وزير الداخلية خلال تنصيبه للولاة: الحركة الجزئية تهدف إلى إضفاء ديناميكية جديدة    وثائقي من إنتاج مديرية الإعلام والاتصال لأركان الجيش: الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    مع انطلاق حملة مكافحة الحرائق: منع التخييم والتجول بالغابات بداية من الأربعاء بقسنطينة    خنشلة: توقيف 12 شخصا في قضايا مختلفة    عطاف يُستقبل بالرياض من قبل رئيس دولة فلسطين    صراع أوروبي على عمورة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري: رئيس الجمهورية يمنح قضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    بطولة الرابطة الثانية    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    وزير المجاهدين و ذوي الحقوق من جيجل: معركة السطارة من بين المعارك التي خلدها التاريخ    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    التسجيل الإلكتروني في الأولى ابتدائي في 2 ماي المقبل    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    البنوك تخفّض نسبة الفائدة على القروض قريبا    الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    الرئيس تبون يمنح لقب "القاضي الشرفي" لبعض القضاة المتقاعدين    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    مظاهرات الجامعات يمكن البناء عليها لتغيير الموقف الأمريكي مستقبلا    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    استثمار: البنوك ستخفض قريبا معدلات الفائدة    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم يستكثر على الفلسطينيين إعلان دولتهم على الورق
بعد ثمانية عشر عاما من المفاوضات

وجهة النظر الصهيونية: لا تفاوض، لا صلح، لا لقاء ولا فراق لا حرب ولا سلام
الأيام الجزائرية ( وكالات):
تشبثت قيادات فلسطينية رسمية "من السلطة والمنظمة" على ترسيخ وتأكيد أنَّ بادرة إعلان قيام دولة فلسطينية "في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة" من طرف واحد "أي من جانب منظمة التحرير الفلسطينية" ليست بفكرة فلسطينية؛ بل هي تشويه إسرائيلي متعمَّد لحقيقة المساعي الفلسطينية الجديدة، والتي تستهدف، فحسب، إنقاذ ودعم "حل الدولتين" من خلال قرار جديد يُصْدِره مجلس الأمن الدولي، ويُعْلِن فيه اعترافه بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاصمتها القدس الشرقية، وإقليمها يشمل كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب جوان 1967.
ويمكن أن يضيف الفلسطينيون سبباً آخر لصدق قولهم إنَّهم لا يعتزمون إعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد، هو أنَّ المنظمة قد أعلنت قيام تلك الدولة من قبل "في الجزائر سنة 1988". ولكن، هل هذا يعني أنَّ المنظمة لن تُعْلِن قيام الدولة الفلسطينية إلاَّ بعد، ومن خلال، اتفاق تفاوضي، في هذا الشأن، تتوصَّل إليه مع إسرائيل؟. كلاَّ، لا يعني، فالمنظمة "وهنا يكمن الجديد المُحْتَمَل في الإستراتيجية الفلسطينية التي لم تكتمل وضوحاً بعد" ما عادت تَنْظُر إلى إعلانها قيام الدولة الفلسطينية على أنَّه أمر يجب أن يكون محل تَفاوُض واتِّفاق مع الإسرائيليين، معتبرةً، في الوقت نفسه، أنَّ إعلاناً كهذا لن يكون معادِلاً في معناه لإعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد، فمجلس الأمن، وبحسب التوقُّع الكامن في المسعى الفلسطيني الجديد، والمدعوم عربياً على ما يقال فلسطينياً، سيُصْدِر قراراً يُعْلِن فيه اعترافه بدولة فلسطينية "كتلك التي يريدها الفلسطينيون" فتُعْلِن المنظمة، فوراً، أو بعد حين، قيام تلك الدولة، التي تتمتَّع بشرعية دولية، مُسْتَمَدة من هذا القرار الدولي الجديد. وبهذا المعنى، يصبح "الإعلان الفلسطيني" بعيداً كل البعد عن "الأُحادية"، ولا يمكن تصويره على أنَّه إعلان لقيام دولة فلسطينية من طرف واحد. إذا تحقَّق هذا الأمر الثاني، بعد تحقُّق ذاك الأمر الأوَّل، يصبح ممكناً بدء مفاوضات سلام جديدة بين الطرفين، تقوم على إستراتيجية تفاوضية جديدة، فإذا كانت "القديمة"، والتي انتهت إلى ما انتهت إليه من فشل وإخفاق، تقوم على مبدأ التفاوض المباشِر بين المنظمة والحكومة الإسرائيلية، توصُّلاً إلى اتِّفاقية سلام وحل نهائي، تقام بموجبها دولة فلسطينية، فإنَّ "الجديدة"، والتي لم ترَ النور بعد، إذا ما رأته، تقوم على مبدأ التفاوض المباشِر بين "الدولتين"، توصُّلاً إلى اتِّفاقية سلام وحل نهائي، تُرسَّم بموجبها الحدود الرسمية النهائية بين الدولتين "والتي يمكن أن تُعدَّل تعديلاً طفيفاً، وأن يشتمل الاتِّفاق الخاص بها على تبادل للأراضي". وبموجبها أيضاً تُسوِّى وتُحل قضايا النزاع المختلفة بين "الدولتين".
وهذا إنَّما يعني، على افتراض أنَّ الفلسطينيين سيمضون قُدُماً في سعيهم الجديد، وفي تطوير إستراتيجيتهم الجديدة والتزامها، أنَّ المنظمة لن تتولَّى من الآن وصاعداً التفاوض المباشِر مع إسرائيل، وستَقْصِر كل عملها الدبلوماسي والسياسي على التهيئة والإعداد لبيئة دولية ملائمة لإعلانها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، ناقلةً ملف المفاوضات مع إسرائيل برمَّته إلى الدولة الفلسطينية المُعْلَنة، والمُعْتَرف بها دولياً، على ما تتوقَّع وتأمل. "المسار"، بحدِّ ذاته، جيِّد، فالإستراتيجية التفاوضية الفلسطينية يجب "تعريبها" أوَّلاً، ثمَّ يجب حشد القوى الدولية، توصُّلاً إلى إقناع، أو اقتناع، إدارة الرئيس أوباما بأنَّ لها مصلحة حقيقية في عدم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار، وفي جعله، بالتالي، يَصْدُر عن مجلس الأمن، الذي سيصبح، بالتالي، مُلْزَماً بالعمل على جعل الدولة الفلسطينية حقيقة واقعة، من خلال رفع الاحتلال الإسرائيلي عن أراضيها، إنْ بمفاوضات جديدة، أو بضغوط دولية على إسرائيل لحملها على التفاوض في طريقة مجدية، أي في طريقة تسمح بتنفيذ القرار الدولي الجديد، وتوقيع معاهدة سلام بين الدولتين. إذا نجح الفلسطينيون والعرب، ومعهم قوى دولية، في حَمْل إدارة الرئيس أوباما على أن تقف موقفاً إيجابياً "بما يكفي" من هذا المسار، ومن الجهود المبذولة لاستصدار القرار الدولي الجديد، فإنَّ انعطافة سياسية وإستراتيجية كبرى سيعرفها النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل. وأخشى ما يخشاه الفلسطينيون أنْ تأتي هذه الانعطافة بما يجعل الدولة الفلسطينية، إذا ما ارْتُكِب خطأ التسرُّع في إعلان قيامها، غير مختلفة جوهرياً، ومن الوجهة الواقعية، عن "الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقَّتة"، والتي يمكن أن يَعْرِف إقليمها في الضفة الغربية من الحصار ما عرفه، ويعرفه، إقليمها الآخر، أي قطاع غزة، فإسرائيل، وفي ردٍّ منها "معتدل" العنف والشدة والحدَّة، يمكن أن تجعل إقليم الدولة الفلسطينية "المُعْلَنة" في الضفة الغربية محاصَراً من الغرب ب"الجدار الأمني"، ومن الشرق باحتلالها العسكري لكل حدود الضفة الغربية مع الأردن، وكأنَّ هذا "المسار الجديد"، والجيِّد، من حيث المبدأ، لم يبدأ إلاَّ لينتهي "من الوجهة الواقعية" إلى "الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقَّتة"، والتي يكفي أن تظهر إلى حيِّز الوجود حتى لا يبقى لدى الفلسطينيين من خيار لاستكمالها، أرضاً، وعاصمةً، وسيادةً، واستقلالاً، وأمناً، إلاَّ خيار التفاوض المباشِر، مع وساطة وسطاء دوليين في مقدَّمهم الولايات المتحدة. قُلْنا إنَّه مسارٌ جيِّد، من حيث المبدأ؛ ولكنَّ جودته ستتحوَّل إلى نقيضها إذا ما قرَّرت المنظمة أنْ تُتَرْجِم ذلك القرار الدولي، في حال صدوره، بإعلان قيام الدولة الفلسطينية. إنَّ جودة هذا المسار تبقى وتتعزَّز إذا ما أحجم الفلسطينيون "عبر المنظمة" عن الانتقال الفوري من "القرار الدولي" إلى إعلان قيام الدولة الفلسطينية.
الثلاثي الأقوى ضد الحق الفلسطيني
ما شهدناه ونشهده من ردود فعل وتهديدات إسرائيلية هستيرية وأمريكية أوروبية، وهذا الالتقاء الثلاثي ضد حق الشعب العربي الفلسطيني في اللجوء إلى مجلس الأمن، للحصول على اعترافه بإعلان الدولة الفلسطينية، على الورق، بعد أن خيبت الإدارة الأمريكية آمال الجميع حتى في مسألة صغيرة كتجميد الاستيطان، إنما يكشف مجددا إلى أي حد وإلى أي مدى وصل ذلك التواطؤ الثلاثي ضد الحقوق العربية في فلسطين، وإلى أي مدى من النفاق والظلم وصل ذلك الانحياز الأمريكي الأوروبي إلى جانب تلك الدولة الصهيونية القائمة في الأصل- كي لا ينسى أحد- بالسطو المسلح على أنقاض الوطن العربي الفلسطيني. فلماذا، إذن، كل هذا الغضب وكل هذه التهديدات ضد نية فلسطينية- مجرد نية- للتوجه إلى الأمم المتحدة بشكل شرعي ووفق المواثيق الأممية؟. تعتبر المؤسسة الأمنية السياسية الاستراتيجية الإسرائيلية، أن فلسطين "أرض إسرائيل"، وأن من حقها أن تعمل على تفكيك كافة التهديدات المحتملة لبقاء واستمرار تلك الدولة، وتعتبر أن الدولة الفلسطينية المستقلة في مقدمة تلك التهديدات، لذلك تضع كافة العراقيل التي من شأنها تعطيل مشروع الدولة الفلسطينية السيادية، حتى لو اضطرت في ذلك إلى شن حروب وحروب لا تتوقف على الفلسطينيين. وهذا ما أكده «شالوم يروشالمي» في «معاريف» 19/4/2009 عن حقيقة موقف المتطرف «نتنياهو» تجاه الدولة الفلسطينية قائلا: "«نتنياهو» مقتنع بأن تقسيم البلاد إلى دولتين، هو مصيبة عظيمة وتهديد استراتيجي أول في درجته على وجود دولة إسرائيل، و«نتنياهو» مقتنع بأن الدولة الفلسطينية نفسها هي تهديد ديمغرافي فظيع للصهيونية، بعد أن يتدفق إليها ملايين اللاجئين الذين سيطالبون بجمع شمل العائلات وحق العودة"، وهذه الدولة، في رأيه، "ستكون اليوم رأس حربة لهجوم عربي شامل على إسرائيل، وحتى جيش صغير نسبيا مزود بتكنولوجيا حديثة، يمكنه أن يهدد مدن إسرائيل بشكل مباشر" ""مكان تحت الشمس"، صفحة 339". كما أعلنها «نتنياهو» قبل أيام أمام مؤتمر «سابان» في القدس قائلا: لن يحل السلام قبل مواجهة ثلاثة تهديديات لإسرائيل؛ الأول، سعي إيران للحصول على سلاح نووي، والثاني صواريخ حزب الله في لبنان وحماس في غزة التي تهدد إسرائيل، والثالث تحصين الأمن الإسرائيلي"، أي أننا في انتظار حروب إسرائيلية في الأفق. إلى كل ذلك، فنحن عمليا أمام أكثر من ستة عقود من الحروب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وضد إقامة الدولة الفلسطينية، وأمام ذروة الهجوم الإسرائيلي على الأرض والقضية والحقوق وحتى على مصطلح النكبة...
ولذلك كانت عملية السلام والمفاوضات المستمرة منذ ثمانية عشر عاما، عقيمة عبثية لم تسفر سوى عن تكريس الاستيطان والجدران والتهويد للقدس والضفة. والواضح "كما أكدنا في مقالات سابقة في هذا الصدد"، أن سؤال الدولة الفلسطينية كان دائما السؤال الاستراتيجي الحقيقي الذي يحدد مسير ومصير كل قصة المفاوضات والتسوية، فهو الأكثر تفجراً في العلاقة الفلسطينية- الإسرائيلية، والصراع بين الجانبين حوله هو صراع حربي ملغم بالتهديدات المبطنة أو الصريحة، في ظل حرب إعلامية نفسية ومعنوية تحريضية متفاقمة، ضد أي محاولة فلسطينية في اتجاه إعلان الدولة أو اللجوء إلى مجلس الأمن، كما تابعنا وشاهدنا خلال الأسابيع القليلة الماضية. وفي ظل تطورات المشهد السياسي الفلسطيني التي وصلت إلى لحظة الحقيقة بالاقتناع بعبثية المفاوضات، في ظل الأجندات الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى شطب القضية والحقوق والحيلولة دون إقامة الدولة. وفي ضوء ذلك الالتقاء الثلاثي على منع الفلسطينيين من الوصول إلى مجلس الأمن، يبقى سؤال الدولة الفلسطينية الأهم والأخطر والأكثر حسماً ومصيرية في الأفق الصراعي، وهو الذي من شأنه أن يضع النقاط على الحروف في نهاية الأمر. يسير الطرفان في هذا الصدد بقوة دفع هائلة، نحو لحظة الحقيقة التاريخية الحاسمة الآتية لا ريب.. لحظة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، وهي الخطوة التي تتوعد الحكومة الإسرائيلية ليل نهار بالويل والثبور إذا ما أعلن الفلسطينيون عنها. من المفترض وطنيا ومنطقيا، أن تفرض هذه المسألة المتفجرة على الفلسطينيين أجندة أولويات واستحقاقات ملحة في هذا الإطار، في مقدمتها الحوار الوطني الجاد والتفاهم بين كافة القوى الوطنية، بغية إعداد وتقوية وتصليب جدران الجبهة الداخلية الفلسطينية، وفي مقدمتها العودة إلى الحضن العربي وإنعاش العمق والبعد العربي بصورة أكثر فاعلية وتأثيراً.. ثم إلى جانب كل ذلك، العودة بقوة إلى مواثيق وقرارات الشرعية الدولية التي تشكل رصيداً بالغ الأهمية بالنسبة للحقوق الفلسطينية العربية، طالما أن الأوراق العربية الأخرى غير مفعّلة. فالدولة الفلسطينية هي الخيار الجارف أمام كل الفلسطينيين في الداخل والخارج الفلسطيني على حد سواء.. وهذا الخيار تقف وراءه جملة من القرارات الدولية الصادرة على مدى نحو 62 عاماً من الصراع. المسؤولية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، تقتضي الاعتراف بأن دولة الاحتلال ليست دولة سلام، وإنما دولة قامت على الحراب والحروب ولن تخرج من جلدها. وعلى ذلك يبدو أنه لا مفر من أن يعود الفلسطينيون والعرب تدريجياً إلى الخيارات والبدائل الأخرى، مثل القمم العربية والأممية، فالأوراق والأسلحة الفلسطينية العربية كثيرة وفعالة لو توفرت الإرادة الحقيقية للتصدي.. فمعركة الدولة الفلسطينية حقيقية وكبيرة، والدولة تنتزع انتزاعا ولا تقدم لنا على طبق من فضة هكذا. فهل يستيقظ الفلسطينيون والعرب ليتوقفوا بمنتهى الجدية والمسؤولية أمام الحقائق أولاً، ثم أمام التحديات والأخطار الإسرائيلية ثانياً، ثم أمام خطابهم الإعلامي التفاوضي ثالثاً؟. وهل يعمل الفلسطينيون، أولاً قبل الآخرين، على لملمة أنفسهم وترتيب بيتهم الداخلي وأوراق قوتهم من جديد؟ ثم هل يعملون على إعادة ترتيب خطابهم وأولوياتهم الوطنية والقومية، في ضوء ما ينتظرهم من تحديات استراتيجية وحروب لا مفر منها بمبادرات إسرائيلية أحادية الجانب؟.
إسرائيل عدو أم طرف آخر؟
تقول الحكمة الإغريقية "اعرف نفسك"، وهي الحكمة القديمة التي اعتبرها الفلاسفة مدخلاً مهماً لمعرفة الآخرين، ولتحديد موقع الإنسان في هذه الحياة بشكل عام، وهي حكمة قد ترشد الإنسان الفلسطيني ليعرف نفسه، وليحدد موقعه من إسرائيل. ما هي دولة إسرائيل بالنسبة إليك؟. بعضهم يرى إسرائيل دولة عدوةً بالمفهوم الكامل للعداوة، وما تفرضه من كراهية، وما تفرزه من أحقاد، واستعداد للمواجهة، وهذا حال غالبية الشعب الفلسطيني، ولا أحسب أن فلسطينياً واحداً من صلب هذه الأرض يرى في إسرائيل صديقة، بغض النظر عن لونه وانتمائه ودينه ورأيه وتاريخه الشخصي. ولكن بعض الفلسطينيين يرى في إسرائيل طرفاً آخر وفق التسمية السياسية؛ فلا هي عدوة ولا هي صديقة. بين رؤية إسرائيل عدوة، أو رؤيتها طرفاً آخر، يتحكم في الساحة الفلسطينية خطابان سياسيان، ولكل خطاب دلالته، وانعكاسه الوجداني، وعميق مساره الذي يتوازى مع الخطاب الآخر. ففي حين يصف أحد الخطابين إسرائيل بالعدو، ويكرر المقولة في كل أحاديثه الثقافية، ولقاءاته الفكرية، ووسائل إعلامه، ويدرك ما يترتب على هذه العداوة من أفعال. وخطاب يحسب أن إسرائيل ليست عدوة، وإنما هي الطرف الآخر، وعليه يسعى لتعميم ثقافة المهادنة، ويعمل على اقتلاع ثقافة العداوة لدولة إسرائيل وفق الاتفاقيات الموقعة، والتي تلزمه بغرس ثقافة الوئام بدلاً من الخصام. فما أوسع الهوة بين الخطابين، وما أبعد أثرها على مستقبل القضية الفلسطينية، ولا سيما أن الذي يقول: العدو الإسرائيلي، يقصد أن لا تفاوض، ولا صلح، ولا سلام، ولا لقاء مع هذا العدو الغاصب إلا في ساح الوغى. أما الذي يقول: الطرف الآخر، فإنه يقصد التفاهم معه، والتوصل لاتفاق، وفتح بوابة اللقاء معه، بل والتنسيق المشترك. أما الذي يقول: العدو الإسرائيلي، فإنه يرى ما يدور من أحداث يومية هي تعبير عن صراع وجود لا مهادنة فيه مع الغاصب، وأما الذي يقول: الطرف الآخر، فإنه يرى ما يدور نزاعاً سياسياً على حدود الدولة الفلسطينية، ويمكن التغلب عليه مع المحتل. الأول يرى في الصراع مع إسرائيل بعداً عقائدياً سيرتد على أفكار وقلوب شعوب المنطقة ككل، صراع يمتد من بداية الهجمة الصهيونية، ولا يتوقف عند حدود هدنة سنة 1948، والآخر يرى أن الذي يجرى هو نزاع سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يمكن حله بالانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967. قد يتفق معي كثيرون؛ بأن بطاقة تعريف الفلسطيني هي موقفه من دولة إسرائيل، هل إسرائيل دولة عدوة أم طرف آخر؟!.
طريق الوهم إلى دولة ذات حدود مؤقَّتة
وجود "سلطة" للفلسطينيين، في الأراضي "الفلسطينية" التي احتلتها إسرائيل، في حرب 1967، انبثقت من اتفاقية بين منظمة التحرير الفلسطينية "بصفة كونها الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" والدولة العبرية، وتتمتَّع ب"الشرعية"، ومُعْتَرَف بها دولياً، أساء كثيراً، وكثيراً جدَّاً، للقضية القومية للشعب الفلسطيني، وعاد بالنفع والفائدة على إسرائيل في سعيها إلى جَعْل نزاعها التاريخي مع الفلسطينيين عديم الأهمية الإستراتيجية، وإلى إفراغه مِمَّا انطوى عليه من مخاطر عليها، وإلى تمكين "الحقائق الإسرائيلية" من القضاء على البقية الباقية من "الأوهام الفلسطينية"، التي استنفدت مهمَّتها الكبرى مع إقامة الفلسطينيين لتلك "السلطة". وإذا أردتم دليلاً قوياً على ذلك، فسوف تحصلون عليه من خلال إجابة السؤال الآتي: "هل كان ممكناً أن تنهي إسرائيل، من طرف واحد، وجودها العسكري والاستيطاني في داخل قطاع غزة، وأن يترتَّب على هذا الإنهاء ما ترتَّب عليه من نتائج وعواقب، لو لم يكن من وجود للسلطة الفلسطينية في القطاع؟. والآن، أصبحت حركة "حماس"، وعبر حكومة «هنية»، هي وحدها السلطة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصَر إسرائيلياً من البرِّ والبحر والجو.. حصاراً مباشِراً أو غير مباشِر. وحقائق الواقع في القطاع، والتي لا يخالطها وهم، تؤكِّد لنا وتُثْبِت أنَّ "السلطة" هناك لا تملك، عملياً وواقعياً، شيئاً من مقوِّمات "الخيارين معاً": "خيار الحل التفاوضي"، و"خيار الحل عبر المقاومة العسكرية". إنَّها لا تستطيع حتى إنهاء الحصار المضروب على القطاع لا من طريق التفاوض ولا من طريق القوَّة العسكرية. إنَّ كل ما تستطيعه الآن هو تثبيت "الهدنة طويلة الأجل وغير الرسمية" مع إسرائيل، درءاً لمخاطر آلة الحرب الإسرائيلية عن هذا الشريط الساحلي الفلسطيني، والتكيُّف مع حالة الحصار "الأساسي" طويلة الأجل، والإبقاء على حالة الانفصال طويلة الأجل مع الضفة الغربية. أمَّا في الضفة الغربية فلا شيء يمنع حكومة المتطرف «نتنياهو» من أن تؤسِّس من طرف واحد لواقع جديد هناك لا يختلف من حيث الجوهر والأساس عن الواقع الذي أسَّسته إسرائيل في عهد حكومة شارون في قطاع غزة؛ ولكنَّها ليست في عجلة من أمرها، فالوضع القائم الآن في الضفة الغربية، وبكل أوجهه، ليس بالوضع الذي يشدِّد لديها الميل إلى تغييره بما يجعله مشابهاً للوضع القائم الآن في قطاع غزة. إنَّها، أي حكومة اليميني «نتنياهو»، تريد لأوهام الحل عبر التفاوض أن تظل هي المسيطرة على خيارات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أن يتأكَّد لديها أنَّ تلك الأوهام قد استنفدت مهمتها. هنا "أي في الضفة الغربية" أيضاً تتحدَّث حقائق الواقع التي لا يخالطها وهم عن إفلاس "الخيارين معاً": "خيار الحل عبر التفاوض" و"خيار الحل عبر المقاومة العسكرية". ولكنَّ هذا الإفلاس المزدوَج أنتج وهماً ثالثاً، أو خياراً ثالثاً من خيارات الوهم، هو خيار الحل من طريق ثالث، أي من غير طريقي "الحل عبر التفاوض" و"الحل عبر المقاومة العسكرية". وهذا الطريق الثالث هو طريق زجِّ المجتمع الدولي في معركة الفلسطينيين لانتزاع دولة لهم، من الاحتلال الإسرائيلي، مستقلة وذات سيادة، يشمل إقليمها كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وتكون القدس الشرقية عاصمة لها. ولن ينتظر الفلسطينيون طويلاً حتى يقتنعوا بأنَّ هذا الخيار هو الوهم بعينه، فالمجتمع الدولي، ممثَّلاً في مجلس الأمن، وفي "الرباعية الدولية"، لن يعطيهم هذا الذي يتوهمون أنَّه شيء قابل للتحقيق. إنَّ التغيير الوحيد، في الحال الفلسطينية، والذي أراه ممكناً الآن، من وجهة نظر الواقع الموضوعي السيئ بالنسبة إلى الفلسطينيين وقضيتهم القومية، هو أن تنهي إسرائيل من طرف واحد وجودها العسكري والاستيطاني في جزء كبير من الضفة الغربية، لا يشمل القدس الشرقية، وتقطنه الغالبية العظمى من الفلسطينيين، فتتولَّى السلطة الفلسطينية هناك، "عن اضطِّرار"، الإدارة والحكم، فتُعْلِن، أو لا تُعْلِن، قيام دولة فلسطينية. وليس من سبيل إلى درء هذا الخطر الإسرائيلي، كما نرى، سوى أنْ تكون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية قد حُلَّت من قبل، فهذا "الانسحاب" الإسرائيلي الأحادي الجانب، والمحتمل، يجب، إذا ما تحقَّق، أن يقترن بوجود حالة فراغ في السلطة والإدارة الفلسطينيتين، حتى يصبح ممكناً فتح أبواب القضية الفلسطينية ثانيةً أمام "التعريب" و"التدويل". إنَّ أسوأ سيناريو بالنسبة إلى الفلسطينيين هو الآتي: أنْ تُعْلِن حكومة «نتنياهو» إنهاء الحكم العسكري الإسرائيلي للفلسطينيين في الضفة الغربية من طرف واحد، فتُخْرِج جنودها ومستوطنيها من الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية الواقعة شرق "الجدار الأمني"، والذي لا يشتمل على القدس الشرقية، فتتولى السلطة الفلسطينية هناك ملء الفراغ، أي الإدارة والحكم، وأنْ يُعْلَن من ثمَّ قيام الدولة الفلسطينية، وأنْ تحظى هذه الدولة باعتراف دولي، وأنْ تشرع هذه الدولة تَحِلُّ ما أمكنها حلُّه من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن إقليمها الصغير هذا، وأن تبدأ "عبر وسطاء في مقدَّمهم الولايات المتحدة" مفاوضات طويلة الأجل بين "الدولتين" للتوصُّل إلى اتفاقيات في أمورٍ من قبيل السيطرة على الجسور والمنافذ البرية مع الأردن، وتوسيع إقليم هذه الدولة تدريجاً في اتِّجاه "الجدار الأمني"، وتسهيل عبور الأفراد والبضائع بين الضفة والقطاع، وإدارة الأماكن الدينية والأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. إنَّه الحل الانتقالي طويل الأجل، الذي قوامه، من الوجهة العملية الواقعية، الدولة ذات الحدود المؤقَّتة، والسلام الاقتصادي، والمفاوضات طويلة الأجل بين "الدولتين". وهذا الحل يمكن أن يبدأ بشيء من "الشرعية الدولية" له، فيستجيب لها الفلسطينيون بإعلان قيام دولتهم، فترد إسرائيل على هذين التطوُّرين بذلك "الانسحاب الأحادي الجانب".
إسرائيل.. دائما وراء العرب وإذا لم تكن جعلوها كذلك
آخر ما تناقلته وسائل الإعلام الغربيّة والعربيّة على حدّ السواء هو تقدّم المفاوضات السرّيّة والمباشرة بين إسرائيل ومنظّمة "حماس" بغية التوصّل إلى صفقة تبادل أسرى بين الطرفين بها يُغلق ملفّ الجنديّ الإسرائيليّ «جلعاد شاليط»؛ وإذا ثبتت تصريحات وزير الخارجيّة الفرنسيّ «كوشنير» عن قرب الوصول إلى حلّ يسرّع في إنقاذ الجنديّ الإسرائيليّ مقابل عدد غير قليل من السجناء الفلسطينيين، فإنّ حقائق قديمة جديدة بدأت تتوضّح على الأرض، وتخرج من ضيق التسريبات الصحفيّة المغرضة إلى رحابة "الواقعيّة السياسيّة" التي تسقرئ الواقع، وتختار-في لعبة التوازنات- "الممكن" بدل "الأمثل". إذن الواقع القديم/الجديد يؤكّد انقسام العرب في التعاطي مع "إسرائيل" إلى دول "معتدلة"! تفاوض إسرائيل مباشرة، وتقيم معها علاقات ديبلوماسيّة وتجاريّة علنيّة، ولا ترى حرجا في استضافة مسؤوليها والتشاور معهم في كلّ ما يهمّ الشرق الأوسط "الجديد" أو "الكبير"، وأخرى دول وقوى سياسيّة "ممانعة" لا تعترف في خطابها الرسميّ بإسرائيل، ولا تقيم معها علاقات ديبلوماسيّة أو تجاريّة علنيّة؛ لكنّها في الخفاء، وعبر وسطاء، تتفاوض معها، وتعقد وإيّاها صفقات مختلفة. فالاعتدال أمسى، إذن، يعني التفاوض المباشر، والاعتراف العلنيّ بدولة "إسرائيل".. أمّا الممانعة فتعني تفاوضا غير مباشر، وعقد صفقات عبر وسيط تركيّ أو ألمانيّ!!. والآن، بعد أن أصبح الجميع يهرول نحو تفاوض مباشر، كيف ستصنّف الدول العربيّة؟؟ الأكيد أنّ بعض المحُرَجين سيبحثون في المعجم عن توصيفة تجعلهم في منزلة "بين بين"!! فلا هم "معتدلون" حدّ الخنوع، ولا هم "ممانعون" حدّ الثورة على إسرائيل وطلب الثأر منها. يبدو أنّ الواقع العربيّ الراهن بحاجة إلى "معتزلة جدد"! كي يخرج "أبطال الممانعة القدامى" من هذا الحرج السياسيّ. والأكيد أنّ المنتصر الوحيد هو "إسرائيل" التي استعذبت، من جهة، هذه التصنيفات وعزّزتها تأجيجا للصراعات الداخليّة بين العرب، وسعيا لتمزيق الجسد العربيّ الممزّق أصلا بالقمع والتوريث!! ومن جهة أخرى سعت إلى إقناع الرأي العام الدوليّ بأنّها دولة تسعى إلى تحقيق السلام مع أعدائها القدامى وتريد، رغم خطورة الوضع، تقديم تنازلات مؤلمة لجعل منطقة الشرق الأوسط واحة أمن وسلام! فإسرائيل "المسكينة" بعد أن يئست من "عبّاس" الذي تصلّب فجأة!، فتحت قناة تفاوض مع غريمه السياسيّ "حماس"! فهل بعد هذا السعي شكّ في أنّها دولة تريد السلام مع جيرانها!!؟. لقد أدّى الارتجال، وغياب استراتيجيّة واضحة لمقاربة المسألة الفلسطينيّة، إلى أن تكسب إسرائيل كلّ الجولات. فمواقف هذه الدولة الاستراتيجيّة واحدة لا تتراجع عنها سواء أكان على رأس الحكومة «كاديما» أو «حزب العمل» أو «الليكود»، فقط التكتيكات والمناورات السياسيّة هي التي تتغيّر. بالأمس القريب غادرت «ليفني» مصر ليصبّ الجيش الإسرائيليّ جام حقده على أطفال غزّة.. واليوم يأتي «بيريز» إلى القاهرة ليعلن استعداد الحكومة الإسرائيليّة لتعبيد طريق السلام.. وفي الوقت الذي كان يتحدّث كانت نيران المدفعيّة تقذف حممها على غزّة!!.. هذه إسرائيل التي استلّت ذكاءها من غباء العرب، "معتدلين" و"ممانعين"...
العرب لاهون سُعداء بوجودها يعلّقون عليها أحزانهم ويتخفّون وراءها لستر عجزهم.. إذ ليس أسهل من اتهام "إسرائيل"! نحن ،أصلا، بخير لا يعرف الفساد إلينا طريقا لكنّ إسرائيل هي المشكل!.. كذبة جميلة تُجَنّد الخطب والمناسبات لتأكيدها. فعند "العرب الأخيار" "إسرائيل" هي التي جعلت ما ينفقه العرب مجتمعين على البحث العلمي لا يرقى إلى ما تنفقه جامعة أمريكيّة واحدة! وإسرائيل هي التي حوّلت فوز "الجزائر" على "مصر" إلى "فتنة إعلامية" جديدة.. زجّت إعلام ومؤسسات مصر في متاهات المعركة؛ و"إسرائيل" هي وراء حمّى التوريث التي يتهافت عليها الشرق الأوسط.. وهي التي جعلت البحر الأحمر أحمرَ، وهي التي قتلت البحر الميّت، وهي الوحيدة المسؤولة عن قتل "عرفات"، وعن المعارك "الدنكشوتيّة" التي تندلع بين رؤساء الدول العربيّة في بعض القمم التي تحوّلت إلى مهزلة.. وهي التي جعلت التعليم في الدول العربيّة يصنّف في المراتب الأخيرة على المستوى الدوليّ. لنتصوّر -اعتمادا على هذا المنطق الغريب- عالما بلا "إسرائيل".. ماذا ستفعل عديد الأنظمة التي تلعب على هذا الملفّ لتبقى في الحكم؟؟ من أين لها أن تجد غطاء جيّدا ومناسبا يقيها حرّ الثورات والفتن ولا يعجّل بسقوطها؟؟. لقد انتهينا إلى معادلة غريبة قائمة على التّناقض: إسرائيل هي المشكل وهي الحلّ أيضا.. بغيابها أو بانتفاء أسباب وجودها تتعرّى أنظمة وتنكشف... وعلى هذا النّحو كلّما طال المشكل سهُل الحلّ.. لتبق "إسرائيل، إذن، "مشجبا" نعلّق عليه كلّ المشاكل في انتظار يوم نستيقظ فيه من النفاق السياسيّ واللعب على المشاعر..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.