رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء خاص مع الشيخ خليل محي الدين الميس
نشر في صوت الأحرار يوم 20 - 04 - 2009

" درستم الشريعة بعنفوان الثورة وملكتم بالإمام مالك السنة النبوية الشريفة "
كان الملتقى المغاربي الخامس للمالكية الذي احتضنته ولاية عين الدفلى طيلة أيام 14،15 و 16 أبريل 2009 والذي حمل عنوان " المدرسة المالكية الجزائرية" فرصة للالتقاء بالعلماء والشيوخ، سواء كانوا من أعلام الجزائر مثل الشيخ محمد باي بلعالم الذي وافته المنية قبل يومين رحمه الله و الشيخ الدكتور تواتي بن تواتي والدكتور مصطفى باجو الفقيه الشاعر.. أو من إخواننا من البلاد العربية مثل الدكتور حمزة أبو فارس من ليبيا والدكتور زكريا المرابط من المغرب.
وقد آثرنا أن نجري لقاء خاصا مع عالم قدم من لبنان لكي يحدثنا عن المذهب المالكي الذي لم يجد مكانه في المشرق العربي فاحتضنه المغرب العربي بكل اعتزاز وافتخار، شهادة هذا العالم اللبناني المليء بالحيوية رغم تعديه للعقد السادس من عمره وهو الشيخ خليل محي الدين الميس جد مهمة وما ذلك إلا لأنه احتك طويلا بأتباع المذاهب من خلال تخصصه في الفقه المقارن ومن خلال تواجده كذلك في منطقة تعج بمختلف الطوائف والمذاهب الدينية و المذهبية، وقد قال الشيخ مخاطبا الحضور وهو يلقي محاضرته " لقد ملكتم بالإمام مالك السنة النبوية فتشبثوا به" و هنيئا لكم باحتضان فقه الإمام مالك الذي احتضنه تراب مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما حفظ سنة رسول الله من الضياع.
إذن تابعوا معنا هذا اللقاء الخاص الذي انفردت به " صوت الأحرار".
س) من هو الشيخ خليل محي الدين الميس ؟.
ج) اسمي الشيخ خليل محي الدين الميس من مواليد 23 أبريل 1948 ببلدة اسمها مكسة بالبقاع ( لبنان)، درست الابتدائي في قريتي ثم الثانوي ببيروت بالكلية الشرعية، ودراستي الجامعية كانت بالأزهر الشريف و بتكليف من الشيخ حسن خالد مفتي بإدارة أزهر لبنان وبقيت مديرا به حتى العام الماضي من سنة 2008 وفي نفس الوقت كلفت بالإفتاء، ونصبت مفتيا بالبقاع سنة 1985، ومن خلا تولي للإفتاء أنشأت مؤسسة علمية تسمى " أزهر البقاع" وهي إعدادية ثانوية جامعية أكاديمية شرعية، كما كانت لي مشاركة في المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي الأوروبي.
وقد سبق أن شاركت في ملتقى الفكر الإسلامي بالجزائر لثلاث أو أربع مرات في الفترة التي كان فيها الشيخ عبد الرحمن شيبان وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف، هذا وعندي تحقيقات عديدة ذات العلاقة بالمذهب المالكي و أصول الفقه وعلم الحديث، كما وضعت فهارس مشهورة لكتاب السرخسي في الفقه، وإلى جانب ذلك كله أنا أستاذ جامعي منذ سنة 1985 وإلى اليوم بجامعة المقاصد الإسلامية وكلية بيروت الإسلامية، والآن عملي الأول والأخير هو إفتاء البقاع والإشراف على أزهر البقاع و جامعة البقاع، وقبل أن أتولى مهمة الإفتاء كانت لدي مقدمات لكتب كثيرة وتحقيقات منها المخطوط ومنها المطبوع، ولدينا إذاعة للقرآن الكريم منذ 18 سنة وعندنا مؤسسة صندوق الزكاة منذ سنة 1986 وعندنا كذلك مراكز صحية تابعة لدار الفتوى التي تقوم مقام وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وحتى التعليم، و بطبيعة الحال الإفتاء بالمنطقة له حضوره السياسي وهذا شيء معروف في لبنان بحيث كل طائفة تتحصن بمرجعيتها الدينية في مواجهة بعض المواقف إذا اضطرت لذلك في مواجهة الطوائف الأخرى.
س) حول أي موضوع كانت رسالتكم في الماجستير؟
ج) كانت رسالة الماجستير حول " الفقه المقارن" حينما كنت بمصر سنة 1969/1970 ، أما إشرافي على رسائل الماجستير فقد وصل إلى حوالي 30 رسالة، أما المناقشات فهي أكثر من ذلك بكثير.
س) من خلال عرضكم لسيرتكم الذاتية، سأتوقف عند بعض المحطات التي أرى أنها مهمة وتستحق بعض التفصيل و هذا عندما أشرتم إلى إذاعة القرآن الكريم و صندوق الزكاة بلبنان، كيف تدار هذه المؤسسات عندكم ، ولكن قبل ذلك كله بودنا لو تكرم سيادة الشيخ الميس وهو الذي اشتغل بالإفتاء لسنوات طويلة أن يحدثنا عن ضوابط الفتوى في زمن فوضى الفتاوى التي استفحلت في زمن الفضائيات، وأمام ذاك كله هل من المطلوب والضروري أن تتدخل الدولة وبشكل رسمي في وضع تشريع قانوني يعاقب كل من تصدر للفتوى دون ترخيص مسبق من هيئة مختصة؟
ج) أولا: الفتوى الآن هي من المستجدات أو ما يعرف بالنوازل وهذه لا أرى في العصر الحاضر أن ينفرد بها مفتي أي كانت مرتبته العلمية، لماذا؟
لأن الفتوى الآن هي للعالم الإسلامي قاطبة وبخاصة مع انتشار الفضائيات ووسائل النشر كما أشرت بذلك، ولذلك فعلا لا بد من ضبط الفتوى وما وجود المجامع الفقهية إلا خطوة نحو ما يسمى بالفقه الجماعي، وحبذا لو وجد في كل الدول الإسلامية مجمع فقهي يتعاون فيه العلماء في انسجام عوض أن يصادم بعضهم بعضا وهذا بالتأكيد يجنبنا اللجوء إلى التشريع العقابي كما أثرت ذلك في سؤالك.
س) وماذا عن صندوق الزكاة الذي تأسس سنة 1986 بلبنان والذي لحقته التجربة الجزائرية سنة 2004 من خلال اجتهاد وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي رأت أنه لا بد من الاستثمار في أموال المحتاجين والعاطلين عن العمل ويكون بذلك المردود أنفع وأدوم.. ما هو ردكم على ذلك؟
ج) في البداية أعلمكم أن صندوق الزكاة عندنا أول ما تأسس في بيروت كان زمن الشيخ حسن خالد رحمه الله سنة 1984 وهذا قبل اغتياله بسنتين، وقد كانت في نية الشيخ خالد تأسيس بيت مال المسلمين وشكلت لذلك لجنة علمية وفقهية وكان من مخططها حصر إرث المسلمين ولكن الدولة رفضت هذا المشروع واعتبرت ذلك بمثابة رسوم أخرى تفرض خارج سلطة الدولة، فتحولت فكرة بيت مال المسلمين إلى صندوق الزكاة الذي عمم في جميع المحافظات والأموال عندنا تدفع نقدا للفقراء ولا يجوز التصرف في أموال الزكاة أو الاستثمار فيها ولا يكون ذلك إلا في أموال الصدقات وصندوق الزكاة عندنا مفتوح للصدقات كما هو مفتوح للزكاة وبأموال الصدقات يمكن لنا أن ننشئ مؤسسات للفقراء، أما الزكاة فلا يجوز التصرف فيها لأننا أمناء عليها.
س) هل يسري نفس الحكم لو تم التصرف في أموال الزكاة وتحويلها إلى مشاريع لصالح الفقراء والبطالين حتى تكون الفائدة أدوم وأنجع؟
ج) إذا تكفل بهذا الأمر مؤسسة رسمية من طرف الدولة مثل ما هو حاصل عندكم ، فلا بأس بذلك ونتائجه حتما تكون مفيدة وإنما الذي نرفضه هو أن يكون صندوق الزكاة في يد تنظيمات تستغله لتحقيق أغراض شخصية وفئوية أو سياسية وقد حدث مثل ذلك في لبنان بحيث تحولت صناديق الزكاة إلى صناديق الانتخابات وهذا ما لا نقره ولا نجيزه.
أؤكد وأقول أن ما تقومون به في الجزائر هي خطوة في أن يتحول المستفيد من صندوق الزكاة إلى دافع للزكاة وهذا عندما يتحول من فقير إلى غني من خلال استثماره واستفادته من بعض المشاريع التي يوفرها له صندوق الزكاة.
س) وماذا عن إذاعة القرآن الكريم عندكم؟
ج) عندنا نحن في لبنان حرية إعلامية، و معروف أنه أثناء ظروف الفتنة في لبنان كل طائفة بدأت في ترسيخ نفسها بأجهزة إعلام ومدارس ومصحات وغيرها، ولبنان يجب أن يقرأ جيدا، بحيث عندنا التمكين ضمن الطائفة أي تمكن الطائفة في الوطن لتتمكن من خدمة الوطن، بحيث إذا لم تكن الطائفة ممكنة ثقافيا وعلميا واجتماعيا وحضاريا لا تستطيع تقديم خدمة للوطن والنظام اللبناني يسمح بذلك، ولذلك الدولة لا تقوم بهذا الأمر الديني وبالتالي تسمح للطوائف القيام به، فدار الفتوى مثلا هي التي تشرف على إذاعة القرآن الكريم وهي التي تضع برنامج الإذاعة وتدفع الرواتب للموظفين بالإذاعة، ودار الفتوى لعلمك هي جزء من وظيفة مؤسسات الدولة في لبنان، إلى جانب إذاعة القرآن وصندوق الزكاة وعندنا كذلك مستوصفات صحية أسعارها رمزية ، يستفيد منها الفقراء والموعزون، والظاهرة الإيجابية الأخرى التي تشهد انتشارا واسعا في لبنان هي تحفيظ القرآن الكريم و نسبة البنات تفوق نسبة الذكور في حفظ القرآن.
س) لو طلبنا من سماحة الشيخ أن يضع معالم وجغرافية المذهب المالكي في لبنان، ماذا يمكن أن يحدد لنا؟
ج) في لبنان، لما أفلت شمس الخلافة الإسلامية العثمانية كانت ممكنة لمذهب أبي حنيفة في المحاكم الشرعية التي كانت ولا تزال، أما العوام فجلهم شافعية أما المذهب المالكي فهو محصور بين صفوف المختصين من العلماء والأساتذة الجامعيين وعندنا يدرس الفقه المقارن الذي يعرف بجميع المذاهب، وهناك أمر آخر يجب أن يعرف وهو أن علم مقاصد الشريعة أضحى يحتل مركزا مميزا في الجامعات الإسلامية وقد نشأ هذا العلم واكتمل في حضن مذهب الإمام مالك، ومن هنا يطل مذهب الإمام مالك من خلال دراسة مقاصد الشريعة ومعظم هذه الدراسات هي من المغرب العربي .
س) من خلال مشاركتك في ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر، ماذا تختزن ذاكرتك ؟
ج) ذاكرتي لا تختزن سوى الإيجابيات وهذا من خلال مشاركتي لثلاث أو أربع مرات في ملتقيات الفكر الإسلامي والأمر الذي لاحظت هو أنكم بالجزائر تدرسون الشريعة بعنفوان الأبطال وهذا شيئ مهم في الجزائر وهي تنفرد بهذه الدراسة، الأمر الآخر للتوضيح أكثر هو أنه الشعب الجزائري صنع ثورة، وأراد إذن بعدما حقق أهداف الثورة بإخراج فرنسا من الجزائر أن تستمر الثورة بفكره وبفقهه حتى يكون له نصيب كذلك، وهذا الملتقى المغاربي للمالكية هو تجسيد لاعتزاز الشعب الجزائري بدينه وبثورته وانتمائه لثورته، صحيح إلى جانب ذلك هناك الفكر الصوفي الذي أملته ظروف المنطقة التاريخية والجغرافية، والصوفي الذي احتضن الشريعة بعزلته، يحتضنها اليوم باقتحامه لها، وهذا له ما يبرره وذاك له ما يبرره، وإذا قلنا أن الفكر الصوفي هو فكر مشيخي ، فإن الفكر الديني اليوم هو فكر مؤسساتي، والمؤسسة تضم أكثر من شيخ وهذا هو الشيئ الإيجابي الذي ننشده، وإذا قلنا مرة أخرى بأن الفكر الصوفي قد احتضن الشريعة بالسلوك فإن الفكر الديني احتضن الشريعة بالتعليم و الفقه والوعي والنشر ولا تضاد بين هذه الأمور كلها، وارجع إن شئت إلى أبي حامد الغزالي وهو صاحب المصنفات الفقهية والأصولية والمنطقية النادرة والرائعة له مصنفات في التصوف وأشهرها الترغيب والترهيب، إذن لقد جمع الغزالي ما بين الفكر الأصولي الفقهي والسلوك الصوفي، إذن فلنقدم في زماننا الشيخ الغزالي نموذجا، حتى ننفي الصراع بين المدارس ونحل بدل ذلك تواصلا فيما بين المدارس.
س) لو طرحنا الشيخ نموذجا كما تفضلت سماحة الشيخ، ربما سترتفع أصوات تعارض ذلك بحجة أن الغزالي عمل على اغتيال العقل من خلال كتابه "تهافت الفلاسفة" الذي رد عليه الفيلسوف الشهير ابن رشد ب" تهافت التهافت" فما هو رأيك في ذلك؟
ج) يا أخي الكريم، أنت عندما تخاطب العامي تنزل إلى مستواه، وعندما تخاطب العاقل ترتفع إلى مستواه، والخطاب الديني هو خطاب للعامة وخطاب للعباقرة، هناك بعض الآيات من يفهمها العامي وبكل سهولة وهناك آيات أخرى لازالت في حاجة إلى وقت في حاجة إلى من يفسرها، وهذه سنة الله في خلقه.
س) نعود سيخنا الفاضل للعبارة التي ذكرتها سلفا وهي عندما قلت " أن الجزائريين قد درسوا الشريعة بعنوان الأبطال"، ودام الأمر كذلك هناك فئة ظهرت بما يسمى بالتكفيريين و بالجماعات المسلحة التي اتخذت الجبال معقلا لهم، مذا تقول لهؤلاء الذين قاتلوا مجتمعهم والبعض منهم لم يستجب لنداء السلم والمصالحة الوطنية التي عرضتها الدولة وزكاها الشعب بأغلبيته؟
ج) أقول لك شيئا وهو " ابحث عن الشيطان" فهذه ليست من طبيعة أهل الجزائر وأخلاق و صفاء أهل الجزائر، ابحثوا عن الشيطان الذي أفسد ذلك كله والشيطان هنا أقصد بكل صوره وأبعاده، سواء كان أعداء الجزائر من الداخل أو الخارج أو المخابرات الأجنبية التي لا تريد الخير للجزائر ولا للإسلام، ادرسوا بعمق من وراء هؤلاء الذي أساءوا لبلدهم و أضروا ببلدهم و شعبهم و اليوم الكثير منهم أدرك الخطأ الذي وقع فيه.
س) الذين لم يدركوا بعد أنهم وقعوا في الخطأ و لازالوا يحملون السلاح، ما هي الرسالة التي تتوجه بها إليهم؟
ج) هؤلاء لهم حكم الخوارج " الله يهديهم" وهم مساكين و مراهقين في الفقه الديني وما أصعب المراهقة، و لذلك أرى أن الحوار واجب وبكل الطرق والسبل والحوار له أهله ورجاله وهو علم قائم بذاته وهو معروف " بعلم الجدل" الذي يجب إعادة قراءته والاستفادة منه... وإذا فشل منطق الحوار فلا بد من أن تستخدم السلطة أدوات أخرى حفاظا على المجتمع و كيان الدولة.
س) في الوقت الذي يشهد فيه العالم ثقافة العولمة التي أزالت كل الحدود بين الشعوب والحضارات، يشهد العالم الإسلامي انقساما مذهبيا " سني/ شيعي" أخذ بعدا صداميا في بعض المناطق و سجاليا حادا في بعض المناطق الأخرى التي حذرت من محاولات تشييع المناطق السنية، علما أن ما يجمع المذاهب الإسلامية أكبر مما يفرقها بحكم انتماء أتباعها لأمة واحدة، كيف تفسر ذلك؟
ج) في هذه المسألة سأتحدث بلغة العلم و ليس بلغة السياسة، إذا كان التشيع هو نصرة أهل البيت، من منا لا ينتصر لأهل البيت، و نحن في صلاتنا نقول دائما اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فبهذا المعنى كلنا أنصار أهل البيت، ومن يحمل الشعار السياسي لا يستطيع أن يغالطنا، لابد من العودة لبداية المجتهد ونهاية المقتصد الذي أسس للفقه المقارن واستوعب المذاهب الفقهية كلها دون تعصب، التشيع أصبح جزء من التاريخ الذي ذهب به، والخلص من الشيعة استشهدوا من أجل محبة رسول الله وآله، مشكلتنا ليست مع التشيع العقدي وإنما مع التشيع السياسي و اسمح لي بالقول أننا عدنا إلى محور فارس والعرب من جديد، وأقول هذا و على مسؤوليتي أن كل ما نراه هو انتفاضة فارس التي تريد أن تخطف جزءا عزيزا من تاريخنا.
يجب أن نعلم أن التشيع أول ما ظهر ظهر في بيئة عربية، أقول هذا دون تعصب قومي وإنما هو للحقيقة التاريخية والعلمية، إذن يجب أن ننقذ التشيع في صورته الأريحية من يد فارس...هناك مشروع مذهبي ما في ذلك شك ولا يجب أن نغمض أعيننا عنه، وإنه من الطبيعي أن من يحمل فكرا يريد أن يلزم الآخرين به، سواء كان دينيا أو فلسفيا أو سمه ما شئت، وظروف إيران الفارسية ساعد على ذلك وحظ العرب التعس بتفرقهم و تشتتهم جعلهم في موضع المتلقي ولا بد من معجزة إلهية لإنقاذ العرب مما هم فيه من تخاذل وهوان، وهنا لا بد وأن أشير أن مهمة النخب المثقفة والمتعلمة ثقيلة من أجل الحفاظ على إرثنا العظيم وهو الإسلام الذي يحمينا من الزوال ويمكننا من مواجهة خصومنا وأعدائنا عبر العالم.
إن الإسلام قد أوجد للمسلمين عاصمة دينية و بقي اليوم للمسلمين أن يختاروا عاصمة الإسلام وهذه هي مسؤوليتهم، وعاصمة المسلمين هي مكة، فليكونوا أبطالا وينشئوا لأنفسهم هذه العاصمة التي تعصمهم بإذن الله والمرء يحتاج إلى درس وإلى تأصيل، وإذا كان ديني له مقر فلسياستي كذلك يجب أن أجد لها مقرا.
س) هذا كلام كبير جدا ويحمل رسائل أكاد لا أفهم معانيها وأخشى السقوط في تأويلات خاطئة ؟
ج) أخي الكريم، لا بد من طرح مثل هكذا أفكار ومناقشتها ومعالجتها دون أن نقصي أو نلغي أحدا للوصول إلى حلول.
س) سماحة الشيخ إذا أردت أو طلبت أن تكون عاصمتنا الدينية والسياسية هي مكة، كيف يكون ذلك في الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أن تسوق للنموذج التركي في العالم الإسلامي، كقدوة للأنظمة العربية والإسلامية.
ج) تركيا العلمانية حققت بالإسلام ما لم تحقق سائر الدول الإسلامية، العنوان هو دولة علمانية والأداء كان إسلاميا، والحقيقة والمطلوب منا قراءة التجربة التركية بعمق، فتركيا مارست التقية السياسية باقتدار خارق، وإنها لتقية عجيبة، وهكذا تركيا وجدت نفسها، والسؤال الذي يجب طرحه هو: تحت أي عنوان نجد أنفسنا؟ لا بد من إيجاد جيل له خطاب إصلاحي يطمئن ولي الأمر، فتعالوا لإيجاد هذا الخطاب، وهذه هي مهمة المثقفين الإسلاميين.
س) شيخنا الفاضل، ما هي الكلمة الختامية التي تدلي بها للشعب الجزائري بمناسبة مشاركتك في الملتقى المغاربي الخامس للمالكية بالجزائر؟
ج) بودي أن أحيي أهلنا بالجزائر، قيادة و شعبا ووزارة الأوقاف والقائمين على الشؤون الدينية، و يكفي أن يجتمع أهل العلم و يتعرف بعضهم على بعض ويقرأ بعضهم لبعض، ويجب أن نكون على تواصل دائم وأن يجمعنا هم واهتمام واحد ويستحق منا ديننا لأن نجتمع من أجله ومن أجل قراءته بالتحاور وبالخصوص كيف نقرأ الوحي قراءة معاصرة، و بداية المؤتمرات كما علمتني التجربة تكون يوم انتهائها عند ذلك عندما يذهب العلماء يبدأ كل واحد منهم يفكر تفكيرا جديدا غير الذي جاء به للمؤتمر وبمثل هذه اللقاءات تنشأ المودة والمحبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.