إجراء امتحان إثبات المستوى للمتعلمين عن بُعد    ملف الذاكرة لا يقبل التنازل    وهران: إقبال معتبر على صالون التجارة الإلكترونية والإقتصاد الرقمي    الغذاء العالمي: منع دخول المساعدات ينذر بكارثة وتجويع خطير لأهالي القطاع    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس المجلس الوطني لجمهورية الكونغو    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، اتخاذ ترتيبات لتحسين الخدمات القنصلية للجالية الوطنية    خلال يوم دراسي حول الأسواق المالية : جامعة سكيكدة ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها توقعان اتفاقية تعاون    المعرض السادس للمنتجات الجزائرية بنواكشوط يتوج بالتوقيع على عشر اتفاقيات تعاون    القضاء على إرهابي وتوقيف 21 عنصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    ذاكرة: ولايات شرق البلاد تستذكر مجازر 8 ماي 1945 في ذكراها ال79    بدعوة من الجزائر, مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة مشاورات مغلقة حول المقابر الجماعية في غزة    منظمة التعاون الإسلامي ترحب بقرار جزر البهاما الاعتراف بدولة فلسطين    كرة القدم/أوروبا: بن سبعيني, ثالث لاعب جزائري يبلغ نهائي رابطة الأبطال    كرة القدم: ورشة "فيفا-فاف" حول تطبيق تقنية الفيديو المساعد للتحكيم (الفار) في الجزائر    ملفات تعود لسنة 2021 : والي سكيكدة تصف التأخر في الحصول على عقود التعمير بغير المقبول    سكيكدة: تنصيب أحمد ميرش مديرا للمسرح الجهوي    مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السنفونية : فنزويلا في أول مشاركة لها والصين ضيف شرف للمرة الثانية    التصفيات الجهوية المؤهلة للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم : مشاركة قياسية للفرق المسرحية والتكوين رهان محافظة المهرجان    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: تتويج الفيلم القصير "كود بوس" بجائزة "السنبلة الذهبية"    "راهن الشعر الجزائري" : مهرجان شعري وملتقى دراسي بمناسبة عيد الاستقلال    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    الجزائر/تونس: التوقيع على محضر اجتماع اللجنة المشتركة للتعاون الجمركي    الحملة الوطنية التحسيسية حول المخاطر المتعلقة باستعمال الوسائط الاجتماعية متواصلة    ذكرى 8 مايو 1945: انطلاق من العاصمة لقافلة شبانية لتجوب 19 ولاية لزيارة المجاهدين والمواقع التاريخية    حوادث الطرقات: وفاة 38 شخصا وإصابة 1474 آخرين خلال أسبوع    محمد عباد: المجتمع المدني مطالب بتكثيف جهوده للحفاظ على الذاكرة الوطنية    البزار: لا مؤشرات بقرب انتهاء الحرب على غزة لأن الكيان الصهيوني محاط بحماية أمريكا    انطلاق اليوم الأربعاء عملية الحجز الالكتروني للغرف للحجاج المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    رئيس الجمهورية يأمر بإعداد مخطط حول البيئة والعمران يعيد النظر في نظام فرز وتوزيع النفايات    رئيس الجمهورية: رفع معاشات ومنح المتقاعدين نابع من اعتراف وتقدير الدولة لمجهودات أبنائها من العمال    وفد من وكالة الفضاء الأمريكية يزور جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين    على هامش لقاء سوسطارة والكناري حسينة يصرح: ملفنا قوي و"التاس" ستنصفنا    دور ريادي للجزائر في تموين السوق الدولية بالأسمدة    وفاة الأسيرة الصهيونية "جودي فانشتاين"    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    الجزائر تدين بشدة تنفيذ الاحتلال الصهيوني لعمليات عسكرية في رفح    تأكيد على دور حاضنات الأعمال في تطوير المؤسسات الناشئة    قسنطينة تستعد لاستقبال مصانع التركيب    16 موزعا الكترونيا جديدا لتحسين الخدمة قريبا    هذه مسؤولية الأندية في التصدى لظاهرة العنف    دخول 3 رياضيّين جزائريّين المنافسة اليوم    إحياء ذكرى تأميم المناجم وتأسيس "سونارام"    الحجز الإلكتروني للغرف بفنادق مكة ينطلق اليوم    حجام يتألق في سويسرا ويقترب من دوري الأبطال    الأهلي المصري يرفع عرضه لضم بلعيد    ترحيل 141 عائلة من "حوش الصنابي" بسيدي الشحمي    بن رحمة هداف مجددا مع ليون    تبسة : ملتقى وطني حول تطبيق الحوكمة في المؤسسات الصحية    دعوة لإعادة النظر في تخصص تأهيل الأطفال    تفكيك جماعة إجرامية مختصة في السرقة    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    صيد يبدع في "طقس هادئ"    طرح تجربة المقاهي ودورها في إثراء المشهد الثقافي    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    هول كرب الميزان    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امرأة من علية نساء قريش
زينب بنت جحش.. أم المساكين


نسبها ومولدها
هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدية (32 ق.ه-21ه/ 590-642م)، أُمُّها أميمة بنت عبد المطلب عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وُلِدَتْ -رضي الله عنها- في السنة الثالثة والثلاثين قبل الهجرة، أخوها عبد الله بن جحش أحد السابقين، وقائد سريَّة نخلة، وقد استشهد في غزوة أُحُد، ودُفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم في قبر واحد رضي الله عنهما.
زواجها من زيد بن حارثة
إنطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطب لزيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لستُ بناكحته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بَلْ فَانْكِحِيهِ). قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى قوله على رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا)، (الأحزاب: 36)، فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي. وبهذه الواقعة أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحطِّم الفوارق الطبقيَّة الموروثة في الجماعة المسلمة، فيردَّ الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلاَّ بالتقوى، وكان الموالي -وهم الرقيق المحرَّر- طبقة أدنى من طبقة السادة، ومن هؤلاء زيد بن حارثة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُحقِّق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم، قريبة النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، ليُسقط تلك الفوارق الطبقيَّة بنفسه في أسرته، وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطِّمها إلاَّ فعل واقعيّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم تتَّخذ منه الجماعة المسلمة أسوةً، وتسير البشريَّة كلها على هداه في هذا الطريق.
طلاقها من زيد وإسقاط التبني
ولكن الحياة لم تَسِرْ على وجهها المطلوب بين زيد بن حارثة وبين السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فجاء زيد للنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يُطلِّق زينب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّه، وقال له: (اتَّقِ اللهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ). فأنزل الله تعالى قوله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)، (الأحزاب: 37). فالله تعالى قد أخبر نبيَّه أن زينب بنت جحش ستكون زوجةً من زوجاته، لكن النبي صلى الله عليه وسلم خاف المنافقين وأقوالهم، لأن زيدًا ابنٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بالتبنِّي، لكن الله تعالى أخرج ما كان في صدر النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون زواجه من السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- ذات حكمة تشريعية عظيمة، وهي إسقاط التبني، وأول من يُطبِّق هذه الحكمة هو النبي صلى الله عليه وسلم على مَنْ تبنَّاه، إذ كان زيد منسوبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يُقال له: زيد بن محمد. ثم أُسقط التبني فنُسب لاسمه الحقيقي زيد بن حارثة.
زواجها من رسول الله
وبعد طلاق السيدة زينب من زيد بن حارثة، وبعد انقضاء عِدَّتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: (اذْهَبْ وَاذْكُرْهَا عَلَيَّ). يقول زيد: فلمَّا قال ذلك عظمت في نفسي، فذهبتُ إليها، وجعلتُ ظهري إلى الباب، وقلتُ: يا زينب، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُك. فقالت: ما كنتُ لأحدث شيئًا حتى أؤامر ربي. فقامت إلى مسجد لها، فأنزل الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)، (الأحزاب: 37). فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن، وروي: أنه لما دخل بها، قال لها: ما اسمك؟ قالت: بَرَّة. فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. وروي: أنه لما تزوَّجها رسول الله عليه الصلاة والسلام تكلَّم في ذلك المنافقون، فقالوا: حرَّم محمد نساء الولد، وقد تزوَّج امرأة ابنه. فأنزل الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)، (الأحزاب: 40). وقال أيضًا: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، (الأحزاب: 5). ولمَّا نزل قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا...)، (الأحزاب: 37) كانت زينب -رضي الله عنها- تفتخر على بقيَّة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول لهنَّ: زوجكنَّ آباؤكنَّ، وزوَّجني الله من فوق سبع سموات. وما أَوْلَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ من نسائه أكثر وأفضل ممَّا أولم على زينب، وقد أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.
الحكمة من زواجها من النبي
رُوِيَ عن علي بن الحسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدًا يطلِّق زينب، وأنه يتزوَّجها بتزويج الله إيَّاها، فلمَّا تشكَّى زيدٌ للنبي صلى الله عليه وسلم خُلُقَ زينب، وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصيَّة: (اتَّقِ اللهَ فِي قَوْلِكَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ). وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوَّجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يُرِدْ أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوَّجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَلْحَقه قولٌ من الناس في أن يتزوَّج زينب بعد زيد، وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له، بأن قال: (أَمْسِكْ). مع علمه بأنه يطلِّق، وأعلمه أن الله أحقَّ بالخشية، أي في كل حال. قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسِّرين والعلماء الراسخين؛ كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم. والمراد بقوله تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ)، إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوَّج بزوجة ابنه. فأما ما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم هَوِيَ زينبَ امرأةَ زيد -وربما أطلق بعض المجَّان لفظ عشق- فهذا إنما يصدر عن جاهلٍ بعصمة النبي عن مثل هذا، أو مستخفٍّ بحرمته. وبهذا الموقف الواقعي العملي كانت بداية النهاية لظاهرة التبنِّي بشكل نهائي من المجتمع الإسلامي.
مكانتها وفضلها
كانت -رضي الله عنها- تحتلُّ من المكانة العالية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جعل أمَّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تعترف بذلك، فكانت تقول عنها -رضي الله عنهما-: كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أرَ امرأة قطُّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يُتصدَّق به، ويُتقرب به إلى الله صلى الله عليه وسلم، ما عدا سورة من حدَّة كانت فيها، تُسرع منها الفيئة. وقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أوَّاهة، فقال لعمر بن الخطاب: (إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ). فقال رجل: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: (الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ هود: 75 ). وقد اشتركت -رضي الله عنها- مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف بعد حنين، وغزوة خيبر، ثم حجة الوداع، وبعد وفاة النبي ظلَّت السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- محافِظةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لازمة بيتها؛ ففي حجة الوداع قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لزوجاته: (هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الحُصُرِ). فكن كلهن يحججن إلاَّ زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تحرِّكنا دابَّة بعد أن سمعنا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
أم المساكين عن عائشة رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي عليه الصلاة والسلام أيُّنا أسرع بك لحوقًا؟ قال: (أَطْوَلُكُنَّ يَدًا). فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدًا، فعلمنا بعدُ أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به، وكانت تحبُّ الصدقة.
ذات الورع والتقوى
في حادثة الإفك العظيمة خاض الكثير من الناس فيما ليس لهم به علم، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: (يَا زَيْنَبُ، مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟) فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمتُ إلاَّ خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. قال ابن حجر في الفتح: قوله: يسأل زينب بنت جحش ، أي أم المؤمنين. أحمي سمعي وبصري ، أي من الحماية، فلا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر. وقوله: وهي التي كانت تساميني ، أي: تعاليني من السمو، وهو العلو والارتفاع، أي: تطلب من العلو والرفعة والحظوة. وفي هذا الأمر تظهر بوضوح تقوى السيدة زينب -رضي الله عنها- وورعها من أن تتَّهم ضَرَّتها السيدة عائشة -رضي الله عنها- بشيء لم تَرَهُ عيناها، ولم تسمع به أذناها.
حياتها وزهدها بعد رسول الله
وقد ظلَّت -رضي الله عنها- جوَّادة كريمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، متمسِّكة بالزهد، وعدم التعلُّق بالدنيا ومتاعها، فيُذْكَر أنه لمَّا جاء العطاءُ عمرَ، بعث إلى أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- بالذي لها، فلمَّا دخل عليها قالت: غفر الله لعمر! لَغَيْرِي من أخواتي كان أقوى على قَسْم هذا منِّي . قالوا: هذا كله لكِ. قالت: سبحان الله واستترت دونه بثوب، وقالت: صبُّوه واطرحوا عليه ثوبًا . فصبُّوه وطرحوا عليه ثوبًا، فقالت لبرزة بنت رافع: أَدْخِلي يدكِ فاقبضي منه قبضة فاذهبي إلى آل فلان . وآل فلان من أيتامها وذوي رحمها، فقسّمته حتى بقيت منه بقيَّة: فقالت لها برزة: غفر الله لكِ! والله لقد كان لنا في هذا حظٌّ. قالت: فلكم ما تحت الثوب . قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهمًا، ثم رفعت يديها، فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا . قالت: فماتت رضي الله عنها.
آيات من القرآن كانت السيدة زينب سببًا في نزولها
قول الله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)، (الأحزاب: 37). وعن أنس بن مالك قال: إن هذه الآية (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ...)، (الأحزاب: 37) نزلت في شأن زينب بنت جحش، وزيد بن حارثة رضي الله عنهما. قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)، (الأحزاب: 53). وعن أنس بن مالك قال: لمَّا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدَّثون، وإذا هو كأنه يتهيَّأ للقيام فلم يقوموا، فلمَّا رأى ذلك قام، فلمَّا قامَ قامَ مَنْ قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقتُ فجئتُ فأخبرتُ النبي أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبتُ أدخلُ فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ).
وفاتها
تُوُفِّيَتْ أمُّ المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- في خلافة عمر بن الخطاب في عام عشرين من الهجرة، وقيل: في عام واحد وعشرين من الهجرة، وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.