الأصل في سلوك الإنسان فيما هو يرسم معالم خلافته على الأرض أنه يبحث عن كل ما يؤنسه وييسر سبله لتحقيق أهدافه في مسيرة حياته ويبتعد عن كل ما يشوش عليه سعادته وسكينة روحه. وهذا ما يعني تماما أنه مدني بالطبع كما يقول شيخ علم الاجتماع ابن خلدون.. ولكي تكون الحياة محتملة أو مقبولة بالنسبة للإنسان فإنه ينبغي أن يتجه بكل إخلاص وعزيمة لتوليد الطاقات الإيجابية فيما حوله وأن يسهم في توفير المناخات الملائمة لميلاد الخير والسلام والطمأنينة. وعلى العكس من ذلك، انبرى رهط من الناس لا هم لهم ولا انشغال إلا بتعكير المناخات والقاء القنابل في التجمعات وإن اقتربت لن تجد فيهم إلا الإضمحلال الروحي والتشوه النفسي ربما والله اعلم إلى درجة من الجفاف الحاد الذي يؤسس لكل انحراف فيما بعد.. هؤلاء لا ينشغلون الا بما يفرق الناس عن بعضهم داخل الأسرة والمجتمع والأمة.. انهم يزرعون الشوك في دروب ابناء الأمة ويجعلون الحياة امامهم دامية تضطرهم للتشكك في المسار والتاريخ وتلزمهم ان يدخلوا حلقات الاضطراب والريبة من سواهم من الناس. ينشغل اولئك النفر بالقيل والقال وكلام الرجال واختلافاتهم وتصنيفاتهم وفذلكات المتفذلكين وينسون الكلام المفيد الذي يقود الانسان إلى الفعل الإيجابي او حسب الوصف القرآني العمل الصالح.. هؤلاء النفر يبتعدون كثيرا عن واقعهم ويذهبون لمعالجة واقع الآخرين أو واقع آخر غير معاش، وفي كلا الحالين هم كمن يوزع على الأتباع الأفيون ليبعدهم عن واقعهم بأسئلته وتحدياته او يلقي في سبيل الناس حجارة معطلة ويشوه لهم معالم الطريق. بين الصنفين من الناس، معركة تدافع هي متكررة في كل مراحل التغيير والتحرير والنهضة.. فكل مجدد وثائر له خصمه من المعرقلين الذين يجرونه لمعارك انقضى عليها مئات السنين او يلقون في وجهه اسئلة كهنوتية او افتراضية تحرم الناس من فائدة الزمن والجهد الذي يبدده الانشغال بنزع الشوك من الطريق. في عالم هو لنا وفي ايام نحن مسئولون عنها تبدو المسئولية مضاعفة ان نزيح المعطلين والمشوشين والمشعوذين والمخترعين لنا حروبا غير التي نعرف وتصبح جهودنا العملية والحضارية كلها رهينة بنتيجة جهودنا للتخلص من آثار فعل اولئك المخربين. لقد جاء الرسل والأنبياء عليهم السلام محملين بالرحمة، تفيض كلماتهم طيبة وكرامة للإنسان، حيث هو انسان تقدم الحلول لما فيه من تحديات.. وهي مهمة كل الأحرار والشرفاء النابهين من بني البشر ان يرتقوا بالإنسان والمجتمع إلى مصاف السعادة والرفاه. وشر الناس من يدخلهم معارك لا طائل منها ولا ناقة لهم فيها ولا جمل انما فقط مضيعة وقتهم وتبديد مشاعرهم وإشغالهم عن ما يجب ان يقوموا به من واجبات لإعمار الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف لتصبح الحياة لائقة بالإنسان..