رئيس الجمهورية يؤكد أن السيادة الوطنية تصان بجيش قوي واقتصاد متطور: الجزائر دولة مسالمة و من اعتدى عليها فقد ظلم نفسه    يخص منطقتي أولاد جلال وسيدي خالد: السلطات تستعجل إنهاء مشروع تدعيم توزيع المياه    تحسبا لموسم الاصطياف بسكيكدة: حملات نظافة مكثّفة وتعليمات بإنهاء مشاريع التهيئة    القمة الإفريقية للأسمدة وصحة التربة بنيروبي: تبني مقترح الجزائر بشأن دعم منتجي الغاز    سكنات عدل: توزيع حوالي 40 ألف وحدة بالعاصمة في الذكرى 62 للاستقلال    بمبادرة من الجزائر: مجلس الأمن يدعو إلى تحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة    بهدف ترقية تسييرها وتوفير خدمات ذات جودة عالية: الحكومة تدرس التدابير المتعلقة بالاستغلال السياحي للشواطئ    رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يؤكد: الاقتصاد الوطني في تطور مستمر وسيشهد قفزة في 2027    تفادى ذكر الريال و"تغافل" عن اسم الخليفي: مبابي يودّع باريس سان جيرمان    قسنطينة: توقيف متهميْن في قضية مخدرات    بمبادرة جزائرية.. مجلس الأمن يدعو لفتح تحقيق مستقلّ في المجازر الجماعية بغزة    الجزائر ستواصل جهودها بمجلس الأمن لتكريس عضوية فلسطين بالأمم المتحدة    «وتتوالى الإنجازات».. انتصارات متتالية للدبلوماسية الجزائرية    تسريع وتيرة العمل لتسليم منشآت هامة    انطلاق البكالوريا التجريبية بنفس إجراءات الامتحانات الرسمية    الجزائر الجديدة هي المشروع الوطني الذي يجسد طموحنا    خطوة مهمة تعزّز الحق الفلسطيني    الاحتلال الصهيوني يجبر الفلسطينيين على إخلاء مناطق جديدة في رفح    الرئاسيات المقبلة محطة هامة لتجسيد طموحات الجزائريين    2027 سنة الإقلاع الاقتصادي    إحصاء شامل لمليون و200 ألف مستثمرة فلاحية    "عدل 3" بمسابح وملاعب وعمارات ب 20 طابقا    تركيا تكشف عن حجم التجارة مع الجزائر    إعذار مقاول ومكتب متابعة منطقة النشاط بسكيكدة    البنايات الهشة خطر داهم والأسواق الفوضوية مشكل بلا حل    الكشف عن وثيقة تاريخية نادرة    بشكتاش التركي يحسم مستقبل غزال نهائيا    شايبي يحلم بدوري الأبطال ويتحسر على "كان 2025"    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران: فوز الجزائري نسيم سعيدي بالسباق    ألعاب القوى/البطولة العربية لأقل من 20 سنة: 10 ميداليات جديدة للجزائر، منها أربع ذهبيات    مختبر "سيال" يحافظ على اعتماده بمعايير "إيزو 17025"    ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    التزام ثابت للدولة بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    إجراء مباراة مولودية وهران اتحاد العاصمة يوم 21 ماي    عمورة ينال جائزة أفضل لاعب إفريقي في بلجيكا    بنك الاتحاد الجزائري بموريتانيا : إطلاق نافذة الاسلامية لتسويق 4 منتجات بنكية    حفريات "قصر بغاي".. الأربعاء المقبل    أولاد جلال تحتضن بسمات الأطفال    بلمهدي يشارك بإسطنبول في اللقاء العالمي لحوار العلماء المسلمين    الجلفة : معرض الكتاب "الجلفة نبض الابداع" يفتتح هذا الأربعاء    نستالجيا تراثية.. تظاهرة ثقافية لاستحضار واستذكار أهم الألعاب الشعبية    لقاء بمركز المحفوظات الوطنية حول مجازر 8 مايو 1945    مفهوم النهضة في الغرب مسكون بحقبته الكولونيالية    العائلات لا تولي أهمية لبرامج الرقابة الأبوية    لا تشتر الدواء دون وصفة طبية    صدور القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية في الجريدة الرسمية    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الجمعة بالنسبة لمطار الجزائر العاصمة    رسالة من سلطان عُمان إلى الرئيس تبّون    قطاع الري سطّر سلم أولويات لتنفيذ البرنامج    الجزائر مستمرة في نضالها من أجل الشعب الفلسطيني    انطلاق مشاريع صحية جديدة بقالمة    ملتقى حول "التراث الثقافي المخطوط"    استحسن التسهيلات المقدمة من السلطات : وفد برلماني يقف على نقائص المؤسسات الصحية بقسنطينة في مهمة استعلامية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتح الحُديبيّة الباهر.. والتّطبيع العاهر!
نشر في الخبر يوم 26 - 08 - 2020

لم أكن أتصوّر أن يأتي يوم يصير فيه جلُّ جهدنا توضيحَ الواضحات وتبيين البيّنات وشرح الجَلِيّات! والدّفاعَ عن المبادئ والبديهيات والمسلّمات! ولكن هي “الليالي من الأيام حُبالى يلدن كلّ عجيب”! وليس أعجب من تسويغ (وتبرير) الخيانة بشرع الله تعالى! وليس أعجب من تسويغ موالاة الصّهاينة المعتدين بآية من الكتاب المبين، ونسيان آياته الآمرة بجهاد الظالمين وقتال المعتدين! وليس أعجب من تسويغ التّطبيع العاهر وبيع فلسطين الغادر بفتح الحُديبية الباهر ومقصده الطّاهر! وليس أعجب من تحريف بعض العلماء وأدعياء العلم لحقائق الشّرع والتاريخ تسويغًا لنزوات أمراء طائشين خائنين مجرمين بشهادة النّاس أجمعين!
لقد زلّ بعض العلماء، وزلّة العالم خطيرة؛ لأنّه يزلّ بها خلق كثير، ومثلها في الخطورة جدالُ منافقٍ بالقرآن، قال الصّحابيّ الجليل أبو الدّرداء رضي الله عنه: “إنّ فيما أخشى عليكم: زلةَ العالم، وجدال المنافق بالقرآن، والقرآن حقّ، وعلى القرآن منار كأعلام الطّريق”. وقد وقع الأمران في قضية فلسطين، وعلى الله التّكلان! فقد زلّ بعض العلماء ولبّس بعض المتاجرين بالدّين من خدام السلاطين، وزعموا أنّ التّطبيع هو السّلم الّذي أمر به في قوله تعالى: {وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، وهذه مغالطة لا تروّج على أحمق الحمقى! فاعجب كيف يتفوّه بمثلها من هو من العلماء أو أدعياء العلم! ذلك أنّ أصغر طفل في العالم سيقول لك: ومتى جنح الصّهاينة إلى السّلم؟! واحتلالهم لفلسطين والجولان وبعض من جنوب لبنان قائم، ولا يمرّ أسبوع إلاّ ويقتلوا فيه فلسطينيًا أو فلسطينية، ويقصفوا المدنيين في غزة، ويهدمون بيتًا أو بيوتًا في القدس! أمّا مؤامراتهم الخفية والعلنية فهي لا تتوقف ليلًا ونهاراً، فأين هو الجنوح للسّلم؟! ثمّ إنّ الصّهاينة قد غصبوا فلسطين قهرًا وحربًا، وطردوا الملايين من دورهم وبيوتهم بالقوّة والإرهاب، وغصبوا الأوقاف الإسلامية، ولم تنجُ منهم حتّى المقابر! وارتكبوا محارق نازية وجرائم ضدّ الإنسانية لعقود من الزّمان، فهل نسلّم بالأمر الواقع، ونرضى باحتلالهم على حسب خرافة (حلّ الدّولتين)؟! إنّ أحمق الحمقى، سيقول لك: هنيئاً لك الاستسلام! وسيضحك ملء شدقيه إذا سمع كلمة السّلام!
وأسخف من استدلالهم هذا، استدلالهم بصُلح الحُديبية على جواز الصّلح مع الصّهاينة! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}، إنّ صلح الحُديبية سمّاه الله تعالى في كتابه فتحًا، ووصفه بالمُبين، فقال عزّ مِن قائل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، عن مجمع بن جارية الأوسي رضي الله عنه قال: شهدنا الحديبية، فلمّا انصرفنا منها وجدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واقفاً عند كراع الغميم – موضع بين مكّة والمدينة – وقد جمع النّاس وقرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}. فقال رجل: يا رسول الله، أو فتح هو؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إي والّذي نفسي بيده، إنّه لفتحٌ» رواه أحمد وغيره. سُمّي فتحًا لِما ترتب عليه من خيرات كثيرة، ومنافع جمّة للمسلمين، وسبباً لإسلام كثير من المشركين؛ ولأنّه كان مقدمة لفتح مكّة، قال الإمام الزّهريّ رحمه الله: “لم يكن فتحٌ أعظمَ من صُلح الحُديبية، وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، وتمكّن الإسلام من قلوبهم، وأسلم خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام”.
ويكفي من نتائج صُلح الحُديبية السياسية أنّ قريشاً اعترفت بالدّولة الإسلامية الوليدة، واعتبرت المسلمين أنداداً لها، وهذا له وزنه الكبير عند قبائل العرب. كما اعترفت قريش بحقّ المسلمين في الكعبة؛ لأنّ من بنود الصّلح أن يعود المسلمون في العام القابل للعمرة وتخرج لهم قريش من مكّة ثلاثة أيّام بليالها. وزد على ذلك مكّن الصُّلحُ المسلمين للتفرّغ للجيوب اليهودية في فدك وخيبر، وكانت تمثّلا خطراً كبيراً على المدينة، فطهّرها المسلمون وفتحوها، كما تفرّغوا للقبائل الأعرابية الّتي كانت تتربّص بالمسلمين والمدينة، فأدّبتهم جيوش المسلمين. ثمّ صُلح الحُديبية كان هدنة مؤقتة مشروطة، ليس فيها أيّ تنازل، وقد اختلف الفقهاء في جواز مهادنة الكفار وعدمه؟ والجمهور الّذين قالوا بجواز مهادنة الأعداء اتّفقوا على عدم جواز الهدنة الدّائمة للمحاربين من الأعداء. واختلفوا في المدّة الّتي تجوز إليها الهدنة، قال الإمام ابن الفرس المالكيّ رحمه الله في تفسيره: “والّذين ذهبوا إلى جواز الصّلح في المسألة الّتي ذكرناها اختلفوا في المدّة الّتي تجوز مصالحتهم إليها. فقيل: لا يجوز أن يصالحوا أكثر من عشر سنين وما وراء هذا محظور، وهو قول الشافعي. وقيل: لا يجوز أكثر من أربع سنين. وقيل: لا يجوز أكثر من ثلاث سنين، وهذه الثلاثة الأقوال مبنية على الاختلاف في المدّة الّتي هادن عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحُديبية. وقيل: تجوز مهادنتهم إلى مدّة قصيرة أو طويلة على حسب ما يعطيه الاجتهاد والنّظر في مصلحة المسلمين، ونحو هذا حكى ابن حبيب عن مالك..”.
أمّا معاهدات التّطبيع مع الكيان الصّهيوني الاستعماري الغاصب فهي معاهدات دائمة أبدية حسب زعم مُقترفيها، ثمّ هي قائمة على الاعتراف بشرعية دولة الاحتلال وشرعية استعمارها، وهي تبرئ الصّهاينة من جرائمهم الّتي ارتكبوها على مدار عقود من الزّمن، وهي تعطي لهم حقّا في فلسطين وفي المسجد الأقصى بغير وجه حقّ، وتسقط حقّ الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وبلادهم، ولها أبعاد إستراتيجية في مصلحة الصهاينة أخطر، حيث ستحقّق الهيمنة الأمنية والعسكرية لدولة الاحتلال، وتحقّق لها أيضًا هيمنة اقتصادية في المنطقة، وستغيّر المناهج التعليمية والإعلامية في البلاد العربية والإسلامية؛ لحذف كلّ ما يرون أنّه إساءة إلى اليهود والصّهاينة، فتنشأ في بلاد المسلمين أجيال ممسوخة مغسولة الأدمغة والنّفوس!
فشتّان شتّان بين فتح الحُديبية الباهر، وجري الخونة من العُربان إلى التّطبيع العاهر! وما داموا قد باعوا نفوسهم للصّهاينة والأمريكان، وما داموا قد جاهروا بالخيانة، وما داموا قد اختاروا معسكرهم، ما لهم والإسلام!. فليطبّعوا كما يحلو لهم بمنطق الواقعية!، أو وفق المواثيق والأعراف الدّولية أو! حتّى بمنطق الانهزامية والانبطاحية! وليبتعدوا عن الإسلام وتراثه الطّاهر، فالإسلام هو دين العدل والحقّ والعزّة الأمانة، ولن يرضى من أتباعه ذلًّا ولا خيانة، ولا خضوعاً للظّالم ولا موالاة للمعتدي الكافر! ثمّ ليصبروا حتّى يروا مستقبلهم الآسن في مزبلة التاريخ العفنة!. وأمّا الرّجال الأحرار فليس لهم إلاّ المقاومة والجهاد حتّى النّصر، وهذه الجزائر بمُقَوَمَاتِها العظيمة وثورتها المجيدة قدوة ومنارة: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}.
* إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.