صدر مؤخرا كتاب موسوم ب"الإسلام الأمازيغي..أو قصة إيمان" للأستاذ الكاتب محمد الصغير ضيف، تضمن أربعة فصول، ويقول عنه المؤلف أنه جاء بإرادة تختلف عما سبقها، من حيث المعالجة والتحليل والتعامل مع المادة التاريخية. ورفض الكاتب محمد الصغير ضيف القيام بدور المؤرخ، وإنما القيام بتحقيق ذلك الطموح نحو إنشاء بناء تقل عيوبه، وفي الوقت نفسه بدعة البناء، فلا يحرم من إضافة يضيفها إلى الخبرة العامة. ولأن استحضار التاريخ ليس سوى استحضار لما دوّن وكتب وأُلّف، فإن مشروعية عمل محمد الضيف تأتي من كون لا أحد يملك الحقيقة التاريخية المطلقة، والتي تظل رهينة النسبية، كما نسبية موضوعية هؤلاء من المؤرخين ومدونة الملل والنحل، ورغم ذلك فإنه لاشك في أن المعترضين لهذا، والذي قد يرونه نوعا من التطاول على الحقيقة نفسها، وهو اعتراض له تبرره في حملات التلقين عبر قرون وقرون من درس الإملاء والإلقاء، ولعل خطورة التاريخ تكمن في اليقين الذي يبثه في نفسيات الشعوب، يقين ليس تصمد أمامه الحجة والبرهان إلا بالقدر الذي يوفره الهامش من الحرية في النقد وتهديم المسلمات وإعادة البناء مجددا للحقيقة. ومن هنا تأتي خطورة البحث الذي نقوم به. فكتاب "الإسلام الأمازيغي..أو قصة إيمان"جاء ليقول بإمكانية تعدد الحقيقة، ناهيك على نسبيتها، جاء ليقول بأن الإسلام ليس الذي سوقته السلطات السياسية الغالبة عبر التاريخ ونشرته بين الناس، ليس هو الذي تريده الأرثذوكسيات المتنافسة، سنية وشيعية.. أن تفرضه كحقيقة إلهية، يصر المؤلف على تأكيده. الكتاب جاء ليمنح الحق في النظر إلى التاريخ كما لو أنه يتشكل منذ لحظته الأولى، لحظة الانبثاق الأول لمفهوم الإيمان مع الإسلام كظاهرة متجددة للوحي السماوي، ليربط من جديد الأرض بالسماء. وهذه المرة يكشف لنا الكتاب خطورة الرواية التاريخية في توجيه الحقيقة، وممارستها على العقول، تماما الذي حصل مع الإخراج التاريخي لحدث "الخروج" والذي أسس لمفهوم "الفتنة" بتعبير المفكر التونسي هشام جعيط، أين يشهد الحدث عملية ترحيل كلي للانتباه الإسلامي المركزي في ذلك الوقت، عبر المؤرخين وكتاب المقالات، من أجل شيطنته وتدنيسه. بهكذا قراءة تأسس مركز وهوامش، مركز يحظى بالحقيقة كلها، وبالقداسة التي ظل يستمدها عبر استغلاله لما هو مقدس، الدين والقبيلة. وهوامش، حُرمت من كل ما هو ذي قيمة ومرجعية، وبقيت تعبر تاريخيا على الخطيئة وعلى الإثم، فانعكس ذلك على وجودها، إما في شكل مذاهب وفرق تم سحقها من طرف المركز، كحال المعتزلة، والفلسفة، أو أخرى تقلص ظلها، كحال الإباضية. هو هذا الذي وقفنا عليه من خلال بحثنا في الاتجاهات التي سلكها التاريخ "العربي الإسلامي" منذ الوحي السماوي، ومرحلة النبوة وولادة الإيمان الأول في الجزيرة العربية عموما والمدينة خاصة. وكذلك سار التاريخ مع عمليات توسع العرب بالإسلام، والتي أخذت تشمل فيما بعد كل أرض المعمورة، حيث يتم في كل مرة تصدير أنموذج الإيمان المتجلي في الجسد العربي عبر تجربة المدينة ومكة أيضا، خاصة بصورته التي بان عليها بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالأخص ما بعد اغتيال عثمان - رضي الله عنه - الخليفة الثالث، وظهور الصراع والاقتتال بين الصحابة، نتاج النبوة ودولة المدينة. إن" الإسلام الأمازيغي.. أو قصة إيمان" إذا كان هو محاولة إعطاء الذات فرصة البوح والنوح، فهو أيضا تجل لوضع الأقليات التي شكلت على طول الزمان من التاريخ العربي الإسلامي، هذا الهامش الذي لا ينظر إليه إلا بنظرة الاحتقار والازدراء ونقص الأهلية وعدم النضج.