أنا مستعد لأن أسقي الماء مجانا في محطة المسافرين تافورة من العاشرة صباحا حيث تبدأ حاجة الناس للماء إلى غاية السابعة مساء حيث تتوقف المحطة صيفا وخريفا وشتاء وربيعا حتى يتوفاني الله إذا أجابني القائمون على وزارة المجاهدين الجزائريين عن هذا السؤال إجابة مقنعة: ما معنى أن يتزامن احتفال الشعب الجزائري بعيد النصر المجيد مع هدم البيت الذي احتضن طفولة الشهيد العربي بن مهيدي في بسكرة؟، وهو بيت بني عام 1870 وقد استأجرته عائلة بن مهيدي بداية الثلاثينيات فترعرع فيه سي العربي قبل أن ينتقل إلى العاصمة ليصير ما مات عليه، وطبعا فإن حيائي يمنعني من أن أقول للقائمين على وزارة المجاهدين في العاصمة أو لممثليها التنفذيين في بسكرة أو لوالي بسكرة أو لرئيس بلديتها أو لمدير الثقافة هناك أو لمنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها منظمتا المجاهدين وأبناء الشهداء من هو العربي بن مهيدي، علما أن صاحب البيت راسل كل المعنيين بالذاكرة الوطنية طالبا منهم أن يعوضوا له البيت على أن يحولوه إلى متحف فلم يتلق إجابة من أحدهم ما اضطره إلى هدمه حتى يقيم مكانه مبنى جديدا هو بحاجة إليه، وهو مصير "حظي" به البيت الذي تشرف بإقامة مصالي الحاج فيه بحي المدنية بالجزائر العاصمة، وطبعا فإن حيائي يمنعني مرة أخرى من أن أقول للمعنيين بالأمر من هو مصال الحاج. الواقع أن هناك مجازر ترتكب يوميا في حق معالمنا التاريخية قديمها وحديثها في صمت مريب لجميع المعنيين بالذاكرة الوطنية، وهنا أذكر أنني وجهت قبل سنتين رسالة نشرتها في أكثر من عشر جرائد وطنية إلى وزارة المجاهدين ووزارة الثقافة بخصوص قضية شبيهة معتقدا أن ذلك سيحول دون الكارثة لكن لا حياة لمن تنادي، كل ما في الأمر أن المسؤول الذي أشرف على المجزرة هددني بأكثر من طريقة وكأنني تعديت على بيته الخاص وهذا نص الرسالة: تعلمون أنّ ذاكرة الشعب جزء من جوهره، الذي يشكّل هويته الوطنية التي تعطيه معناه في التاريخ بكل أبعاده الزمنية والحضارية، والذاكرة ليست أحداثا تروى كاملة أو منقوصة فقط، وإنما هي معالمُ احتضنت تلك الأحداثَ أيضا، فاكتسبت صفة التراث المادي، ولا يكتسب المعْلَم أهميته بقدمه فقط، بل من خلال ارتباطه بمفصل مهمّ في التاريخ أيضا، وقد كانت ولا زالت ثورة التحرير الكبرى واحدا من أعظم مفاصلنا التاريخية بالشكل الذي جعلها مرجعية في حياتنا نحن الجزائريين، لذلك فإن كل المعالم الأثرية المرتبطة بها أخذت أو يجب أن تأخذ هذه القداسة الوطنية، وإنَّ أعراش غرب ولاية برج بوعريريج: أولاد علي أولاد جحيش أولاد يعقوب أولاد ثاير أولاد ضاعن أولاد سيدي اعمر أولاد شبيل أولاد زيد أولاد طريف الصمة عقار الحراش بوطويل الرملية لعراف بن داود حرازة فضالة واد أغلاس بني وقاق واد الخميس السلاطنة، مع بعض أعراش الشرق البويري، وبعض أعراش الشمال المسيلي مثل منطقة ملوزة التاريخية، يشتركون في ذاكرة محلية واحدة جسدها المحتشد المشؤوم الذي أقامه الاستعمار الفرنسي في قرية لباشيش المجاهدة، كي يعزل حركة الثوار عنهم، ولم يبق من تلك التجربة القاسية من شاهد إلا ذاكرة من بقي حيا ممن عاشوها، ومبنى عظيم كان مقرا للتجنيد والتخطيط والتعذيب، اتخذه الاستعمار منطلقا للتحكم في المنطقة، وقد عامله سكان تلك الأعراش طيلة مرحلة الاستقلال كدليل على ارتباطهم بثورتهم الكبيرة من جهة، وعلى وحشية المستعمر من جهة ثانية، وبعد الانتخابات البلدية الأخيرة اتخذ مجلس بلدية بن داود/ ولاية برج بوعريريج، قرارا يقضي بهدم هذا المعْلَم، وإقامة مبنى جديد يكون مقرا لمفرزة الحرس البلدي، رغم وجود عشرات البدائل التي تصلح لأن تكون مقرا، وقد شُرع فعلا في تنفيذ هذه المجزرة، الأمر الذي ترك استياءً كبيرا لدى السكان، وأمام هذا الإجراء الذي ينعدم فيه أدنى وعي بالتاريخ وذاكرة المكان، أناشدكم أن توقفوا جرافة البلدية، وتوجيهها إلى ترميم الطرقات التي تتعثر فيها حتى الحيوانات ناهيك عن السيارات، ولمَ لا تحويل هذا المعلم إلى متحف يلمّ شتات ذاكرة الثورة في المنطقة. الحاصول: حين يخرج المجتمع المدني الجزائري في مسيرات تندد بتخريب المعالم التاريخية مثلما يفعل مطالبا بالسكن، يستطيع أن يطمئن على أنه يدخل المستقبل بسلام.. السلام.