أكد أنه مكسب هام للجزائر: رئيس الجمهورية يدشن القطب العلمي والتكنولوجي بسيدي عبد الله    في اجتماع برؤساء المراكز القنصلية الجزائرية بأوروبا و أمريكا الشمالية: الخارجية تدعو لتعزيز نوعية التكفل بالجالية في الخارج    فدرالية مربي المواشي تؤكد على أهمية العملية: يجب الانخراط بصفة فعالة لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    اجتماع الاتحاد العربي للحديد والصلب بالجزائر: بحث تعزيز التكامل الصناعي بين الدول العربية    ارتقاء عشرات الشهداء ومئات المصابين    في وقت جمعه حديث بالناخب الوطني: بونجاح يكشف الوجهة المستقبلية    بولوسة ممثل تنس الطاولة: 36 رياضيا ضمنوا التواجد في دورة الأولمبياد    أولاد رحمون: 14 مليار سنتيم لرفع نسبة التغطية بالكهرباء والغاز    طواف الجزائر للدراجات    إيران : تعرض مروحية الرئيس إلى حادث    الدرك الوطني بتازولت توقيف شخصين قاموا بسرقة منزل    سطيف: وفاة شخصين وإصابة 4 آخرين في حادثي مرور    لتوفره على مرافق عصرية تضمن تكوينا نوعيا للطلبة،الرئيس تبون: القطب العلمي والتكنولوجي بالمدينة الجديدة يعد مكسبا هاما للجزائر    رئيس حركة البناء الوطني،عبد القادر بن قرينة،من تيميمون: ضرورة حماية أمننا الفكري من محاولات استهدافه من بعض الجهات    برنامج بحث واستغلال لتثمين إمكانات المحروقات    قسنطينة: مشاريع معتبرة منتهية وأخرى في طور الانجاز بالخروب    الفرقة الهرمونية للحرس الجمهوري.. إبداع في يوم الطالب    "فينيكس بيوتك"..أهمية بالغة للإقتصاد الوطني    الطّلبة الجزائريّون..الرّجال أسود النّزال    تتويجنا باللّقب مستحق.. ونَعِد الأنصار بألقاب أخرى    مستعدون لتعزيز التعاون في مجابهة التحديات المشتركة    جامعة الجزائر 1 "بن يوسف بن خدة" تنظّم احتفالية    الجيش الصحراوي يستهدف جنود الاحتلال المغربي بقطاع السمارة    مستغانم.. انطلاق أشغال تهيئة 3 قاعات متعدّدة الخدمات    توصيات بإنشاء مراكز لترميم وجمع وحفظ المخطوطات    سكيكدة.. نحو توزيع أكثر من 6 ألاف وحدة سكنية    تحسين التكفل بالمرضى الجزائريين داخل وخارج الوطن    العدوان على غزة: هناك رغبة صهيونية في إستدامة عمليات التهجير القسري بحق الفلسطينيين    اعتقال 18 فلسطينياً من الضفة بينهم أطفال    الطارف : مديرية السياحة تدعو المواطن للتوجه للوكالات السياحية المعتمدة فقط    نادي الأهلي السعودي : رياض محرز يقترب من رقم قياسي تاريخي    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي..أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    اختتام الطبعة ال9 للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة    الثلاثي "سان جيرمان" من فرنسا و"أوركسترا الغرفة سيمون بوليفار" الفنزويلية يبدعان في ثالث أيام المهرجان الثقافي الدولي ال13 للموسيقى السيمفونية    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الأولى    نقل بحري : ضرورة إعادة تنظيم شاملة لمنظومة تسيير الموانئ بهدف تحسين مردودها    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    بلقاسم ساحلي يؤكد: يجب تحسيس المواطنين بضرورة المشاركة في الانتخابات    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    بالتفاصيل.. المسموح والممنوع في بكالوريا 2024    الأفافاس مع بناء مشروع وطني لصالح جميع الجزائريين    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    مباراة متكافئة ومركز الوصافة لايزال في المزاد    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    "بريد الجزائر" يعلن عن مدة حفظ بريد الزبائن    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلما يستطيع الإنسان التجرد من المساوئ والدعاوي
حكمة عطائية
نشر في الفجر يوم 29 - 06 - 2014

يقول ابن عطاء الله السكندري: ”لو انك لا تصل إليه إلاّ بعد فناء مساويك ومحو دعاويك، لم تصل إليه أبداً، ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه، غطّى وصفك بوصفه، ونعتك بنعته، فوصلك إليه بما منه إليك، لا بما منك إليه”
ما الفرق بين المساوئ والدعاوي؟
المساوئ تلك المعاصي التي يتورط فيها أحدنا، وتتبعها الطبائع المرذولة، والنقائص والعيوب الأخلاقية المتنوعة، وكل ما لا يليق من الأفكار والسلوكات التي قد تصدر عن الإنسان.
أما الدعاوي، فهي اعتداد الإنسان بما قد يصدر عنه من طاعات ورؤيته لها ثمرة لموافقة جهوده، وتباهيه على الأقران بما يرى أنه متميز عنهم به من المزايا العلمية والأخلاقية والمالية ونحوها.
والذي ينبه إليه ابن عطاء الله في هذه الحكمة، هو أن الإنسان، أياً كان، قلما يستطيع التجرد والتخلص من مساوئه ودعاويه.
فمساوئ الطبائع والعادات المرذولة و الأخطاء السلوكية لا تكاد تنفك عن الإنسان، إذ هو مبتلى دائما بنفسه الأمارة بالسوء، وبوساوس الشيطان التي تجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو في عراك معهما دائما، في أحسن الأحوال..فإن استطاع أن ينجو بنفسه من كثير من الآفات لم يأمن أن يصيبه رشاش أنواع من السيئات.
ثم إن الشأن فيه، إن وُفق للخير، وأجرى الله على يديه فضائل الأعمال وتحلى بالخصال الحميدة، أن يُزهى بنفسه، ويرى الفضل في ذلك لصبره وجهوده، وآية ذلك أنه لو قابل من يتجاهل مزاياه هذه ويستخف بها، يرى في ذلك إيذاء وأي إيذاء له، ولربما قابله بالمثل عقاباً له وانتقاماً منه..وآية ذلك أنه لا يشك في نفسه أنه قد سجل لنفسه عند الله من المثوبة والأجر على طاعاته وقرباته، ما يضمن له النعيم المقيم والسعادة الأبدية التي لا تشوبها غصة، وهو إن لم يصل إلى درجة اليقين بأنه سينال ذلك، لا يقصر في طلب ذلك من الله تعالى عوضاً عن طاعاته وقرباته التي استجاب له بها.
فالشأن في الإنسان أن يكون عرضة للوقوع في الأخطاء والمحرمات، فإن أصلح أمره واستقام على النهج القويم فالشأن فيه إذن أن يمتع نفسه بالدعاوي العريضة، وهو في كلا الحالين متنكب في نقائص وعيوب خطيرة، ولعلّ هذا من بعض ما يدل عليه قول الله تعالى: ”وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيفاً”(النساء)وهو داخل في صريح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”(رواه أحمد والترمذي والبيهقي في السنن..). فإذا توقف وصول الإنسان، إذن، إلى الله، بقبوله له والرضا عنه، على التخلص من هذه النقائص التي هي من شأنه، والتي تظل لاصقة به، فإنه لن يصل إليه أبداً، لأن وصوله إليه متوقف، والحالة هذه، على مالا قبل للإنسان به، ولا قدرة له عليه. ولكن الله عز وجل، إذا أراد أن يوصلك إليه، أي بقبوله لك وبرضاه عنك ستر نقائصك بما يقابلها في ذاته العلية، من صفات رحمته ومغفرته وعفوه، وغناه عنك؛وستر دعاويك بما يقابلها في ذاته العلية من كرمه وتفضله عليك، وإن كنت لا تستحق شيئا من ذلك على وجه الأجر والتعويض. فوصولك إلى الله عز وجل، ليس باستحقاق صاعد منك إليه، إنما هو بتفضل هابط منه إليك، وتلك هي الحقيقة التي أوضاحها وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ” سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يُدخِلُ أحداً الجنة عملُه، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته”. ثم إن هذا الذي يقرره ابن عطاء الله، مما يدلّ عليه صريح القرآن والسنة، مثار لبعض الإشكالات. الإشكال الأول: أن الذي يغلب على الظن أن في عباد الله من يسارعون في الخيرات دون أن يروا لأنفسهم أي فضل في ذلك، وينهضون بما افترضه الله عليهم بل بما استحبه لهم أيضاً من النوافل دون أي دعاوٍ يدَّعونها فهل يدخل هؤلاء في عموم من وصفهم ابن عطاء الله بأصحاب المساوئ والدعاوي؟
والجواب: أن الشأن في الإنسان أن يكون كما قال ابن عطاء الله، أي هذا هو الغالب على أحواله، وهذا من قبيل قول الله تعالى: ”إنَّ الإنسانَ لربِّه لكَنُودٌ، وإنَّهُ على ذلكَ لشهيدٌ، وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيرٍ لشديدٌ”
(العاديات) أي أن الغالب على حال الإنسان أن يكون على هذه الشاكلة..فلا جرم أن في الناس من قد تحرروا من هذا الوصف.
إن الشأن في حال الصديقين والربانيين من عباد الله تعالى، أن تذوب مساوئهم في ضرام عبوديتهم لله تعالى، وأن يكونوا رقباء على أنفسهم من أن تنحرف إلى أي سوء، ومن أن تحدث نفس أحدهم صاحبها بأي سوء..والشأن فيهم أن يكونوا، مع ذلك، متجردين عن الدعاوي كلها، لا يرون من أحوالهم إلا دلائل التقصير في أداء حقوق الله، والانهماك في حظوظ النفس وأهوائها؛وإنك لا تجدهم خائفين من سوء المصير، بدلا ً من الاستبشار بما قد ادُّخرَ لهم من المثوبة والأجر..
الإشكال الثاني: أن هؤلاء الذين يغلب عليهم الوقوع في المساوئ مع الاعتداد بما يوفقون إليه من طاعات، قد يريد الله أن أن يتلطف بهم فيوصلهم إليه، وقد لا يريد لهم ذلك.. فمن هم الذي يريد الله أن يتلطف بهم ويوصلهم إليه بتغطية مساوئهم بصفات رحمته، ومن هم الذين لم يرد الله لهم هذا اللطف والإكرام؟وما هي جريرة هؤلاء الذين لم يرد الله لهم التجاوز عن مساوئهم والتفضل عليهم بالصفح والغفران؟
والجواب: عن هذا الاشكال يتم بتقريرين اثنين:
أولهما: أن لله أن يصطفي من عباده للرحمة بهم والصفح عن ذنوبهم ما يشاء، وأن يكل منهم إلى ما يستحقه من المقت والعذاب، من يشاء، وليس في ذلك شائبة ظلم منه، جل جلاله لأحد كيف لا وهو المالك الحقيقي لهم جميعاً، وللمالك أن يتصرف بملكه كما يشاء..
ثانيهما: أن الله كتب على نفسه الرحمة لعباده تفضلاً منه عليهم، وإحساناً منه إليهم.ومن مظاهر تفضله عليهم أنه فطرهم، منذ أن خلقهم، على فطرة الإيمان به، وعلى الخضوع لمشاعر العبودية له، وعلى الحنين والالتجاء إليه، وصدق الله قائل: ”فأقِمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حنيفاً فِطرَةَ اللّه التي فَطَرَ النّاسَ عَليها”(الروم) وبهذا يتضح أن الذين قضى الله أن يزجهم في الضلالة، فإنما هم أولئك الذين بدؤوا فأعرضوا عن نداء الفطرة الكامنة بين جونحهم، وآثروا الاستكبار على الإصغاء إلى حديث العقل وتذكرة الخطاب الإلهي، ثم أصروا إصرارهم على الاستمرار في استكبارهم على الرغم من النذر الرانية التي تقرع أسماعهم، فهؤلاء هم الذين قضى الله بأن يضلهم وهم المعنيون بقوله عز وجل: ”ويعذّبُ مَنْ يشاءُ”..
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.