السرقة وحدَّها في الإسلام والمقصود بحد السرقة عقوبة السرقة بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلينا وأموالنا، اللهم استُرْ عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بك أن نُغتال من تحتنا. يزعم أعداؤنا أن الإسلام يفرضُ عقوباتٍ قاسيةً؛ من ذلك قطع يد السارق، والحقيقة أن الإسلام حين شرَع هذه العقوبة لم تكن غايتُه منها تطبيقَها على الناس، وإنما كان يبغي من ذلك زجرَ الناس من الاعتداء على أموال غيرهم. وعلماء الاجتماع متَّفقون على أن تخفيفَ العقوبة يشجِّع الذين في قلوبهم مرضٌ على ارتكاب الجريمة، وشدتها تمنعهم منها، أو على الأقل تجعلهم يفكِّرون مليًّا في عواقب أفعالهم.وتعريف السرقة في الشرع: هو المجيء مستترًا لأخذ مال الآخرين من حرز؛ (أي: من مكان محفوظ حصين).يتبيَّن من التعريف السابق أنه لا بد من الأخذ بصفات معينة في السارق والمسروق وفي الموضع المسروق منه؛ حتى تتحقق السرقة التي يجب فيها الحد، الذي هو قطع اليد.فيجب أن يكون الموضع المسروق منه المال موضعًا حصينًا بعيدًا عن أنظار الناس ومتناول أيديهم، فلا تقطع مثلاً يدُ مَن سرق مالاً من دارٍ بابها مفتوح، ويجب أن يكون هذا المال من الأموال التي أحل الله امتلاكها، فلا تقطع يدُ مَن سرق خمرًا أو آلات لهو مثل العود والكمنج والمزمار، وأن يبلغَ الشيء المسروق نصابً، ونصابُه أن يكون بقدرِ ما يعيل أسرة لمدة يوم واحد.أما الصفات الواجب توافرها في السارق حتى يسمَّى سارقًا، ويستوجب حد السرقة بقطع يده، فهي: • أن يكون السارق بالغًا، فلا حدَّ على صغير لم يبلغ الحُلُم، ولكن يؤدَّب الصغير إذا سرق. • ألا يكون مجنونًا؛ لأنه غير مكلَّف. • ألا يكون مكرهًا أكرهَهُ على السرقة وليُّ أمره. • ألا يكون للسارقِ في الشيء المسروق شبهةٌ، فإنه لا تقطع يده؛ لذلك لا تقطع يد الذي يسرق من ابنِه، أو أمِّه، أو من أبيه، أو من جده، أو من ابن ابنه، وأما ذوو الأرحام، فقد قال أبو حنيفة والثوري: لا قطع على أحد من ذوي المحرم؛ مثل العمة إذا سرقت، وكذلك الخالة، والأخت، والعم، والخال، والأخ؛ لأن قطع اليد يفضي إلى قطيعة الرحم التي أمر الله بها أن توصل، ولأن لهم الحق في دخول المنزل، ولا سيما إذا كانت أموال المنزل لم يغيِّبها صاحبها عن أنظار ذويه ولم يبعدها عن متناول أيديهم؛ ولذلك لا تقطع يد الضيف إذا سرق مثل هذه الأموال؛ لأن الضيف دخل الدار بإذن صاحبها من جهة، ولأنه سرق مالاً لم يكن في حرزٍ من جهة ثانية. • وكذلك لا تقطع يدُ مَن سرق من زوجته، ولا يدُ مَن سرقت من زوجها، ولا يد الخادم إذا سرق من سيده، ولا تقطع يد من سرق من المدين الماطل في السداد، أو الجاحد والمنكر للدَّين. • وكذلك لا تقطع يد المنتهب، والمنتهب هو الذي يأخذ المال جهرًا بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم منه، أو يشهد له عند الحاكم، وكذلك لا تقطع يد المختلس، والمختلس هو الذي يأخذ المال على حين غفلة من مالكه، ولا تخلو هذه الحالة من تقصير من صاحب المال مكَّن المختلسَ من اختلاسه، فأخذ المال من غير حفظ من قبل مالكه. قال القاضي عياض - رحمه الله -:صان الله المال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة؛ كالاختلاس، والانتهاب، والغصب؛ لأن ذلك قليل بالقياس إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع المال المأخوذ بهذه الطرق، باستدعاء المنتهبين والمختلسين والمغتصبين إلى ولاة الأمور من القضاة والحكام، وتسهل إقامة البينة عليهم بخلاف السرقة فإنها تندر إقامة البينة عليها؛ لذلك عظم أمرها، واشتدت عقوبتها؛ ليكون أبلغ في الزجر عنها، فهؤلاء من غير السراق يجب عليهم التعزير.