إن أسوأ موقف يمكن لمخرج تراجيدي أن يقع فيه، هو أن يسند دور البطولة إلى ممثل غبي، ممثل لا يستوعب السيناريو الذي كتب له، فيكسر سحر النص بالارتجال الأرعن، ويخلط الوهم بالخيال والعلم بالدجل، فيأتي العمل ذميما مكشوف العورة، مخالفا للمنطق وقاصرا عن الإقناع. ذلكم هو الدور الذي اسند لبعض الأطراف التي تحاول تقمص البطولة في مسلسل طويل ومُمٍّل من أدوار الخيانة والعمالة للعدو، ممن لم يتقبلوا فكرة أن بقيت الجزائر عصية على استدمار الأمس ومؤامرات اليوم. و يا ليتهم أتقنوا الدور وتفننوا في أداءه، بل من شدة غبائهم راحوا يفضحون أنفسهم من أيام فقط، بالكشف عن خطة عرابيهم بأنهم سينفذون المرحلة الأولى من خريطة إسقاط الوطن، خلال شهري أوت وسبتمبر، وبتعرية خيوط المؤامرة من خلال شرحهم لكيفية تطبيقها عبر التحرش بمؤسسات الدولة والتضليل والكذب وقلب الحقائق، أملا في استدراك ربيع الصهاينة في الوقت الضائع. عندما تتكلم العاهرة عن الشرف هؤلاء الممثلون الفاشلون ممن يؤدون دور الخيانة ويزعمون البطولة في دراما الانبطاح والخنوع لمن يتربص بالوطن، صاروا ولشدة حماقتهم وقلة حيلتهم يعمدون للكذب المكشوف والمتواصل من خلال تزييف الحقائق على الرغم من محدودية خيالهم. فكيف لمن يرتمي في حضن استعمار الأمس أن يدعي الوطنية ولمن يتحالف مع رعاة الإرهاب ومنظِّريه بل ويدافع عنهم ويدعو للتحالف معهم، أن يتجرأ على التشدق بشعارات حقوق الإنسان، ولمن يضع يده في يد صُناع العنف والتقتيل والدمار والدم والنار، أن يتباكى بدموع التماسيح على ظاهرة العنف في الملاعب التي اجتاحت الدول المتحضرة والنامية على السواء. ولكن يا ليتهم اختاروا موضوعا آخر يتقنون الخوض فيه، فربما استطاعوا إقناع قارئيهم محدودي العدد، كموضوع الهروب من العدالة كلصوص الفجر وكيفية التسلل عبر الحدود البرية بالتواطؤ مع شبكات المهربين التي لا تتحرك إلا برعاية شبكات الإرهاب، أو موضوع التخابر مع نفس الجهات التي خططت لإسقاط سوريا وليبيا وتونس. ولكنهم ولسوء حظهم فضلوا الخوض في موضوع لا يفقهون فيه شيئا ولا يعلمون عن تفاصيله الفنية والقانونية والعملية، إنه موضوع العنف في الملاعب. العنف في الملاعب ظاهرة عالمية مقارنة بدول أوروبية وعربية شهدت أقسى فصول العنف في ملاعب الرياضة، فإن المجتمع الرياضي الجزائري يعتبر من أقل المجتمعات عنفا في العالم وهذه حقيقة تؤكدها الأرقام. ولقد سبقتنا دول متطورة في معالجة الظاهرة، بعد أبحاث علمية معمّقة بيّنت أن التعامل مع عنف الملاعب ليس أمنيا بالضرورة، بل يتطلب، بالدرجة الأولى، جملة من الإجراءات الاجتماعية والنفسية والإعلامية والاتصالية والقانونية والتكنولوجية والتنظيمية. ولعل أكثر الدول اكتواء بنار عنف الملاعب صارت اليوم مضرب المثل في حسن تنظيم المباريات ومثالية الجماهير. هذه الدول توصلت إلى هذه النتائج ليس عن طريق الزج بالعشرات من رجال الشرطة داخل الملاعب ولكن من خلال وضع تصورات تنظيمية مدروسة ودقيقة تمكنت من تحديد أصل الداء وتصور الحلول العملية المناسبة له. الجزائر التي لا تدعي السبق في الوقاية من العنف في الملاعب حاولت حقيقة أن تستفيد من تجارب الدول التي سبقتها في الميدان، بل وحاولت أن تكيف إجراءاتها مع خصوصياتها الاجتماعية والنفسية والهيكلية والقانونية. فسحب الشرطة من داخل الملاعب ليس تخل عن مسؤولية الحفاظ على سلامة المواطن والممتلكات العامة والخاصة، وإنما هو إجراء قانوني يعيد الاعتبار لمهام الأمن الوطني طبقا للدستور والقانون. فحقل نشاط رجل الشرطة يكون على الطريق العام وفي الفضاء العمومي وليس داخل أسوار المنافسة الرياضية التي تعد من اختصاص الأمن الداخلي، وإلا لتم زرع رجال الشرطة داخل أقسام الدرس بحجة العنف المدرسي، وداخل غرف النوم بحجة العنف الأسري وداخل قاعات الترفيه والعروض وفضاءات التسوق وغيرها. ولحد اليوم تعد الجزائر من الدول القليلة والنادرة التي كانت تثقل كاهل الشرطة بمهام تتجاوز اختصاصها كتأمين الملاعب من الداخل. فالشرطة موجودة في محيط الملاعب وبشكل أكثر كثافة وبوسائل أوفر وأفضل لحماية الجماهير الرياضية وممتلكاتها وللحفاظ على النظام العام بصورة أشمل. بينما تركت مهام تأمين هياكل النشاط الرياضي من الداخللأصحابها طبقا للقانون والتنظيم المعمول بهما. وهذا الإجراء القانوني تطبقه كل دول العالم المتطور ولا يختلف فيه اثنان، بل هو ضروري وحتمي لدعم دولة القانون وتكريس المهام الدستورية لجهاز الشرطة ودعم احترافيتها وتخصصها، حتى تتفرغ لنشاطاتها الأساسية المتمثلة في مكافحة الجريمة والوقاية منها والحفاظ على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات. وكما هو الشأن بالنسبة لظاهرة العنف على الطرقات والتي فهم الجميع في الأخير بأنها ليست مسؤولية رجل الشرطة المكلف بتنظيم حركة المرور وإنما هي مسؤولية الجميع بدءا من المدرسة ومرورا بكل القطاعات المخول لها أعمال الاتصال والتوجيه والتنظيم والتقنين والتسيير والصيانة والوسائل والمناهج، فإن ظاهرة العنف في الملاعب هي مسؤولية الجميع بلا استثناء. وبالتالي فان اجتهاد الشرطة كمؤسسة جمهورية محترفة وعصرية، لدعم احترام تخصصها في ظل الدستور والقانون، هو دعم لأمن المواطن وممتلكاته، حيث يتعيّن على كل طرف معني تحمل مسؤوليته ضمن نطاق صلاحياته، كما لا يمكن لجهاز الأمن الوطني أن يضطلع، إلى ما لا نهاية، بأعباء وظائف هو غير مطالب بها قانونا، إذ تُشتت جهوده وتحيد به عن مهامه الأصلية. إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن الأمن الخاص ينظمه القانون وله أحكامه وشروطه ولا يمت للأمن العام بصلة، كما أن القانون والتنظيم يحددان أحكام الأمن الداخلي ويشخصان اختصاصه وطبيعته ووسائله، وبالتالي فإن من يحاول الربط بين تكريس جهاز الشرطة لجهوده المتواصلة في سبيل دعم احترافيته وعصرنته ومطابقته لأحكام الدستور والقانون، مع تداعيات ظاهرة اجتماعية يخضع علاجها لآليات تختص فيها قطاعات أخرى، إما جاهل يحاول أن يوهم الناس بعلم ليس له أو كاذب فاسق أوحى له شيطانه أن يقذف غيره ويرميهم بالأباطيل. إن الشرطة الجزائرية التي دفعت خيرة أبناءها عربونا لحماية الوطن من الإرهاب الهمجي، وأأرقت عيون نساءها ورجالها سهرا للدفاع عنه ضد عصابات المجرمين والمتربصين به بين عدو وعميل، لم تتخل في يوم من الأيام عن مهامها الدستورية، بل تحملت ما لم تتحمله مؤسسات أخرى من أعباء لم تكن ملزمة بها قانونا، إيمانا منها بمبدأ الشرطة في خدمة الشعب. وإن قرار إسناد الأمن الداخلي بهياكل المنافسات الرياضية لأصحابه، إنما هو التزام بالقانون ودعم لدور الشرطة في تحقيق الأمن والحفاظ عليه، في إطار المهام المنوطة بها. وليس بالغريب على من باع وطنه وشرفه وارتمى في حضن أعداءه، أن يختلق الكذب للطعن في نزاهة مؤسساته، خدمة لأسياده وطمعا في فتات موائدهم، لكن الغريب أن يحل من وضع يده في يد من نشروا التقتيل والتفجير والدمار ومارسوا بقر بطون الحوامل وجزّ رؤوس الشباب ونحر الرضع وتمزيق أوصال الشيوخ، ليتباكى على عنف مدرجات الملاعب، فيفتي فيما ليس له به علم، ويقذف مؤسسات الدولة بالكذب، إنها العاهرة التي تتكلم عن الشرف.