لم يكن انجاح المسار الانتخابي في 2014 و قبله التوافق حول الدستور التحديات الوحيدة التي تعمل الحكومة التونسية على تبنيها بقوة و التأكيد للعالم أن هذا البلد الافريقي الصغير بمساحته و الكبير بطموحه ماضٍ في مسيرته الديمقراطية التي لا تستثني أحدا إلّا من استثنى نفسه ،فالعمل الارهابي وقّع شهادة وجوده في تونس و قال بأعلى صوته من خلال العملية النوعية على متحف الباردو في العاصمة أنه أمام الحكومات التونسية المتعاقبة مزيدا من العمل و التخطيط وفق استراتيجيات لا ينفذ إليها مجرد الماء من أجل استئصال هذه الجرثومة الخطيرة التي تحاول أن تعشش في المجتمع التونسي. كما أنّ الهجوم على متحف "الباردو"، الذي طرح المخاطر المحدقة بالقطاع السياحي الذي يعتبر حيويا بالنسبة للاقتصاد التونسي ، هو أول عملية تستهدف أجانب في تونس منذ الهجوم على كنيس الغريبة في جربة عام 2002 وهو أول هجوم يتبناه تنظيم "الدولة الإسلامية " ولكن بالعودة إلى أسباب تفاقم ظاهرة الإرهاب وانتشارها في صفوف شباب تونسي ينتمي إلى مجتمع عرف باعتداله وانتسابه للمذهب المالكي الذي يؤكد العديد من المؤرخين بأنّه أساس تماسك شعوب المغرب العربي يضع كثيرا من الخبراء أمام هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع التونسي المتوازن و يقول هؤلاء أن انتشار التطرف في تونس وقع أيضا في عهد بن علي حيث شهدت البلاد عمليتين سابقتين الأولى على معبد الغريبة اليهودي بجزيرة جربة، والثانيّة هي الأحداث المسلحة في مدينة سليمان شمال البلاد. والمؤسسة الأمنيّة تؤكّد بأنّ جلّ العمليات التي حدثت بعد الثورة تورّط فيها سجناء أحداث سليمان الذين أسعفتهم الثورة بالعفو التشريعي العام. لكنّ المتأمّل يمكنه أن يعي بأنّ المتطرفين التونسيين موجودين في كلّ أرض وفي كلّ زمان و منهم القادمون من الخارج بعد تدربهم على القتال في بلدان عربية تعيش حروبا . لا شكّ بأنّ التطرّف صناعة وأنّ مصانعه عديدة ومنتشرة في العالم وأنّ من يشتري هذا المنتج كثر. ولعلّ الشباب التونسي المندفع بسبب غياب تكوين ديني في ظلّ الدكتاتورية السابقة قد أنتج آلات قتل تدك المجتمع التونسي وتهز استقراره بين الفينة والأخرى . و يقول متتبعون أن التطرف الديني يكبر وينمو وسط الأحياء الفقيرة المعدومة التونسية ورقعته تتسع وتتمدد بين احضان التهميش والجهل و الأمية فالأحياء الشعبيّة والقرى المنسيّة في تونس تحولت الى خزّان اجتماعي وقاعدة واسعة للإرهابيين والجهاديين ولأنصار الزواج العرفي وجهاد النكاح وفقا لشهادات المتتبعين للواقع التونسي من سياسيين وحقوقيين ومثقفين. ويتغلغل سلفيو تونس في مناطق معوزة تحت ستار الأعمال الخيرية والدعوية رغم تحذيرات من انتشار الفكر السلفي المتطرف بين الفقراء. أنصار الشريعة ينفذون عبر أعمال الخير المشكوك في تمويلها ويعتبر تنظيم 'أنصار الشريعة ' السلفي المتشدد الذي يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في تونس ، من أكثر التنظيمات السلفية نشاطا في المجال الخيري حيث يود رواده التموقع من خلال التغلغل في المجتمع التونسي ويثير تمويل أنشطة السلفيين 'الضخمة' جدلا كبيرا في تونس لا سيما ان الاغلبية الساحقة منهم قضوا حياتهم بين جدران و المنفى ، وتتساءل الاغلبية الساحقة في تونس عن الثراء المفاجئ للسلفيين الذين كانوا يعجزون في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي عن توفير لقمة الخبز . وتنعدم في الاحياء الفقيرة الشروط الدنيا للحياة المقبولة فيستغل المتشددون من أصحاب الفكر السلفي الجهادي الأمر لمنح فئات ضعيفة وأمية الإعانات النقديّة عن طريق الاشخاص والجمعيات ومن ثمّة تجنيدهم. بعد كسب تعاطفهم. و عليه فالأحياء الفقيرة تعدّ بيئة حاضنة للإسلام السياسي المتشدد نظرا لتوفر عدد من الشروط منها إحساس الناس في تلك المناطق بالإهمال والغبن من قبل الدولة،فيتم استغلال هذا الشعور لتوظيفه واستقطاب عناصر غاضبة وثائرة على الدولة وتوجيهها نحو المسلك العنيف. هذه الاحياء هي دائما خارج سيطرة الدولة بالمعنى القانوني إذ تقل فيها رقابة الدولة. هناك يعيش السكّان على الهامش غير مرتبطين بالحكومة وهذه كلها عوامل مساعدة على تنامي الارهاب". ويتخذ التطرف الديني اشكالا عديدة ومتنوعة ومفاهيم غريبة وغير مألوفة ولا يقبلها في كثير من الاحيان العقل حيث يتحول القتل في شريعة المتشددين الى جهاد في سبيل الله. كما أن التطرف عادة ما يبدأ بالعزلة و المقاطعة ، حتى يصل إلى إصدار حكم فردي على ذلك المجتمع بالردة والكفر ، والعودة إلى الجاهلية. ثم يتحول هذا الموقف الانعزالي عند البعض إلى موقف عدواني يرى معه المتطرف أن هدم المجتمع ومؤسساته هو نوع من التقرب إلى الله وجهاد في سبيله ، لأن هذا المجتمع – في نظر المتطرف – مجتمع جاهل منحرف ، لا يحكم بما أنزل الله. هنا يتدخل المجتمع لوضع حد لهذا التطرف ومصادره ، باعتباره نشاطاً يصل بصاحبه إلى الاصطدام بالعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساء هؤلاء استخدام تفسيرهما ، ودعاهم هذا إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم ، وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم أو حقوقهم و مصادر رزقهم كما هو الحال في تونس .