بغطرسة وعنصرية أسقطت قيادة الكيان الصهيوني كل البدائل. فلم يعد مقبولا، حسب المنطق الصهيوني، إلا التهويد والاقتحامات وتقسيم المسجد الأقصى وطرد المقدسيين وإقامة الحواجز والاستيطان والجدار العنصري العازل واحتجاز آلاف الأسرى بمحاكمات باطلة وبحصار لغزة زاد على ثماني سنوات تخللتها حروب ثلاث، دمرت عشرات آلاف المساكن وأصابت أكثر من 15 ألفا من الفلسطينيين قتلا وبترا.. هذه هي خيارات الكيان الصهيوني التي أراد قادته من خلالها وتتويجا لها إعلان سقوط المسجد الأقصى كما أسقطوا الحرم الإبراهيمي في الخليل. وحاول الرسميون الفلسطينيون تمديد الفرصة من أجل حل سياسي سلمي بمفاوضات اتسمت بالمماطلة وتفريغ السلطة الفلسطينية من صلاحياتها، بل ومن كل سلطة لها. وأراد العدو الصهيوني تحويل السلطة إلى جزء عضوي من آليات الاحتلال يلقون في وجهها كل المشكلات الاجتماعية والمعيشية والأمنية في الضفة الغربية.. إلا أن ذلك كان، كما قال الرئيس الفلسطيني، بأقل الأثمان، حيث كان الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية أقل احتلال عرفته البشرية تكلفة. وبين خطين متوازيين، خط السير الذي تنتهجه الإدارة الصهيونية تجاه الملفات العديدة، وخط سير السلطة الفلسطينية تجاه العملية السياسية والمواطنين لا لقاء بينهما، كانت المسافة الرمادية الجامدة بينهما في عملية من التحنط والتيبّس الذي لم يصبح من وظيفة لها إلا منح العدو مزيدا من الفرصة لمزيد من التهويد وفرض الأمر الاحتلالي واقعا في حياة فلسطين وشعبها. هنا، كان لا بد من كسر شروط المرحلة وفي اللحظة التي ظنها العدو مواتية لتتويج انتصاراته على أمتنا الممزقة المشتتة، جاء الرد الفلسطيني هجومات بالسكاكين والسيارات والرصاص ضد المستوطنين وقياداتهم. وينطلق الشعب بصدور أبنائه وحجارتهم المقدسة ترجم الأبالسة من قوات جيش الاحتلال العنصري وشرطته وأجهزة أمنه.. هنا، من جديد، يحرك الشعب الفلسطيني الراكد، يلغون هيمنة اللحظة ويصنعون الجديد، يفرضون على العدو مرحلة مرهِقة من المواجهات ولتتحول مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها إلى تمرد ثوري على المحتلين وقوة رفض للرتابة والسكون.. وعندما لعلع الرصاص في نابلس، أسرعت كل الفصائل الفلسطينية والفعاليات السياسية والمثقفون إلى المباركة والتبني والتأكيد على أن هذا هو الخيار الذي لا ينبغي أن يسقط مهما كانت مبررات الأدوات الأخرى.. وكان واضحا أن الشعب لم ينتظر إلا استجابة قيادات الفصائل للالتقاء والتشاور حول آليات العمل .. فالشعب الفلسطيني دوما هو من يخط الطريق ومن يشير إلى البوصلة بما تمرست به تراكيب وعيه وإرادته وعلمه الحضاري الكبير. أجل .. لقد أسقط العدو كل البدائل ولم يبق مفتوحا إلا باب المقاومة المسلحة والمقاومة بأدوات تعبر عن تصميم الشعب على نيل حريته واستقلاله وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.. وهناك درسٌ مهم لا بد أن تحفظه الأجيال: إنه لا ينبغي ترك أي وسيلة من وسائل القوة إلا ونهجها في أن واحد لكي يدرك العدو أن الشعب الفلسطيني لا يركن أبدا إلى الخديعة والتضليل الصهيوني.. وهكذا نكون قد اقتربنا من امتلاك سُنن النصر وتفعيلها مشتركة ونكون قدّمنا لأمتنا العربية والإسلامية فرصة الالتفاف حول قضيتها المركزية وتصحيح البوصلة والتحرر من التيه والضلال.. تولانا الله برحمته.