مشروع جمع البيانات اللغوية لأطلس اللغات لليونسكو في طور الانتهاء    تلمسان … الإطاحة بشبكة منظمة يقودها مغربيان وحجز أزيد من قنطار كيف    الوزير الأول يستقبل السفير الإيطالي بقصر الحكومة    صيد بحري: بداني يؤكد سهر القطاع على تحسين الظروف المهنية للصيادين    الجالية الوطنية بالخارج: الحركة الديناميكية للجزائريين في فرنسا تنوه بالإجراءات التي اقرها رئيس الجمهورية    سونلغاز و شركة هيونداي للهندسة يبحثان وضعية تقدم المشاريع المشتركة    صورية مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    التزام السلطات العمومية بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    أولاد جلال: انطلاق الأيام الوطنية الأولى لمسرح الطفل    البطولة المحترفة الأولى "موبيليس": نقل مباراتي إ.الجزائر/م. البيض و ش.بلوزداد/ ن. بن عكنون إلى ملعب 5 جويلية    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    بن سبعيني على خطى ماجر ومحرز..    توقيف 289 حراقاً من جنسيات مختلفة    الحملة الوطنية التحسيسية تتواصل    قالمة.. وفد عن المجلس الشعبي الوطني يزور عددا من الهياكل الثقافية والسياحية والمواقع الأثرية بالولاية    بن طالب: الزيادات التي أقرها رئيس الجمهورية في منح المتقاعدين لم تعرفها منظومة الضمان الاجتماعي منذ تأسيسها    تقديم أول طاولة افتراضية ابتكارية جزائرية    مسيرة حاشدة في ذكرى مجازر 8 ماي    بوغالي: عار المُستدمِر لا يغسله الزمن    انطلاق لقافلة شبّانية من العاصمة..    مجازر 8 ماي عكست الهمجية الاستعمارية    توقرت: أبواب مفتوحة حول مدرسة ضباط الصف للإشارة    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف حول استخدام تقنية ال"فار" في الجزائر    دربال: قطاع الري سطر سلم أولويات لتنفيذ برنامج استعمال المياه المصفاة في الفلاحة والصناعة وسيتم احترامه    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : تنظيم معرض ثري للدراجات النارية بالخروبة للتحسيس بحوادث المرور    رئيس الجمهورية يستقبل وزير خارجية سلطنة عمان    منظمة التحرير الفلسطينية تؤكد أنه لا بديل عن الدور الحيوي لوكالة "الأونروا" في دعمها وإغاثتها للاجئين    شبكة الموزعات الآلية لبريد الجزائر ستتدعم ب 1000 جهاز جديد    رئيس الجمهورية: السيادة الوطنية تصان بالارتكاز على جيش قوي واقتصاد متطور    "الأونروا": الاحتلال الصهيوني هجر قسريا نحو 80 ألف فلسطيني من رفح خلال 3 أيام    البروفسور بلحاج: القوانين الأساسية ستتكفل بحقوق وواجبات مستخدمي قطاع الصحة    العاب القوى/ البطولة العربية لأقل من 20 سنة: الجزائر تفتك خمس ميداليات، منها ذهبيتان    إحياء ذكرى ماي الأسود: تدشين مرافق صحية وسياحية بقالمة    ساهمت في تقليل نسب ضياع المياه: تجديد شبكات التوزيع بأحياء مدينة البُرج    المطلوب تحقيق دولي مستقل والوصول للمقابر الجماعية بغزة    المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة: انطلاق عملية الحجز الإلكتروني للغرف للحجاج    أكاديميون ومهنيون يشرحون واقع الصحافة والرقمنة    لقاءات بين "ملائكة الأعمال" والطلبة المقاولين في الأفق    وفد وكالة "ناسا" بجامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين    أولمبيك مرسيليا يبدي اهتمامه بضم عمورة    زحافي يؤكد أن حظوظ التأهل إلى الألعاب قائمة    التزام المتعاملين في السياحة بتقديم أسعار ترويجية    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    قافلة شبانية لزيارة المجاهدين عبر 19 ولاية    استزراع صغار سمك "الدوراد" بسواحل العاصمة    ليفركوزن يبحث عن بطاقة نهائي البطولة الأوروبية    نساء سيرتا يتوشحن "الملايا" و"الحايك"    تراث حي ينتظر الحماية والمشاركة في مسار التنمية    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    التصفيات الجهوية المؤهلة للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم : مشاركة قياسية للفرق المسرحية والتكوين رهان محافظة المهرجان    مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السنفونية : فنزويلا في أول مشاركة لها والصين ضيف شرف للمرة الثانية    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بشاعة مستعمر
الذكرى ال 51 لتفجيرات رڤان
نشر في الجمهورية يوم 12 - 02 - 2011

لا يمر شهر فبراير من كل سنة في الجزائر، دون أن يثير في الذاكرة الجماعية الجزائرية الأشجان ودون أن يحيي في ضمائر الجزائريين الجراح ويقلب عليهم المواجع، ففي الثالث عشر من هذا الشهر، يتذكر الجزائريون بألم عميق إنطلاق سلسلة التفجيرات النووية التي قام الإستعمار الفرنسي في الصحراء الجزائرية، وفي منطقة رڤان على وجه الخصوص، محاولة منه للإلتحاق بركب الدول المتقدمة في مجال الذرة والنواة في الستينات من القرن الماضي، على حساب إحدى مستعمراته آنذاك، وكانت بذلك الجزائر ضحية هذا المسلسل الإجرامي الذي تبقى إنعكاساته السلبية جلية على البيئة والإنسان والحيوان والنبات لحد الآن، بسبب إنتشار الإشعاعات النووية، والتي يبقى مفعولها مؤثرا على مدى عشرات السنين حسبما تؤكده الدراسات في هذا المجال.
وحرصت فرنسا في تنفيذ مسلسلها النووي، على تسمية كل تجربة بأسماء ألوان العلم الفرنسي، ففي صبيحة يوم 13 فبراير من سنة 1960، فجرت القنبلة الأولى تحت إسم اليربوع الأزرق، بطاقة تفجير بلغا 60 كيلوطن، بمنطقة حموديا الواقعة على بعد (60) كلم عن مدينة رڤان، ويقال أنها تعادل في قوتها ثلاث مرات قوة القنبلة النووية التي رمى بها الأمريكان على مدينة هيروشيما، تلتها في 01 أفريل 1960 تفجير قنبلة اليربوع الأبيض، بطاقة 10 كيلوطن، والثالثة في 27 أفريل 1960 سميت باليربوع الأحمر، ورابعة في 25 أفريل 1961 بطاقة تفجيرية قدرها 10 كيلوطن، سميت باليربوع الأخضر.
قبل تفجير 13 فيراير 1960، لاحظ سكان منطقة رڤان بولاية أدرار، أنّ ثمة تحركات غير عادية للقوات الفرنسية التي إتخذت إجراءات صارمة ومراقبة دائمة للسكان، إستخدمت فيها البيئة والمحيط من بشر وحيوانات ونباتات وخيام بسرية تامة، ولم يخطر للسكان أنهم سيصبحون أهدافا للتجربة النووية، وأنهم فئران بشرية للمخبر الفرنسي، وزرع الفرنسيون والقائمون على التجربة، كميات من البذور النباتية موضوعة بصناديق وطلبوا من السكان توزيعها ووضعها على مسافات معنية متباعدة عن مركز نقطة التفجير المقرر وتبعد الواحدة عن الأخرى مسافة نصف كيلومتر، ثم طلبوا من السكان جمعها بعد التجربة، لقد أخبرت السلطات العسكرية الفرنسية السكان آنذاك أن حدثا كبيرا سيقع في تاريخ معين حددته لهم، وأنه يتوجب عليهم فور سماعهم لدوي إنفجار قوي، أن يجثموا على الأرض، وأن يضعوا رؤوسهم في التراب، وأن لا يعودوا الى حالهم الذي كانوا عليه، إلا بعد عودة الأمور الى طبيعتها الأولى وزوال صوت الإنفجار وما يتبعه من آثار، كما أن السلطات العسكرية، أعطت كل شخص يقطن هناك قلادة بسيطة مع كل واحدة منها قطعة معدنية صغيرة، بها رقم تسلسلي يقابل هوية الشخص الذي يحملها وفق ما كان قد تم تقييده قبل توزيع القلادات، في سجلات خاصة تحضيرا لعملية الإنفجار، لقد أوهم الفرنسيون السكان بتعليق أفلام التحسس الإشعاعي على صدورهم، وإخبارهم أنها "حروز" تقيهم من شر الإشعاع، والهدف من وراء ذلك، هو أن يتم التعرف على جثتهم في حال تشوهها من جراء الإنفجار ولمعاينة الخبراء نتائج الإنفجار على أجساد أشخاص تم إختيارهم ليكونوا موضوع تجارب، وقد قبل الناس أنذاك الموضوع كما طرح عليهم وأحاطوا رقابهم بالقلائد الفرنسية في سذاجة وبساطة.
وفي سذاجة وبساطة فلاحو وبدو الصحراء الذين تعمدت فرنسا محاصرتهم بالجهل والحرمان ولم يكن يخطر ببالهم بطبيعة الحال، أنهم يواجهون خطرا حقيقيا، ولم يكونوا يعرفون حتى معنى عبارة قنبلة نووية، ونقل الفرنسيون عددا من الأسرى والمجاهدين والسجناء، وعددا من اللفيف الأجنبي أولئك الضحايا يتجاوز 150 شخص، كانوا متساوون أمام الموت بالإشعاع، رغم علم دعاة حقوق الإنسان ورافعي شعارات (الأخوة والعدالة والمساواة)، أحد الشهود العيان من الذين تواجدوا قرب القنبلة النووية الأولى على بعد أمتار قبل التفجير، عبد اللّه عبد اللّه من مواليد 1938 يروي الفاجعة متحسرا على أرواح أولئك الذين أعدمتهم فرنسا بأبشع الطرق الإجرامية، يقول أنّه لم يكن يعرفهم، لكنهم كانوا جزائريين مثله ويتساءلو اليوم بأي ذنب فعل بهم المستعمر هذا الفعل؟!، يومها كان عبد اللّه يعمل في شركة تختص بأمور التبريد والتهوية في موقع التفجير، فكتب لهذا الشاهد، أن يكون شاهدا على جريمة حية من جرائم فرنسا يضيف عبد اللّّه قائلا، أنّ المستعمر أحضر شاحنة عسكرية، كان يصطف على متنها عدد كبير من الجزائريين فهم السكان ساعتها، أنهم مجاهدون ممن حكم عليهم بالإعدام، ليضيف مؤكدا أنهم ليسوا من المنطقة بل من الشمال الجزائري، فقد منعوا الجميع من التحدث معهم، كانوا واقفين مكبلي الأرجل والأيادي لا يمكنهم الحراك حتى رؤوسهم كانت متبثة بواسطة قضبان حديدية تمنعهم من الإلتفات الى اليمين أو الى اليسار، لكن عيونهم كانت تنوب عنهم في الكلام، يقول عبد اللّه كما كانت هناك خيام منصوبة في نقاط متباعدة عن نقطة التفجير وضع فيها مجاهدون ومدنيون بالقوة بعد أن طلب منهم الإنبطاح على وجوههم عند سماع صوت الطائرة فيما غادروا هم المكان بإتجاه رڤان المدينة، وبعد عودتنا في اليوم الموالي من التفجير بملابس خاصة، يقول شاهد العيان عبد اللّه لم نجد أي أثر لجثث بشرية ولم نستطع التعرف على الشاحنة التي تحولت إلى كتلة من حديد، أما الخيام ومن كانوا فيها، فلم نجد لهم أثرا يذكر لقد نجم عن التفجير جيل أسود لم يكن هناك قبل الأمس،
القصة الأليمة
في ليلة 12 فبراير 1960 طلب القائمون على الجريمة من السكان الإنتظار في المواقع التي حددت لهم سلفا وأوصوهم بعدم فتح عيونهم والتغطي بالبطانيات والبقاء في العراء حتى الساعة السابعة صباحا يقول أحد الناجين من المجزرة أجبرنا الجيش الفرنسي على الخروج من بيوتنا ليلة قبل الحادث وذلك عند غروب الشمس، أرغونا على التمدد على الأرض، وجوهنا نحو التراب رجالا وأطفالا ونساء، وركزوا على توصيتنا لغلق عيوننا ووضع أيدينا على أذاننا عند رؤية الطائرة وسماع صوت الإنفجار ورؤية وهج الضوء، وحدث الهول وإنقلبت الدنيا بما فيها عصف وإهتزاز وتطاير التربة وصوت الإنفجار، ونسي الضحايا كل التوصيات، تحت هول الضوء الساطع والعصف الذري الذي وصل لحظتها الى 80 كلم في الساعة، صاحبته ريح صرصر عاتية وعاصفة وهول إهتزت له الصحراء، ووصلت آثاره المناخية، بسقوط أمطار سوداء فوق البرتغال وشرق آسيا، وإرتفعت غمامة القطر النووي في السماء، لكنها سرعان ما جلبتها الرياح نحو المناطق الآهلة بالسكان كما خلف الإنفجار هوة سحيقة تعدى مدارها الأمتار وظل أثرها سنوات عديدة.
وبقي الموقع ولا زال مهجورا تغطيه طبقة من الغبار الذي تغوص فيه الأرجل حتى الركبتين، النتائج الأولية لهذه التجارب كانت مفزعة ، 35 حامل أجهضن عددا كبيرا من سكان القصور أصابهم العمى الوهجي الذي طال من هم على بعد أكثر من 30 كيلومترا وأصيبوا بأمراض عقلية، نقل الكثير من الأهالي إلى المستشفى العسكري الفرنسي بالقاعدة لمعاينتهم فقد دون اعطاء علاج، رقاني محمد بن هاشمي من مواليد 1937 كان وقتها يشتغل ممرضا بالقطاع الصحي الفرنسي رفقة الطبيب بيشودوغي كان آنذاك الموظف الجزائري الوحيد الذي كان ضمن القطاع الصحي الفرنسي بالمنطقة يؤكد اليوم أن فرنسا تعمدت استعمال سكان القصور كفئران تجارب، خصوصا بعد احصاء السكان لمدة 4 أشهر قبل التفجير دون استثناء أحد.
قبل أن تخرجهم للعراء غطاؤهم يوم التفجيرات كان السماء تاركين بيوتهم خالية مفتوحة النوافذ والأبواب وهم وسط الصحراء كما يروي محمد الرقاني أن الأرض التي وقع بها الإنفجار أجدبت ولم تنبت ولا عشبة واحدة منذ ذلك الوقت، وأن الحيوانات ماتت جميعها، كما أن الناس هناك ممن بقي حيّا، لاحظوا بعد العملية غرائب في ولاداتهم الجديدة وأمراض حصدت أرواحا عديدة منها أمراض تقرح الجلد وسرطانه اضافة إلى تسجيل العديد من حالات السرطان ولم يعرف السكان تفسيرا لهذه الأمراض والظواهر الصحية الغريبة ولم يعرف أولئك السكان البسطاء أن الأمر برمنه نتيجة مباشرة للإنفجار الذي اختارت فرنسا أن تكون أرضهم مأواه وأن يكونوا هم كباش فدائه .
وحسب نفس الراوي الجنود الفرنسيون ذاتهم ذلك أنه عندما اقتربت ساعة الحسم ودنا موعد الإنفجار، عرفت الوحدات العسكرية المتواجدة بالمنطقة المعنية غيابا مفاجأ لكل القيادات والإطارات العسكرية من المنطقة ولم يبق هناك سوى الجنود البسطاء الذين لم يحاطوا علما بما بتم التحضير له، ولم يكونوا يدركون ما يدور حولهم من حركة، ويقول أحد الضحايا الفرنسيين هو اليوم متقاعد، كنت برڤان سنة 1962 بوحدة النقل للإتصالات ومقارنة بكل ما شاهدته وما أعلمه اليوم، أجد أنهم سخروا منا نحن الجنود البسطاء، وهذا ما يجعلني أشعر بمرارة شديدة تجاه فرنسا، جمعية ضحايا الإشعاع النووي الفرنسي، تقول أن جميع الجنود الذين تعرضوا للإشاعات النووية بنسب عالية كلهم عادوا إلى فرنسا مرهقين مجهدين ، شاحبين الوجوه،بأجساد نحيفة وخطى متثاقلة، وتوفوا بين الثلاثين (30) والأربعين (40) من عمرهم بسرطان النخاع العظمي كما أحيل جنود آخرون على التقاعد المسبق ليمضوا بقية حياتهم في المستشفيات وفي أول إحصاء لمرضى السرطان بعد الإستقلال والذي تم إجراؤه سنة 1990 في منطقة رڤان والقصور التابعة لها، وجد أن ما متوسطه تسعين (90) حالة وأن ثمانين بالمائة (80% ) من هذه الحالات يقع في أوساط السكان الذين يقطنون المنطقة الغربية لموقع التفجيرات النووية الفرنسية وقد توصل بحث إجراه المركز الوطني للحماية من الإشعاع خلال السنوات الأخيرة توصل إلى أن مستوى الإشعاع في تلك المنطقة لا زال يفتك بالبيئة والسكان وأن المردود الزراعي يسجل ضعفا واضحا في الإنتاجية مقارنة مع المناطق الجافة والصحراوية الجزائرية الأخرى
مدافن على رقاب الأبرياء
إن شهادات الشهود ممن عايشوا فصول جريمة النووية الفرنسية في رڤان وما بعدها يؤكدون أن السلطات الفرنسية قد حفرت العديد من الأنفاق وجلبت الجرافات وأدوات الحفر ودفنت فيها الكثير من المواد الملوثة والمستخدمة في التجارب داخل الأرض ولا يستبعد أن تكون السلطات الفرنسية قد دفنت بقايا النفايات النووية والذرة في مدافن المحرك خلال تلك الفترة مما يترك العديد من علامات الإستفهام عن المستوى الحقيقي للتلوث الناتج عن 4 قنابل ذرية ونفاياته الأخرى، وبعد حادث 25 أفريل 1961 اليربوع الأخضر 10 كيلوطن والذي أدى إلى إصابة 195 عسكري بالإشعاعات النووية اثر تفجير ذري في الغلاف الجوي حيث لم تنفجر القنبلة طبقا للتوجيهات المحددة قرر الإستعمار الفرنسي التحول بهذا المخطط الإجرامي لسلسلة التفجيرات النووية إلى ولاية تمنراست فقد تم الإعداد طويلا لسلسلة التفجيرات النووية الفرنسية في منطقة الهڤار ووقع الإختيار المدروس لها على جبل إن إيكر حيث يقع الجبل على محيط 40 كيلومترا ويمتاز بصلاب صخوره واعتبر موضعا جيدا لإجراء التجارب الباطنية وقد تم اجراء التجارب خلال الفترة من (1961،1966) داخل أنفاق انجزت خصيصا لهذا الغرض مخترقة الجبل من عدة جهات وتم تصممها لأغراض التجارب وقدرتها التفجيرية بلغ عدد التجارب الباطنية 13 تجربة اعتبرت إحداها تجربة فاشلة تمت بتاريخ 22 مارس 1965 تفاوتت طاقة تجارب الهوڤار لكن الإنفجارات وصلت إلى مسافات عميقة بعيدة داخل الأرض، وسجلت أجهزة الرصد الزلزالي آثارها بمسافات بعيدة منها ما وصل إلى منطقة تاتروك على بعد 200 كيلومتر عن موقع التفجيرات إحدى هذه التجارب أجريت يوم 18 مارس 1963 سميت تجربة مونيك بلغت طاقتها التفجيرية ما يعادل 127 كيلوطن تي آن تي في الكتلة الغرانيتية تان أبيلا لوحظت اهتزازات عبر مسافات تقع بين 3 و613 كيلومترا، إن اختيار منطقة الهوڤر تم وفق شروط بيئية وجيولوجية تمكن الفرنسيين من استخدامها كمنطقة تجارب باطنية وكمدافن للمواد المشعة والنفايات النووية ولم تتوفر لحد اليوم أية دراسات وضمانات من قبل السلطات الإستعمارية تؤكد مستويات التلوت خاصة المياه الجوفية والمواد التي تطايرت بسبب انفجار أحد القنابل وتسرب مواد الإنفجار لمسافات بعيدة خارج الأنفاق إن السلطات الفرنسية لم تبد أي ندم أو أسف نحو جرائم الإبادة في الجزائر بل تباهى العديد من جنيرالاتهم وكتابهم بما اقترقوه في حق شعب المليون ونصف المليون شهيد، ولما ارتكبوه من جريمة التجارب النووية على الأراضي الجزائرية ولم يزل أرشيف هذه الجريمة مغلقا أمام الباحثين والدراسين.
إن حقائق هول الجريمة النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية لا يمكن محوها فكل شيء قد تغير هناك من خلال الإحتلال في حركة وتطور ونمو مكونات البيئة فقد اندثرت الكثير من معالم الحياة من غذاء وماء وكلأ ومواسم صيد وقنص وانتقال الطيور المهاجرة إضافة إلى بيئة سممتها وإلى الأبد بقايا ونتائج المواد النووية المطروحة عن الإنفجار والتي لا يمكن محوها لآلاف السنين.
البرلمان الفرنسي ولأول مرة في تاريخه صادق في شهر ديسمبر 2009 على قانون تعويض الجرائم النووية في الجزائر وبلنيزيا وهي الخطوة التي اعتبرها المتتبعون مقدمة للإعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية القانون الفرنسي، يعوض قرابة مائة وخمسين (150) ألف شخص مابين عسكريين ومدنيين عملوا في ورشات التجارب النووية الفرنسية كانت عليهم آثار هذه التجارب التي وصلت الى أكثر من مائتين وعشر (210) تجربة نووية مابين سنوات 1960 و1966 في كل من الجزائر وبلنيزيا الطريقة التي تمت بها دراسة هذا القانون أثارت الاحتجاج الكبير لأنه يؤكد على الدراسة ملفات طلب التعويض، اقتصر على تليين ممثلين لعدد من الوزارات، وتم تجاهل جمعيات الضحايا مما جعل حركة الخضر الفرنسية والحزب الشيوعي الفرنسي يصوتان ضد القانون، في حين تحفظ الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي لم يصوت نوابه وعلى أية حال فإننا أمام اعتراف فرنسي رسمي ضمني بجريمة إنسانية راح ضحيتها آلاف الجزائريين، من سكان المناطق المجاورة لحقل التجارب النووية رغم أن الملف الذي قدم للبرلمان، كان تحت عنوان ضحايا تجارب التكنولوجيا والعصرنة في الجزائر الفرنسية . وحسب وزير الدفاع الفرنسي، أربي موران، فإن القانون الفرنسي الذي صوت عليه البرلمان الفرنسي عادل ومتوازن ويقول نص القانون الجديد أنه في حال وفاة شخص بسبب التأثيرات النووية، فإن بامكان عائلته تقديم ملف، وأعرب رئيس جمعية 13 فبراير 1960 برقان لقصاصي عبد الرحمان، أن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، ستبقى وصمة عار في جبين الاستعمار الفرنسي، كون تداعياتها لاتزال قائمة على صحة الانسان والبيئة
فظاعة وبشاعة
كما ثمن خطوة البرلمان الفرنسي، رغم تأخرها مطالبا فرنسا بالاعتراف بجميع جرائمها في حق الشعب الجزائر، القانون الجديد هذا جاء نتيجة ضغط الدعاوى القضائية المرفوعة على مستوى المحاكم الفرنسية، من طرف ضحايا تلك التجارب من الجزائريين والفرنسين على حد سواء، ويطالب ضحايا التفجيرات النووية برقان فرنسا، بأن تعترف رغما عنها، بالجرائم التي تتكتم عليها في حق الشعب الجزائري، هذه الجريمة التي أتت على الاخضر واليابس وعلى كل مظاهر الحياة بالمنطقة، وبسب خطورة المنطقة قامت السلطات الجزائرية، بعزل مكان التفجير بسياج يمتد طوله عدة كيلومترات لإشعار الوافدين الى المكان بالخطورة، ويسعى الكثير من سكان المنطقة الى معرفة الآثار الصحية والبيئية الناجمة عن الاشعاعات النووية التي يعانون من صداها حتى الآن، حسب عديد الاطباء وخبراء في البيئة والفيزياء، وحول التأثيرات البيئية، تشهد رڤان تغيرات مفاجئة في المناخ، مثل حركة الكثبان الرملية بالمناطق التي تعاني من التعرية الهوائية، كما أدت هذه التأثيرات الى انخفاض في الثروة الحيوانية والنباتية، الشيء الذي انعكس سلبا على الانتاج الفلاحي بالمنطقة، كما برزت في الآونة الاخيرة بمنطقة رڤان، الأمراض المزمنة والصدرية والتنفسية، وأمراض العيون التي انتشرت بحدة، حيث تستقبل المؤسسة العمومية الاستشفائية للصحة الجوارية، عشرات المواطنين لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة وإن كان القائمون على المستشفى، لم يثبتوا أن للامر علاقة بالتجارب النووية الفرنسية، إن الواجب الوطني والقومي والإنساني، يطالبنا جميعابالكشف عن أبعاد الجريمة النووية الفرنسية فوق الأراضي الجزائرية، ويلح علينا نشر الدراسات المتوفرة حول ذلك، وأبعاد خطورة التلوث الذي شمل مساحات واسعة من الصحراء الجزائرية في مناطق رقان وتمنراست وبني ونيف، ويظل الأمل كبيرا لجهود الباحثين المشاركين في الملتقيات الوطنية المكرسة حول ذلك، وخاصة جهود المركز الوطني للدراسات التاريخية حول ثورة نوفمبر وتاريخ الحركة الوطنية التابع لوزارة المجاهدين، والتوسع في ذلك من أجل عقد ملتقى دولي عن أبعاد الاخطار المترتبة عن التلوث الناتج عن تلك التفجيرات، وآثارها الغريبة والبعيدة على حياة السكان والبيئة في الجزائر إن الوقت يتطلب اعتذار فرنسا عن جريمتها والتكفل بما تترتب عليه القوانين الدولية، من تعويض تام ومستمر لضحايا المأساة المستمرة الناتجة عن الاشعاع.
وبالمناسبة، جددت جمعية 13 فبراير 1960 برقان نداءها الى الجهات المركزية قصد إعطاء الذكرى الاليمة المناطق بما في ذلك الصحراء الجزائرية، نداء الجمعية يأتي في ظل نقص الامكانيات وقلة المردودية في نشاطها الهادف الى تحسيس كافة الاطراف، بالخطورة المتواصلة لهذه التفجيرات، نقص الدعم أثر ايضا على نوعية الارشيف وطبيعة الشهادات التي ستخدم القضية على الساحة الوطنية والدولية كما جددت الجمعية مطالبها بإرسال لجنة متخصصة لإجراء دراسات وبائية، ولاحتمال وجود مخاطر صحية، تهدد المواطنين والقطاع الفلاحي بالمنطقة، مطالب الجمعية اعتبرها المواطنون مشروعة خاصة أولئك الذين عايشوا التفجيرات في 13 فبراير 1960 وأجمعوا على استمرار هذه المخاطر، بعد ملاحظة تراجع المحصول الزراعي وتزايد عدد الاصابات بمختلف أنواع السرطان الى جانب ظهور غرائب الامراض التي لم يسمع عنها الاهالي قبل قدوم فرنسا، وفي سياق متصل، ينتظر سكان رقان إدراج موضوع التفجيرات النووية في المقررات الدراسية، ودعوا الى إثراء المكتبات الجزائرية بإصدارات روائية تاريخية وعلمية، تتعلق بملف التفجيرات، نظرا لتوفر عوامل الدراسة والبحث الذاكرة الوطنية تسترجع اليوم الذكرى الأليمة الواحدة والخمسين للتفجيرات النووية الفرنسية بالصحراء الكبرى، في وقفة لاسترجاع بشاعة الجريمة وفضح صورة الاستعمار الفرنسي، الذي حاول عدة مرات تلميعها من خلال قوانينه الممجدة بما اقترفه في حق الشعوب وعلى رأسها الشعب الجزائري، وفي الموضوع ذاته دعا الباحث في الهندسة النووية عمار منصوري، الى السعي لإصدار قانون يرغم فرنسا على التعويض كل المتضررين من التفجيرات النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية وأكد نفس المتحدث على ضرورة تكثيف الجهود، وفتح حوار كامل، من أجل الحصول على الأرشيف، الذي لازالت تسيطر عليه فرنسا، كما ذكر الباحث منصوري بالعواقب الوخيمة لهذه التفجيرات على صحة الإنسان والبيئة والحيوان بكامل الصحراء الجزائرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.