح الجزائر بشأن دعم منتجي الغاز    سكنات عدل: توزيع حوالي 40 ألف وحدة بالعاصمة في الذكرى 62 للاستقلال    بمبادرة من الجزائر: مجلس الأمن يدعو إلى تحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة    بهدف ترقية تسييرها وتوفير خدمات ذات جودة عالية: الحكومة تدرس التدابير المتعلقة بالاستغلال السياحي للشواطئ    رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يؤكد: الاقتصاد الوطني في تطور مستمر وسيشهد قفزة في 2027    تفادى ذكر الريال و"تغافل" عن اسم الخليفي: مبابي يودّع باريس سان جيرمان    قسنطينة: توقيف متهميْن في قضية مخدرات    بمبادرة جزائرية.. مجلس الأمن يدعو لفتح تحقيق مستقلّ في المجازر الجماعية بغزة    الجزائر ستواصل جهودها بمجلس الأمن لتكريس عضوية فلسطين بالأمم المتحدة    «وتتوالى الإنجازات».. انتصارات متتالية للدبلوماسية الجزائرية    تسريع وتيرة العمل لتسليم منشآت هامة    انطلاق البكالوريا التجريبية بنفس إجراءات الامتحانات الرسمية    الجزائر الجديدة هي المشروع الوطني الذي يجسد طموحنا    خطوة مهمة تعزّز الحق الفلسطيني    الاحتلال الصهيوني يجبر الفلسطينيين على إخلاء مناطق جديدة في رفح    الرئاسيات المقبلة محطة هامة لتجسيد طموحات الجزائريين    2027 سنة الإقلاع الاقتصادي    إحصاء شامل لمليون و200 ألف مستثمرة فلاحية    "عدل 3" بمسابح وملاعب وعمارات ب 20 طابقا    تركيا تكشف عن حجم التجارة مع الجزائر    إعذار مقاول ومكتب متابعة منطقة النشاط بسكيكدة    البنايات الهشة خطر داهم والأسواق الفوضوية مشكل بلا حل    الكشف عن وثيقة تاريخية نادرة    بشكتاش التركي يحسم مستقبل غزال نهائيا    شايبي يحلم بدوري الأبطال ويتحسر على "كان 2025"    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران: فوز الجزائري نسيم سعيدي بالسباق    ألعاب القوى/البطولة العربية لأقل من 20 سنة: 10 ميداليات جديدة للجزائر، منها أربع ذهبيات    مختبر "سيال" يحافظ على اعتماده بمعايير "إيزو 17025"    ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    التزام ثابت للدولة بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    إجراء مباراة مولودية وهران اتحاد العاصمة يوم 21 ماي    عمورة ينال جائزة أفضل لاعب إفريقي في بلجيكا    بنك الاتحاد الجزائري بموريتانيا : إطلاق نافذة الاسلامية لتسويق 4 منتجات بنكية    حفريات "قصر بغاي".. الأربعاء المقبل    أولاد جلال تحتضن بسمات الأطفال    بلمهدي يشارك بإسطنبول في اللقاء العالمي لحوار العلماء المسلمين    الجلفة : معرض الكتاب "الجلفة نبض الابداع" يفتتح هذا الأربعاء    نستالجيا تراثية.. تظاهرة ثقافية لاستحضار واستذكار أهم الألعاب الشعبية    لقاء بمركز المحفوظات الوطنية حول مجازر 8 مايو 1945    مفهوم النهضة في الغرب مسكون بحقبته الكولونيالية    العائلات لا تولي أهمية لبرامج الرقابة الأبوية    لا تشتر الدواء دون وصفة طبية    صدور القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية في الجريدة الرسمية    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الجمعة بالنسبة لمطار الجزائر العاصمة    رسالة من سلطان عُمان إلى الرئيس تبّون    قطاع الري سطّر سلم أولويات لتنفيذ البرنامج    الجزائر مستمرة في نضالها من أجل الشعب الفلسطيني    انطلاق مشاريع صحية جديدة بقالمة    ملتقى حول "التراث الثقافي المخطوط"    استحسن التسهيلات المقدمة من السلطات : وفد برلماني يقف على نقائص المؤسسات الصحية بقسنطينة في مهمة استعلامية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفير فرنسا بالجزائر: فرنسا ليست في مرحلة الاعتذار أو التوبة عن ماضيها الاستعماري
نشر في صوت الأحرار يوم 21 - 11 - 2010

ربما أمكننا تشبيه العلاقة بين الجزائر وفرنسا بقصة الحب المستحيل، فما إن يقبل طرف على الآخر، حتى يدبر الطرف الثاني، تارة عناق وتارة فراق، ولعل مرد ذلك يعود بالأساس إلى التاريخ الشائك بين البلدين، ثم إن راهن الاستثمار جعل من الجزائر سوقا تسيل لعاب دول عظمى، فوجدت فرنسا نفسها مجبرة على تبييض ماض سيء تطلعا لمستقبل مشرق، ومن هنا لا تزال العلاقات الجزائرية الفرنسية، رغم طبيعتها المتميزة، حبيسة ماض ثقيل في ظل تراكمات عديدة لم يتم الفصل فيها إلى يومنا. وفي حديث شيّق وجريء خص به »صوت الأحرار«، تطرق السفير الفرنسي بالجزائر كزافييه دريانكور إلى عديد القضايا التي تجمع البلدين، وتعتبر بمثابة حجر أساس للمضي قدما في إطار علاقات ثنائية مبنية على الاحترام المتبادل. اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة في حق الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار، الاعتذار، التعويض، ملف رهبان تبحيرين، التواجد الفرنسي في منطقة الساحل، الاستثمارات الفرنسية بالجزائر، التعاون القضائي بين البلدين وغيرها من الملفات الشائكة، كانت في صميم هذا الحوار.
حاوره: عزيز طواهر
*هناك تقارب كبير بين الجزائر وفرنسا في العديد من المجالات، رغم التوترات التي طبعت العلاقات الثنائية بين البلدين لاسيّما في الفترة الأخيرة. في البداية كيف تقيّمون العلاقات الاقتصادية الجزائرية-الفرنسية؟
العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا لا يمكن إلا أن توصف ب»الحيوية« وهي جد مهمة بالنسبة للبلدين. فكما تعلمون، فرنسا، على غرار إسبانيا وإيطاليا، هي بوابة ولوج السوق الأوربية، وأنا كسفير استقبل الكثير من رؤساء مؤسسات ورجال أعمال فرنسيين يأتون للاستفسار حول طبيعة النشاط الاقتصادي والتجاري في الجزائر، وغالبا ما أقول لهم أن شروط الدخول إلى السوق الجزائرية جد جذابة ولكن معقّدة.
كل ما يجب أن نعلمه هو أن الجزائر بلد معقّد على الصعيد الاقتصادي والتجاري وعليه لا يجب أن يظن المستثمرون أنهم كسبوا الرهان، بالنظر إلى طبيعة التشريع الجزائري الذي يختلف عن التشريع الأوروبي. وبما أن النظام الإداري يتشابه ونظيره الفرنسي، ناهيك عن كون الجزائر بلد فرنكوفوني، فإن المؤسسات الفرنسية تقع في الفخ الذي يشعرها »بأنها لا تزال في أوروبا«. وهنا أحذّر هذه المؤسسات لأنّ الوضع في الجزائر أكثر تعقيداً مما نظن، لأنها دولة لديها خصوصياتها، ومن هذا المنطلق يجب أن تكون لتلك المؤسسات مقاربة متواضعة وديناميكية مبنية على التنافس في التعاطي مع شركائها الجزائريين. بالمقابل، باستطاعة المؤسسات الفرنسية التي ترغب في الاستثمار في الجزائر الاعتماد على تواجد الجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا والتي هي بحاجة إلى أسواق مشابهة لتلك الموجودة بفرنسا في حال قدومها إلى الجزائر على غرار كارفور، ميشلان، رونو وغيرها من المؤسسات التي قد تلبي احتياجاتها.
*لكن هذا لم يمنع أن تصبح فرنسا أول ممون للجزائر على المستوى العالمي؟
بالفعل فرنسا هي أول ممون للجزائر، وتستحوذ على 17 بالمائة من السوق الجزائرية، ومن حيث الاستثمارات تعد أول مستثمر خارج المحروقات لأن المجموعات البريطانية والأمريكية تستثمر في قطاع المحروقات، أما فيما يتعلق بباقي القطاعات، فإننا نجد على سبيل المثال مصنع ميشلان بالقبة الذي يعتبر أول مصدّر جزائري خارج البترول والمختص في صناعة العجلات، ويقوم بتصدير نسبة 40 بالمائة من إنتاجه، ليصبح أول مصدر بعد سوناطراك.
وهناك مجالات أخرى تستثمر فيها الشركات الفرنسية، مثل الصناعات الغذائية والبنوك، مع العلم أن حضور هذه المؤسسات يقاس بحصتها في السوق الجزائرية وعدد مناصب العمل التي توفرها. وفي هذه النقطة بالذات، يجب أن نعلم أن الشركات الفرنسية ساهمت في خلق 35 ألف منصب عمل مباشر للجزائريين، وحوالي 100 ألف منصب عمل غير مباشر، فميشلان مثلاً توظف 800 عامل، وسوسيتي جينرال 1500 عامل، وسانوفي أفانتيس 600 عامل، وهذا أفضل مؤشر في رأيي لمعرفة مدى مساهمة الشركات الفرنسية في الاقتصاد الوطني للجزائر.
*هناك رغبة في مواصلة تطوير العلاقات الجزائرية الفرنسية أكثر فأكثر، وبالمقابل هناك مشكل الإجراءات التي أقرّها قانون المالية التكميلي لسنة 2009 والتي أثارت جدلا لدى بعض الأوساط الفرنسية؟
إن الرد على هذا السؤال يرتكز على ثلاث نقاط أساسية: في البداية من المؤكّد أن المؤسسات الفرنسية معتادة على العمل ضمن الاتحاد الأوربي الذي يؤمّن إطاراً ليبراليا كبيرا، خالياً من القيود الجمركية وغيرها من الإجراءات المعقّدة، وعندما تقرر هذه الشركات الاستثمار في الجزائر، فإنها تصطدم بنظام أكثر تعقيدا من نظيره الأوربي. وهنا أقول للمستثمرين الفرنسيين، إن الجزائريين هم أصحاب سيادة وليس لنا نحن الفرنسيين أو الأوربيين أن نقول لهم ما هو الأفضل والأصلح لبناء اقتصادهم، هم أحرار وأصحاب سيادة في اختيار النظام الجمركي والجبائي الذي يخدم مصلحة بلدهم، وما علينا نحن كمؤسسات فرنسية أوروبية، إلا أن نتأقلم ونتكيّف مع المحيط الاقتصادي الجزائري.
وللإشارة فإنّ كل التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الفرنسيين تؤكّد أنّه يجب على المستثمرين الفرنسيين التكيّف مع القانون الجزائري، سواءً تعلّق الأمر بتصريحات تنظيمات أرباب العمل أو لقاء الميداف، أو حتى تصريحات آن ماري ايدراك وزيرة التجارة الخارجية لفرنسا في زيارتها الأخيرة للجزائر.
*في هذا السياق وبهدف تطوير العلاقات الاقتصادية، ما المنتظر من زيارة جان بيار رافران المقبلة إلى الجزائر؟
كما تعلمون فقد تم تعيين محمد بن مرادي وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار عن الجانب الجزائري وجان بيير رافران الوزير الأول السابق عن الجانب الفرنسي، وذلك بهدف تسهيل وتنسيق مشاريع الاستثمار بين بلدينا، ومن ثمّة سيكون هناك حوارا بنّاء ومجديا، خاصّةً وأنّ بن مرادي ورافران يُعدّان من الشخصيّات الهامة في الجزائر وفرنسا.
إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عيّن رجلا مهما وليس موظفا بسيطا، لقد كان هذا الأخير يشغل منصب وزير أول وكان كذلك رجل أعمال قبل خوض غمار السياسة. جان بيار رافران صرّح حول مهمّته القادمة إلى الجزائر قائلاً: »إنّ فرنسا تحتلّ مواقع مهمة بالجزائر والمؤسسات الفرنسية ترغب في الاستثمار فيها أكثر فأكثر، ويجب الأخذ في عين الاعتبار الإرادة الجزائرية في تعزيز هذا المسعى المتمثّل في تطوير اقتصادها الوطني والعمل على ترقية اقتصاد ما بعد البترول«. ومن هذا المنطلق، أضاف رافران: »أنا مكلف بتنسيق مختلف هذه المشاريع ومساعدة المؤسسات الفرنسية في هذا الشأن بهدف خلق جسور بين البلدين«.
علينا أن نذكّر هنا بوجود استثمارات جزائرية هامة بفرنسا، على غرار أحد المخابر الصيدلانية الذي قام بشراء مؤسسة فرنسية في وسط فرنسا، وعليه، فإنّ أبواب فرنسا تبقى مفتوحة لكل المستثمرين الأجانب بمن فيهم الجزائريين.
*عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية اضطرابات عديدة في السنوات الأخيرة بالنظر إلى جملة من القضايا التي لا تزال عالقة بين البلدين، والمرتبطة أساسا بالماضي الثقيل الذي يجمع هذا الزوج : جزائر-فرنسا؟
تقولُ »علاقات مضطربة«، أنا ضد هذا المصطلح، وأفضل أن أقول إن العلاقات بين الجزائر وفرنسا هي بمثابة البورصة، تارة ترتفع وتارة أخرى تنخفض، وفي ذات السياق أذكر ما صرح به السيّد مدلسي عندما قال إن العلاقات بين الجزائر وفرنسا أخذت »منعرجا جديدا«، وكنت بدوري قد صرحت في العديد من المناسبات أن البلدين مقبلان على »مرحلة جديدة«.
وبالتأكيد لا يمكن لنا أن ننكر أن العلاقات كانت صعبة في السنتين الأخيرتين بسبب المشكل القضائي حول ملف الدبلوماسي حساني، وملف رهبان تيبحيرين وغيرها من الملفات.
هناك العديد من الصعوبات التي لا تزال تعترض تنمية وتطوير وتحسين العلاقات الجزائرية الفرنسية، كملف الصحراء الغربية والاتحاد من أجل المتوسط ، لكن يجب أن نعلم أننا اليوم دخلنا مرحلة جديدة لا سيّما بعد الزيارتين الأخيرتين للأمين العام للإليزيه والمستشار الدبلوماسي لساركوزي للجزائر، بالإضافة إلى زيارة آن ماري إدراك في سبتمبر الماضي، وزيارة وزيرة العدل الفرنسية ميشال أليو ماري منذ حوالي ثلاثة أسابيع،)الحوار أجري قل التعديل الحكومي الأخير في فرنسا(، ناهيك عن زيارة رافران المرتقبة.
وأنا بدوري استضفت العديد من الشخصيّات على غرار جاك توبون الذي تكلم على المغتربين الجزائريين بفرنسا، ونويل لونوار الوزيرة السابقة للشؤون الأوربية التي تكلمت على التقارب الفرنسي الألماني والتقارب الفرنسي الجزائري، وجان بيار شوفانمون الذي تكلم على اللائكية، كما أننا اغتنما الفرصة لاستضافة بعض المسؤولين الشباب الذين ينتمون إلى الجيل الجديد من الطبقة السياسية الفرنسية، مثل مانويل فالس الذي سيزور الجزائر الشهر الجاري.
*متى تعترف فرنسا بجرائمها التي اقترفتها في حق الشعب الجزائري طيلة 132 سنة من الاستعمار، على غرار ما قامت به ايطاليا باتجاه الشعب الليبي؟
لا يمكن المقارنة بين الاستعمار الإيطالي لليبيا والاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث أن استعمار ليبيا دام قرابة 20عاماً. ومن المؤكّد أنكم اطلعتم مثلنا على الشريط الذي عرض على قناة »فرانس 2« والّذي يُظهر مدى تمسك الفرنسيين بالجزائر، والصور التي عُرضت خير شاهد على ذلك .
نحنُ لسنا في مرحلة الاعتذار أو التوبة، نحن معترفون بالوقائع، هذا الاعتراف يجب أن يمر عبر تفكير تاريخي عميق والوعي بهذا التاريخ، بالإضافة إلى الاعتراف ببعض الجرائم المرتكبة.
الاعتراف قمنا به، فعندما جاء الرئيس ساركوزي في زيارة دولة إلى الجزائر صرح من قسنطينة أن النظام الاستعماري لم يكن عادلاً، وهذا اعتراف بعدم عدالة هذا النظام الذي قسّم السكّان إلى فئتين ؛ الفرنسيين والمسلمين أو الأنديجان. لقد اعترف الرئيس الفرنسي بنفسه بعدم عدالة النظام الاستعماري، قائلاً في نفس الوقت أنّه لا يمكن أن ندين بطريقة تلقائية كل الفرنسيين الذين كانوا في الجزائر، لأنّهم ليسوا جميعاً غير عادلين، علاوةً على ذلك فإنّ النظام الكولونيالي -الاستعماري- الذي عرفه العالم لم يكن خاصّا بفرنسا فقط، فهناك دول أوروبية أخرى كانت تطبّق هذا النظام في مستعمراتها.
لقد سبق لسفيرين فرنسيين بالجزائر أن اعترفا في خطابين لهما بسطيف وقالمة بالجرائم الفرنسية المرتكبة في حق الجزائريين، وفي اعتقادي سيتأتي اليوم الذي ننتقل فيه من التاريخ إلى الذاكرة، ثًمّ من الماضي إلى المستقبل. فمن أجل بناء المستقبل يجب أن نعترف بالماضي وأن ندركه ونتحمّله.
أنا على وعي كبير بأن هذا الماضي وهذه الأحداث مؤلمة جدّاً ومازالت حيّة في ذاكرة الجزائريين والفرنسيين على حد سواء لذلك، نحن بحاجة إلى كثير من الوقت للتفكير فيما يمكن فعله، إلاّ أنّ هناك خطوات جيّدة تمّ اتّخاذها في هذا الاتّجاه من قبل نيكولا ساركوزي بعد خطابه بقسنطينة وكذا من قبل سفيريّ فرنسا بعد خطابهما بكل من سطيف وقالمة. والآن علينا التفكير في استحقاقات 2012 التي تصادف الذكرى الخمسين لاتفاقيات إيفيان واستقلال الجزائر، لذا، بإمكاننا أن نعمل معاً ونفكر بما يمكننا إبداءه من اقتراحات من أجل المرحلة القادمة والهامة.
* ماهو الجديد فيما يخصّ التعويضات الخاصة بالجزائريين، ضحايا التجارب النووية التي تم تشريع قانون خاص لتسويتها؟
هناك قانون تم التصويت عليه، بالإضافة إلى نصوص تطبيقية لتعويض ضحايا التجارب النووية، سواءً كانوا بولينيزيين أو فرنسيين أو جزائريين متواجدين في المواقع التي تمّت فيها التجارب. هذا النص عام وغير تمييزي تمّ من خلاله تحديد عدد من الأمراض وستقوم اللجنة المختصة بدراسة الملفات وإجراء الفحوصات اللازمة على الأشخاص المعنيين. يبدو لي أنّ النص التطبيقي دقيق فيما يتعلّق بشروط التعويضات وعلينا النظر إليه من زاوية إيجابية.
*قضيتي الدبلوماسي حساني ورهبان تيبحيرين، لا تزالان كشوكتين عالقتين في العلاقات بين البلدين، كيف يمكن تجاوزهما؟
أظنّ أنّ أحسن وسيلة للمضي قدما هي الاعتراف بهذه المشاكل ومعالجتها في الوقت المناسب، وهذا لا يمنعنا من العمل معاً في مجالات أخرى. فقضية حسّاني تمّت معالجتها على المستوى القانوني بإصدار حكم يقضي بانتفاء وجه الدعوى القضائية.
أمّا فيما يخص رهبان تيبحيرين، فالإجراءات القانونية ما زالت جارية في هذا الشأن.
*ما هو الجديد في التعاون القضائي بين البلدين، خاصة بعد زيارة أليو ماري الأخيرة للجزائر؟
هناك عدة اتفاقيات أبرمت بين الوزارتين، بما سمح بتبادل قضاة الربط، المساعدة القضائية والتعاون القضائي بين محاكم البلدين وغيرها من مجالات التعاون، هناك ملفات قضائية وقانونية معقّدة ومؤلمة بين البلدين، بالأخص ملف الأطفال الناجمين عن الزواج المختلط.
بالنسبة لقضية الطفلة صفية »صوفي« فقد فصلت فيها العدالة الجزائرية وأقرت حق الحضانة إلى السيّد شربوك، وبالتالي لا يمكن التعليق على الحكم القضائي الجزائري ولا حتى الفرنسي.
*هناك مشروع القانون الذي تم تمريره في المجلس الوطني الفرنسي حول إسقاط الجنسية للمغتربين في حالات معيّنة، والذي وصفه البعض ب»القانون التمييزي«. ما تعليقكم؟
القانون تم التصويت عليه كما أسلفتم من طرف النواب وبقي أن يُعرض على مجلس الشيوخ، لكن ما يجب أن يشار إليه هو أن إسقاط الجنسية لا يمسّ سوى بعض الجرائم المرتكبة في حق قوات الأمن والمؤسسات والهيئات العمومية في فرنسا.
*هناك انتقادات وُجّهت لفرنسا حول ظروف حبس المغتربين غير الشرعيين الذين يتم وضعهم بمراكز الانتظار »الاحتجاز«؟
هذا الملف يدخل في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الداخلية الجزائرية ووزارة الهجرة بفرنسا لضمان عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، هي إجراءات تكتسي طابعاُ قانونياً أكثر منه بوليسيًّا.
وفيما يخصّ شروط الحبس فهذه المراكز هي للحجز فقط، وليست كالفنادق التي يقع اختيارنا عليها.
هناك إرادة قويّة قي فرنسا والجزائر من أجل محاربة الهجرة غير الشرعية لأن الجزائر أصبحت بلد عبور واستقرار لمهاجرين غير شرعيين، وإن ذهبت إلى تمنراست أو إليزي ستجد ربع السكان أجانب.
*وماذا عن الاتفاقيات المنظمة لحركة الأشخاص بين البلدين؟
هناك اتفاقيات خاصة بين الجزائر وفرنسا منذ سنة 1968، امتداداً لاتفاقيات إيفيان، التي تمّ تعديلها ست مرّات، ونحن بصدد إجراء محادثات لتعديلها من جديد. لقد صرّح السّيد مراد مدلسي بأن العودة إلى المفاوضات ستكون في شهر سبتمبر إلاّ أنّها تعطلت لأن المفاوض الجزائري تم تعيينه سفيراً في بكين، في انتظار تعيين مفاوض أخر. ونحن على استعداد للعودة لهذه المفاوضات علما أن الجزائر لديها نظام خاص ونحن واعون به تماماً.
* لا يزال مشكل التأشيرات مطروحا بالنسبة للجزائر، في وقت توجه فيه انتقادات لفرنسا كونها تتعامل بأسلوب تمييزي مع الجزائريين بما يحول دون حصولهم على التأشيرة، وهذا ما يؤكده تقرير منظمة »سيماد« الأخير؟
لا توجد كوطة لكل بلد، وبالأخص بالنسبة للجزائر، هناك دول أخرى مثل بريطانيا واستراليا تفرض هذا النوع من الحصص على بعض الدول وقد تذهب أبعد من ذلك في اشتراط عدد معيّن من النقاط التي تمكّن من الدخول إلى هذه البلدان.
ولا يفوتني أن ألفت انتباهكم إلى أن الأمور ستتغير في هذا الشأن في إطار الاتحاد الأوربي ابتداء من 4 أفريل 2012، حيث تقرر تقديم تبرير رفض التأشيرة ابتداءً من التاريخ السالف ذكره.
*متى ستتمكن الجزائر من استعادة الأرشيف الاستعماري والوثائق الخاصة بثورة التحرير؟
لقد تم تسليم كل الأرشيف الخاص بالجزائر قبل 1830، أما فيما يخص الوثائق والمذكرات المتعلقة بالفترة ما بين 1830 و1962، فقد تم الاحتفاظ بالأرشيف الخاص بالسيادة الوطنية لفرنسا من وثائق السياسة الداخلية الفرنسية. وعن فترة الاستعمار، فالأرشيف الخاص بتلك الفترة مفتوح للباحثين الجزائريين.
*يعتبر العديد من المحللين في العلاقات الدولية أن العمليات التي قامت بها فرنسا في منطقة الساحل ضد الإرهاب هي تدخل صارخ في شؤون دول المنطقة؟
إن فرنسا لم تتفاوض مع الإرهابيين لاسترجاع الرعية الفرنسية بيار كامات. لقد تمّ تبادل أسرى والحكومة المالية هي التي أطلقت سراح الإرهابيين، أما فيما يخص التدخل العسكري لتحرير الرعية الفرنسية م. جيرمانو، فقد قامت موريتانيا بذلك بدعم قوي وكبير من فرنسا وقد نجحنا في ضرب بعض معاقل الإرهاب في الساحل، والبعض من هؤلاء الإرهابيين حاولوا الانتقام بخطف رهائن فرنسيين جدد.
ما أود تأكيده في هذا الشأن، هو أنه لا يوجد تدخل فرنسي في المنطقة؛ بل كان هناك تعاون مع موريتانيا في إطار تبادل المعلومات، كما لا توجد قاعدة عسكرية فرنسية في المنطقة، وكل ما هنالك هو أن فرنسا قدّمت الدعم فقط لدول طلبت منها المساعدة لمواجهة الإرهاب لأنها غير قادرة على ذلك بمفردها.
بالنسبة للجزائر، لدينا علاقات تعاون وثيقة مع السلطات الجزائرية في مجال تبادل المعلومات، فالجزائر تلعب دوراُ هاما في منطقة الساحل، باعتبارها معنية بالأمر.
*وماذا عن التهديد الإرهابي فوق التراب الفرنسي؟
ليس من صلاحياتي الرد على هذا السؤال، وأكتفي بتصريحات المختصين في هذا المجال.
*أثار قانون منع ارتداء البرقع، أو النقاب، حفيظة الجالية المسلمة بفرنسا، ما رأيكم في ذلك؟
كما قال جان بيار شوفينمان، إن قانون منع النقاب في فرنسا جاء لحماية المرأة وكذلك لحماية المسلمين، ويجب أن لا ننسى أنه تم التصويت عليه بالإجماع من قبل البرلمان الفرنسي بغرفتيه، وعرض على المجلس الدستوري، بالرغم من عدم وجود أي طعن بشأنه، ومن هذا المنطلق يجب أن نكون واعين بأن الكثير من السكّان اعتبروا ذلك نوعا من الاعتداء بسبب السلوكيّات الخاصة المرتبطة بهذا اللباس وكان على الحكومة أن ترد لحمايتهم.
*ما هو مستقبل الجالية المسلمة في فرنسا كدولة لائكية؟
كما تفضلتم بالقول، فرنسا دولة علمانية بأغلبية مسيحية، والإسلام هو ثاني ديانة بعد المسيحية، ويحتل مكانة طبيعية كباقي الديانات.
*أثار ملف التقاعد غلياناً كبيراً في فرنسا، في رأيكم هل أحسنت السلطات المعنية في تعاملها مع القضية؟
تُعدّ فرنسا دولة من الصعب إصلاحها. فكل إصلاح هام وضروري في قطاع التقاعد من الطبيعي أن يكون متبوعا بالاحتجاجات، كما أن تمويل معاشات التقاعد بفرنسا متأتي من المديونية التي تمثل 10 بالمائة من المديونية العامة لفرنسا، وبالتالي فمن غير المعقول أن نموّل معاشات التقاعد بالقروض.
*موقف فرنسا حول الصراع الصحراوي المغربي يبقى غامضا، في الوقت الذي تتجه فيه الشرعية الدولية والأممية نحو حق هذا الشعب في تقرير مصيره؟
إن موقفنا بسيط من النزاع القائم في الصحراء الغربية، فنحن نؤيد موقف وجهود منظمة الأمم المتحدة لتسوية الصراع في الصحراء الغربية ونؤيد مهمة كريستوفر روس في المنطقة
*في الأخير، ما هو مستقبل معاهدة الصداقة بين الجزائر وفرنسا؟
إنّ مشروع معاهدة الصداقة فشل لأسباب تعرفونها، ولست أدري إن كان سيتم بعثه بطريقة أو بأخرى، لكن به أو بدونه، أعتقد أن تاريخ 2012 يُعدّ استحقاقا هاماً وفرصةَ لا يجب أن ندعها تمر مرور الكرام. علينا أن نتقبّل الأشياء كما هي والاعتراف بكافة أحدات الحقبة الاستعمارية. فالجزائر شريك مفضّل بالنسبة لفرنسا في الميدان السياسي والدبلوماسي وبشأن الهجرة وكذا على الصعيد الإنساني، وبالتالي يجب علينا أن ننظر إلى المستقبل سويا وإلى الأمام.
------------------------------------------------------------------------
كزافييه دريانكور في سطور
مولود في الفاتح من جانفي 1954، متحصل على مجاز في الحقوق وخريج معهد الدراسات السياسية والمعهد الوطني للإدارة دفعة »ميشال دي لوسبيتال« لعام 1979، متأهل وله 4 أطفال.
سفير برتبة وزير له كامل الصلاحية، من الدرجة الأولى.
1977-1979: طالب في المعهد الوطني للإدارة.
1979-1980: في الإدارة المركزية لوزارة الخارجية الفرنسية – مديرية الموظفين.
1980-1984: مديرية الشؤون السياسية: قسم القضايا الذرية والفضائية.
1984-1986: في مهمة إعارة لدى وزارة الاقتصاد والمالية وشؤون الميزانية – مديرية الخزينة.
1986-1989: في مديرية الشؤون الاقتصادية والمالية لدى وزارة الشؤون الخارجية، إدارة قسم المبيعات والمعدّات الحربية.
1989-1991: قنصل عام في سيدني- أستراليا
1991-1992: رئيس قسم مساعد لدى مصلحة الشيفرة والاتصالات والتعاطي مع المعلومة.
1992-1993: نائب مدير مصلحة الشيفرة والاتصالات والتعاطي مع المعلومة.
1993-1995: مكلف بمهام في مكتب وزير الشؤون الخارجية السيد آلان جوبيه
1995-1997: في مكتب رئيس الوزراء – مستشار تقني للشؤون الدبلوماسية
1997-1998: مكلف بمهام في المديرية العامة للتفتيش في وزارة الشؤون الخارجية، ثم المديرية العامة للتفتيش لوزارة المالية.
1998-2002: سفير فرنسا في كوالا لامبور – ماليزيا
2002-2003: في الإدارة المركزية لوزارة الشؤون الخارجية – مدير شؤون الميزانية والمالية.
2003-2006: في المديرية العامة للإدارة – مدير الموارد البشرية.
2006-2008: أمين عام مساعد، ومدير عام للشؤون الإدارية في وزارة الشؤون الخارجية.
أكتوبر 2008: سفير فرنسا في الجزائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.