تتضارب الإحصائيات والدراسات التي تنشر تقارير بخصوص المستوى المعيشي وطبيعة الأوضاع السائدة في الجزائر. وبعد أشهر قليلة من اعتبار الفرد الجزائري من أكثر الشعوب العربية سعادة، ها هي دراسة أخرى تدّعي العكس، وتظهر أنه الأكثر تعاسة وإحباطا، تاركة وراءها تساؤلات حول المصادر والمعطيات التي تبني عليها مثل هذه النتائج. كثيرة هي الأبحاث والدراسات حول الشعوب الأكثر سعادة أواكتئابا في العالم وما الأسباب وراء ذلك، والملاحظ أن أغلب الدراسات تشترك في ذكر سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المراتب الأولى، معتمدين في ذلك على مؤشرات كثيرة ومختلفة. وفي غضون ذلك أثبتت أحدث دراسة لجامعة ”كوينزلاند” الأسترالية هذا الطرح، حيث ربط الباحثون ذلك بتفشي الفقر وارتفاع حالات الإحباط، بجانب ما تكابده بعض الدول مع نزاعات وحروب. في السياق، كشف تقرير أنجزته وزارة التضامن الاجتماعي أن حوالي ثلث الجزائريين يعانون من الفراغ النفسي والاكتئاب، فيما تشير تقارير دولية أخرى إلى أن عددا كبيرا من الشبان ينتابهم شعور الاكتئاب والإحباط بسبب وضعهم الاقتصادي وقدرتهم الشرائية تحديدا ولعدم تحقق تطلعاتهم ومشاريعهم، في وقت تفيد دراسات أخرى أننا من أكثر الشعوب سعادة في العالم.. فعلى ماذا تبنى مثل هذه النتائج، إن كانت بهذه الدرجة من الاختلاف والتناقض؟ دراسات متتالية تنفي ”الجزائري أكثر الشعوب سعادة” بعد أن ظهر تصنيف يضع المواطن الجزائري في خانة الشعوب السعيدة التي تعيش رفاهية وحياة تكاد تخلو من المشاكل، ها هي التقارير والدراسات تتعاقب في تكذيبه، وهو الذي لم يفت عليه الكثير من الوقت، حيث احتلت الجزائر - حسبه - المركز ال 26 ضمن 151 دولة شملها تقييم الموقع من حيث مؤشر السعادة، حلت فيها الجزائر في المرتبة 76 ب 5.2 نقطة بالنسبة للرفاهية، وفي مجال التوقعات المستقبلية للحياة احتلت المرتبة 78 ب 37.1، وعرفت تقدما في تصنيف الظروف البيئية التي احتلت فيها المركز 49، وبعلامة 1.6. وفي دراسة لمؤسسة بريطانية حول أسعد شعوب العالم تصدرت الجزائر القائمة العربية، وشملت قائمة الدول الأكثر تعاسة ثلاث دول خليجية. وفي كل مرة، تذكر أغلب هذه الدراسات أن تصنيفها للدول السعيدة لا علاقة له بالمال والأوضاع المالية، حيث تعتمد أساسا على ثلاثة معايير والمتمثلة في معدل الرفاهية ومعدل الحياة المتوقع للسكان، وأخيرا معدل البصمة البيئية للمجتمع والتي تعني معدل الاستهلاك الصافي ومدى تأثيره على البيئة. وفي كل مرة تكون هذه النتائج مفاجئة للجميع، لاسيما أن الدول التي يتم تصنيفها على أنها تعيش برغد ورفاهية تعتبر من أفقر الدول. مختصون يشككون في صحة النتائج لقيت العديد من الدراسات والتقارير استهزاء الجزائريين الذين يلفتون أن واقعهم لا يتم تناوله أبدا بطريقة موضوعية في الدراسات التي تشير إلى حقائق زائفة، حسبهم. ومن كثرة التعاليق الساخرة من هذه النتائج يتضح جليا الواقع المر الذي لا يثبت دائما صحة هذه الدراسات. في السياق، تقول الأستاذة المختصة في علم الاجتماع رشيدة بشيش، إن ما تفضي به كثرة الدراسات أمر يكاد يكون خاليا من الصحة والمصداقية، فهي في العادة مبنية على عملية سبر آراء سطحية لا تمثل كتلة مهمة من المجتمع، فيما تتجه أخرى إلى عناوين الصحف والأخبار التلفزيونية لرصد واقع مزيف ومبالغ فيه إلى أبعد الحدود. وتضيف محدثتنا أن كثرة الأزمات والمشاكل التي يتخبط فيها المواطن البسيط كفيلة بجعل معدي هذه الدراسات يغيرون آراءهم. وعن تضارب النتائج وتكذيبها للأخرى، تقول الأستاذة رشيدة بشيش إن هذا دليل آخر على عدم صدق هذه الدراسات، منوهة أنها لو اعتمدت جميعها على نفس المعايير والشروط الصحيحة والدقيقة، لكانت النتائج متقاربة إلى حد بعيد.