بين الحصانة التي اكتسبها المواطن الجزائري تجاه رفض إقحام بَلده مرة أخرى في العنف أو الاضطراب بعد الذي عَرَفه في العشرية السوداء، ولامبالاته أحيانا تجاه ما يَنبغي أن يقوم به لتعزيز أمْنِه، تَكْمُن عقدة المستقبل المستقر بالنسبة إلينا. صحيحٌ، إن الاتفاق الجماعي بين الجزائريين على أن أمن واستقرار بلدهم خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه، إلا أن هذا يستلزم منا قراءةً أعمق لمفهوم الأمن المستديم الذي يُمكِّننا بحق من الانتقال ببلدنا نحو برّ الأمان في مرحلة حساسة نمرّ بها اليوم، نرى فيها أكثرَ من متربص بِنا وبمستقبلنا.. الأستاذ الذي يؤدّي عمله وفق ما تتطلبه قواعد العلم والأخلاق، والقاضي الذي يَحكُم بالعدل، والعامل الذي يُتقِن عمله في المستشفى أو المصنع أو الإدارة أو الحقل أو عند تقديم أيّ خدمة من الخدمات للمجتمع تجارةً أو صناعةً، وقبل كل هذا المسؤول في أعلى مستوى، هم من يصنع جوهر الأمن، وهم من يُعين المؤسسات الأمنية للتفرغ لمكافحة الجريمة وحماية الحدود ومنع أي محاولات لاختراق مجتمعنا بطريقة أو بأخرى... ليس دور المؤسسات الأمنية تعليم الناس أو علاجهم أو الرفع من مستوى مهنتيهم في أيّ قطاع من القطاعات، وليس دورها أن تُبيِّن لهذا المسؤول ما ينبغي أن يقوم به أو لا يقوم به، إنما أن تحميه من القوى غير الطبيعية التي يُمكِن أن تُعطِّل عمَله، سواء أكانت من الداخل أم الخارج، وأن تردعه عند تجاوز حدود القانون. وعليه، فإننا إذا كُنَّا بالفعل نحرص اليوم على أمن واستقرار بلدنا، فليس مطلوبا منا أن نُلقي المسؤولية على الآخر مهما كان الموقع الذي هو فيه، بل أن نبدأ من الموقع الذي نحن فيه وليس خارج هذا الموقع، أي أن نُدرك أننا في أي مستوى كُنَّا، نحن مسؤولون عن أمن بلدنا، بالفعل وليس بالقول، حقيقة وليس بالتَّمني... إن ابتعاد التعليم عن رسالته الحقيقية، والظلم في أيّ مستوى كان، واستفزاز المواطن في الإدارات بمعاملات مشبوهة أو بقلة الاحترام، وعدم إتقان العمل أو الغش فيه وإن كان في أبسط الأشياء، كلها من العوامل المؤثرة في جوهر الأمن... أمّا إذا حدث هذا على مستويات عليا، حيث كان المعني بذلك المسؤول عن التعليم أو العدالة أو أي قطاع من قطاعات الخدمات والإنتاج... فإن المسؤولية عن جوهر الأمن تتضاعف والنتيجة المترتبة على الخطإ تزداد. فلنحْمِ بلدنا حقيقة، ولنعمل على تحقيق جوهر الأمن والاستقرار بعيدا عن كل مزايدة، فورا وبلا انتظار، كل في مكانه.