كونوا في منتهى التيقظ والاحتراس    العرباوي يشارك في قمّة المؤسسة الدولية للتنمية    خفض نسب الفائدة على القروض الاستثمارية.. ثمرة المشاورة الدائمة    الإذاعة الوطنية تربط جسور التواصل بين المواطن والسلطات    المشارك في المؤتمر 6 لرابطة"برلمانيون من أجل القدس": أعضاء وفد مجلس الأمة يلتقي إسماعيل هنية باسطنبول    اتفاق على استمرار وتوسيع التشاور مع باقي الفصائل الفلسطينية    الجزائر ..دور ريادي في ترقية وتعزيز الأمن الطاقوي    الرابطة المحترفة الأولى"موبيليس" (الجولة ال 24): تأجيل مباراة شباب قسنطينة- اتحاد الجزائر.. مولودية الجزائر بخطى ثابتة نحو اللقب، شبيبة الساورة تكتسح وادي سوف بدون تعب    يعيشون وضعية صعبة مع فرقهم: قبل توقف جوان.. 3 لاعبين يثيرون المخاوف في صفوف "الخضر"    الجزائر تصدّر 2.5 مليون قلم أنسولين إلى السعودية    مخلفة خسائر في الأرواح والمعدات في صفوف قوات الاحتلال: الجيش الشعبي الصحراوي يستهدف قواعد عسكرية مغربية    السلامة والصحة في الوسط المهني.. أولوية أولويات الجزائر    تحدّ آخر يرفعه الرئيس تبون.. وإنجاز تاريخي    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    انطلاق الاختبارات التطبيقية في شعبة الفنون.. لأوّل بكالوريا    قسنطينة: دخول "قريبا" فندق سيرتا العمومي حيز الخدمة بعد إعادة تهيئته    برج بوعريريج.. 152 مليار لتحسين واجهة عاصمة الولاية    الدورة الأولى للمشاورات السياسية بين البلدين مقرمان يترأس مع نظيره بالدوحة مضامين مذكرة التفاهم    بطولة إفريقيا لكرة الطائرة/ سيدات: فوز مشعل بجاية مام آسيك ميموزا الإيفواري    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    الحراك الطلابي العالمي الدّاعم للفلسطينيّين يصل إلى كندا وأوروبا    النخبة الوطنية تتألق في موعد القاهرة    وزير الموارد المائية والأمن المائي من سكيكدة: منح الضوء الأخضر لتدعيم وحدة الجزائرية للمياه بالموظفين    الترجي التونسي لدى الرجال يتوّج باللقب    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: انطلاق ورشات تكوينية في مهن السينما لفائدة 70 شابا    "حكاية أثر" مفتوحة للسينمائيين الشباب    برج بوعريريج.. 7 مخازن عملاقة لإنجاح موسم الحصاد    سونلغاز تفتح أزيد من 550 منصب شغل بولايات الجنوب    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا    البنك الإسلامي للتنمية: السيد فايد يشارك في الاجتماعات السنوية من 27 أبريل إلى 2 مايو بالرياض    انطلاق أشغال منتدى دافوس في الرياض بمشاركة عطاف    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    داس عنابة يؤكد: مرافقة قوية لمسنين دار الصفصاف لإدماجهم اجتماعيا وتدعيمهم صحيا    الرئيس يكرّم قضاة متقاعدين    وزير التربية لجمهورية زامبيا يزور جامعة الجزائر 1    عطاف يجري بالرياض محادثات ثنائية مع نظيره السعودي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: طرح الصعوبات التي يواجهها المخرجون الفلسطينيون بسبب الاحتلال الصهيوني    بغالي: الإذاعة الجزائرية ترافق الشباب حاملي المشاريع والمؤسسات الناشئة من خلال ندواتها    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    إتصالات الجزائر ترفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا لفائدة مشتركيها الى غاية 9 مايو المقبل    فلسطين : العدوان الإرهابي على قطاع غزة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    شبان "المحاربين" يضيّعون اللقب    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    تفكيك مجوعة إجرامية مختصة في السرقة    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقيقة، الذاكرة والتاريخ

يجمع أغلب متتبعي بول ريكور، بان أولى تدخلاته في مجال الابستمولوجيا التاريخية، كان جد مبكر، أي منذ سنة 1955 من خلال كتابه: " التاريخ والحقيقة " رغم تلك الموجة الجارفة التي ميزت الخمسينات والستينات في صعود الأطروحات الوضعية والعلموية مع البنيوية التي مست بعمق تحولات التخصص في التاريخ، ليس في الاتجاه الذي يأخذ بالتعاقبي، لكن في الاتجاه الذي يأخذ المستويات التزامنية وتحويل مركزية الإنسان مع إعطاء قيمة للذي ينفلت كالهامشي أو المختفي للفعل الإنساني . يؤكد بول ريكور أن التاريخ يقع ضمن ابستمولوجية مختلطة، وتتداخل فيه الموضوعية بالذاتية: " وتحت عنوان هذه الذاتية ننتظر شيئا مروعا غير الذاتية الجيدة للمؤرخ، إننا ننتظر أن يكون التاريخ تاريخا للبشر، وان يكون تاريخ البشر هذا مساعدا للقارئ الذي هذبه تاريخ المؤرخين، في بناء ذاتية من مستوى عال ورفيع، أي ذاتية الإنسان وليس ذاتيتنا الذاتية ". إن وظيفة المؤرخ، في نظر ريكور، هي شرعية المؤسسة التاريخية باعتبارها هي من تهتم بالإنسان والإنسانية: " هذا التذكير، يدق مثل الجرس، عندما يخفى قصده الحقيقي والأساسي، وينبهر بموضوعية خاطئة: تكون للإنسان لا نجد فيه إلا البنيات، والقوى والمؤسسات ولا نجد فيه أثرا للإنسان أو للقيم الإنسانية .
إن الموضوع الأساسي الذي اشتغل عليه ريكور في هذه الفترة، سيؤسس لكل تدخلاته في المجال التاريخي ومناقشته للمؤرخين، الذين وقعوا في هذه الفترة تحت صدمة الأطروحات الوضعية، كان هدف ريكور هو تبيان أن الممارسة التاريخية هي نشاط يقع في توتر قار بين موضوعية هي دائما ناقصة و ذاتية رؤية منهجية عليها أن تتخلص من الذات الذاتية وأن تتوزع بين ذاتية مفتوحة وإيجابية: ذات البحث والذات المرضية. فالمكان الذي يجب أن
يشغله المؤرخ، في نظر ريكور، هو خارجي بالنسبة لموضوعه وبالنسبة للمسافة الزمنية التي تفصله، وفي
موقف داخلي عن طريق تدخل قصديته من أجل المعرفة، وهنا بالضبط تحضر الذاتية التاريخية طوال البحث التاريخي، حيث لا طائل من القول بأن المؤرخ يريد استفادة الماضي كما وقع، وإنما أن يعيد تصوير هذا الحدث ويعيد تركيبه من خلال نظام أو أخلاقية معينة: لأن الموضوعية التاريخية، في نظر ريكور،
تكمن بالضبط في نبذ ادعاء مطابقة الماضي الأصلي، إذ أن عمل المؤرخ هو بناء نسق الواقع انطلاقا من فضاء المعقولية التاريخية، ومن هنا فإن التاريخ يهدف إلى تربية ذاتية المؤرخ: " لأنه يعكس ذاتية المؤرخ، يجب القول أن مهنة المؤرخ تربي ذاتية المؤرخ، إن التاريخ يصنع المؤرخ بالقدر الذي يصنع فيه المؤرخ التاريخ، بل، إن مهنة المؤرخ تصنع التاريخ والمؤرخ " . إن بحث ريكور حول مهنة المؤرخ، أثير له من عنوان كتاب " مارك بلوخ " واستلهم منه كل القواعد الأولية لتفكيره في التاريخ وفي أسئلته التي ستكون بالنسبة له اختيارات منهجية في إعادة تكوين الماضي انطلاقا من تحليلية تأخذ بعين الاعتبار مقولات التعقل والبحث عن العلاقات السببية ثم أفق الفهم والتفسير
الابستمولوجيا التاريخية:
لتوسيع ما كان قد بدأه في كتابه " الزمان والسرد " من إشكاليات: الزمان، السرد، التاريخ، الخيال، الهوية، يكمل ريكور بحلقات مفقودة في الكتاب الأول الذي لم يدرس فيه إِشكالية الكتابة التاريخية وإن حضرت من فترة إلى أخرى لم يدرس في " الزمان والسرد " أو في أطروحاته السابقة عن التاريخ، إلا ضمن العلائق أو الروابط التي أثارتها الإشكاليات المرتبطة بها كالذاتية والموضوعية، الحقيقية، التاريخ، السرد.... ها هو ريكور يفرض عليها اختيار ابستمولوجي يتحدد انطلاقا من كتابه " الذاكرة التاريخ والنسيان " والذي يعمل فيه على توسيع مختلف أنماط تمثلات الماضي ولكي يصل " ريكور " إلى مبتغاه يقترح لتحليله ذلك ثلاثة مستويات هي:
فينومنولوجيا الذاكرة، ابستمولوجيا التاريخ و هيرومنوطيقا الوضع الإنساني بالنسبة لفينومنولوجيا الذاكرة: يؤسس بول ريكور هذه الفينومنولوجيا على تمفصل مزدوج من جهة بين العودة إلى التذكر والبحث عن الذاكرة، ومن جهة أخرى بين الذاكرة الفردية المرتبطة بالجوانية Intériorité والوعي والمعرفة الخاصة. والذاكرة الجماعية المحددة انطلاقا من التمثلات المشتركة و لتحليل ذلك يجيل بول ريكور إلى مجموعة من المرجعيات النظرية التي ناقشت ذلك ابتداءا من أفلاطون، أرسطو والقديس أوغسطين وموريس هالبواش. لأن ظاهرة الذاكرة نوقشت من مختلف الجوانب بالنسبة للذات عينها أو للآخر أو حتى من الجانب الفردي إلى الجماعي، وهو الجوانب التي انشغلت عليها تلك المرجعيات والتي توزعت في تراثين الفلسفة اليونانية والتراث المسيحي اليهودي.
في الأولى سيرى ريكور، أن اللوغرس « Logos » الإغريقي يمثل الأساس الأولى للإجابة عن لغز تمثلات الماضي في الذاكرة، فأفلاطون كان قد طرح السؤال من خلال " الصورة-التذكر " L'eikon، أي تمثل حاضر لشيء غائب، من خلال محاورته تياتينوس Théétète، عند جوابه على أمر محير: هل بالإمكان أن نفهم شيئا دون أن نحس به، لغز إذن للحاضر في صورة الغائب. غير أن مشكلة أفلاطون في الصورة-التذكر، تمثلت في هذه العودة: " إلى مقولة التشابه لحل لغز حضور الغائب، لغز مشترك للخيال والذاكرة معا "، في نظر ريكور أن مفهوم الذاكرة عند أفلاطون عندما غاب عنه " الأثر " « Trace » شكل له عائقا في عدم الاعتراف بالطابع الزمني للذاكرة.
في حين يشيد، بول ريكور، بالمقاربة الأرسطية، التي أثارت عنصرا مميزا وهاما بالنسبة للذاكرة بصفتها تحمل علامة على الزمن: " الذاكرة هي من الماضي " « La mémoire et du passé » هي التي جعلت الانفصال ممكنا بين سلطة الذاكرة وسلطة الخيال وفي تحليله الفينومنولوجي يؤكد بول ريكور على الوظيفة الزمنية للذاكرة. يرسم ريكور كذلك لوحة
عن بعض التحليلات الفينومنولوجية للذاكرة في إطار عنصرين هما استحضار الذكرى « Présence du souvenir » والبحث عن الذكرى « Recherche du souvenir » وهو ما نجده في جهد التذكر عند برغسون.
ولما كانت: مسالة الذاكرة والذات هي نتاج تنظير فلسفي
طويل الأمد نجد أن هوسرل، دفع بإشكالية الذاكرة بعيدا عندما وحد بين الذاكرة والوعي الذاتي بالزمن، أضحت الذاكرة عنده مجرد تفكير في الذات عبر الزمن.
يعرج " بول ريكور "، كذلك على تحليل فريد للذاكرة متمثلا في مفهوم الذاكرة الجماعية " لموريس هالبواش " الذي ذهب إلى إنكار مفهوم الذاكرة الفردية، فبالنسبة إليه أن هذه الأخيرة تمثل حثالة للذاكرة الجماعية، ولم تتقبل كثيرا في الأوساط العلمية آنذاك: " ومن جهتي، فقد وصلت، بعد هم طويل على قناعة مفادها أن الذاكرة كحضور إلى الذهن لشيء من الماضي وكبحث عن هذا الحضور يمكن أن تنسب لكل الضمائر النحوية: أنا، هي، هو، نحن، هم...الخ .
يلاحظ ريكور، بعد المناقشات التي أوردها عن لمفهومات المختلفة للذاكرة والتذكر، سواء بالنسبة لفينومينولوجيا الذاكرة أو سوسيولوجيا الذاكرة، أنها لم تفلحا رغم اشتقاقها موقف قوي نشيد أنهما أمام الأطروحة المضادة لهما: ترابط حالات الوعي للأنا الفردي، من جهة ومن الأخرى للوحدات الجمعية التي تحفظ وتذكر بالذكريات المشتركة ".
ينتقل ريكور إلى عتبة أخرى، من عتبات الذاكرة والمتمثلة في " استعمال و سوء استعمال الذاكرة " وهي الذاكرة المرتبطة لمسار التذكير ولها صفة برغماتية ويميز فيها، بول ريكور، ثلاثة أنواع هي :
1-الذاكرة المعاقة « La mémoire empêcher »: تكون على المستوى المرضي-العلاجي، فيها تتكلم ذاكرة مجروحة أو مريضة، وهي الذاكرة التي يتعامل معها بالخصوص التحليل النفسي من خلال أعراض الاضطرابات ، الكبت، المقاومة والتحويل.
2-الذاكرة المتلاعب بها « La mémoire manipulée »: تكون على المستوى التطبيقي: وهي مرتبطة بالتقاطع الموجود بين الذاكرة والهوية كانت فردية أم جماعية، ومشكلتها تكمن في الانثناء على الذات وأما تلاعبات الحروب والصدمة مع الآخر.
3-الذاكرة الملزمة « La mémoire obligée »: تكون على المستوى الاخلاقي والسياسي، وهي المرتبطة بما يعرف بواجب الذاكرة القائمة على الأمر، إلا أن الأمر يحمل تعسفا و يختزل العمل النقدي للتاريخ و يقترح ريكور في هذا المستوى القول بعمل الذاكرة « Le travail de mémoire »
بدل " واجب الذاكرة " le devoir de mémoire، في هذه الفينومنولوجيا المقترحة للذاكرة، يكون " ريكور " قد قارب لأسئلة التي انطلق منها: من ماذا هناك تذكر ؟ وممن هي الذاكرة ؟، نجده، يعطي الأولوية للمقارنة الموضعية، أمام المقارنة: " الناوية " وهو هنا وفي لهوسرل وقصديته ، الوعي دائما هو وعي بشيء إلا أن هذا لا يعني بالنسبة لريكور الانخراط في فلسفة ذاتية تحيل إلى شيء أو مثالية، فالوعي بالنسبة له هو خصوصا انفتاح
أما الأبستمولوجيا التاريخية: يدافع " بول ريكور " عن استقلالية المعرفة التاريخية بعيدا عن الذاكرة، باعتبارها تخصصا علميا وأدبيا. وباعتبار " أن التاريخ هو الوريث العالم للذاكرة " حسب عبارة " د. جيرفيلينو " « D. Jervvrlino » وفي قلب الجزء الخاص بهذه الأبستمولوجيا، يستعيد بول ريكور عبارة " العملية التاريخية " L'opération historique " من مشيل دي سارتو " في بعدها الثلاثي في المصدر منظم بخطاطة مجموع العملية التاريخية، ولا ينبغي فهم هذه العملية كمراحل متتابعة ولكن كلحظات منهجية متداخلة بعضها مع بعض، وهذه العملية بالنسبة له مثله في ذلك مثل " ميشال دي سارتو " هي ممارسة وصنع، يقسمها كذلك إلى ثلاثة مراحل
غير متفرقة هي:
1-المرحلة الوثائقية: وفيها يحدث التاريخ قطيعة مع الذاكرة عندما يقوم بموضعة الشهادات لتحويلها إلى وثائق: " لأن الشهادة تقودنا في الحال من الشروط الصورية إلى محتوى الأشياء الماضية وإلى شروط وإمكانية البداية الحقيقة للعملية التاريخية ، وبواسطة الشهادة يفتح التحقيق الابستمولوجي الذي ينطلق من الذاكرة المصرح بها « déclarée »، ليمر عبر الأرشيف والوثائق وينتهي بالدليل الوثائقي وهذا يعني تطبيق أدوات وقواعد المنهج النقدي على المصادر داخليا وخارجيا والتمييز فيها بين الخاطئ والصحيح، وفي هذه المرحلة عندما يواجه المؤرخ الأرشيف يبدأ بطرح الأسئلة عن ما حدث فعلا ؟ لأن مفاهيم الحقيقي / الخاطئ يمكن أن يؤخذ في هذا المستوى بشكل مشروع بالمعنى " البوبيري " Poppérien للدحض ولما يكن التثبتت منه.
فالمؤرخ في هذا المستوى هو في مدرسة الشك والارتياب عند يقوم بموضعة الأثر، ذلك أن القرينة الوثائقية هي بين توتر شديد بين قوة استعمال الشهادة «Attestation» وعدم الوثوق فيها Contestation: " هل يستطيع التاريخ الانفلات من حبال الذاكرة التصريحية déclaration ؟
يجيب المؤرخ دون شك بأن التاريخ في مجمله، يقوي الشهادة العفوية بنقد الشهادة. وذلك لمقابلة الشهادات المتنافرة، من أجل إنجاز خطاب أو قصة محتملة .
2-مرحلة الشرح / الفهم: في هذه المرحلة نتأكد جيدا استقلالية التاريخ عن الذاكرة على المستوى الابستمولوجي. وأن هذه المرحلة كانت متداخلة مع المرحلة التي سبقتها: بالقياس إلى أنه لا توجد وثيقة دون تساؤل، ولا تساِؤل دون مشروع للشرح ، ويختلف ريكور عن ديلتاي وتفريق هذا الأخير بين الشرح والفهم، ريكور يدعونا إلى عدم التفريق بين هذين المستويين. أما بالنسبة للتأويل فهو مقولة واسعة، تستعمل في المستويات الثلاثة للابستمولوجيا التاريخية يقول: " في هذا المعنى التأويل هو ملمح البحث عن الحقيقة في التاريخ التي تمر عبر المستويات الثلاثة: وهي قصدية الحقيقة نفسها لكل العمليات الاسطريوغرافية، التي يشكل التأويل أحد مكوناتها " في اندثار وجود الماضي، إن أشياء الماضي اندثرت لكن لا أحد يستطيع القول أنها لم تكن ". ولحل هذه الازدواجية، يلجأ بول ريكور إلى " تاريخ العقليات " الذي تأكدت نقائصه لالتباسه وغموضه،
إلا أن موضوع التمثلات حلت محله باعتبارها أحد الأغراض المفضلة للمؤرخ حينما يجعل منها مرجعا
مميزا إلى جانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فمسألة التمثلات كما يشير ريكور إلى ذلك وفي مواضع مختلفة تتداخل في كل مراحل العملية التاريخية وخصوصا مرحلة الكتابة: " إن مقولة التمثيل تظهر مرة أخرى، لكن في إطار نظرية التاريخ، في المرحلة الثالثة من العملية التاريخية، حينما يبدأ عمل المؤرخ من الأرشيف وينتهي إلى نشر كتاب يعطى للقراء. كتابة التاريخ تصبح كتابة أدبية يطرح سؤال مقلق: كيف تشد العملية التاريخية أو تتوج طموح الحقيقة. وبماذا يتميز التاريخ عن الذاكرة عندما يواجه بأمنية الوفاء لتلك الأخيرة ؟ وبشكل أدق، كيف ينجح التاريخ في اختلافه مع القصص Fiction ؟ لذلك يصبح التاريخ تمثلا Représentation للماضي، وهو الشيء الذي لا يكونه القصص وعلى هذا تكرر الاسطريوغرافيا في مرحلتها الأخيرة اللغز المرفوع من طرف الذاكرة في مرحلتها الأولى ".
إن تضافر، مجموع المراحل الثلاثة تداخلها: الكتابة «Scriptualité» الشرح / الفهم والقرائن الوثائقية، كفيلة بمد الحقيقة للخطاب التاريخي ولعل مقولة التمثلية «Représentance» التي سينحتها ريكور للخطاب التاريخي، -ومطابقة هذا الأخير للحدث التاريخي – هي التي تعطى وتضفى معنى لقراءة الحدث التاريخي، من جهة علاقة الذاكرة بالماضي ومن الأخرى إلى علاقة التاريخ بالماضي أي القصدية ذاتها للخطاب التاريخي، نعتقد أن مقولة التمثلية هي نوع من التسويغ لفكرة الخيال التاريخي ورد على السرديين في أطروحاتهم عن التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.