لا يزال العنف المدرسي الشغل الشاغل للعديد من الهيآت الفاعلة في المجتمع المدني، من أجل هذا، بادر اتحاد أولياء التلاميذ لشرق ولاية الجزائر إلى تنظيم ملتقى تحت شعار «التعليم بدون خوف»، ناقش فيه مختصون في مجال الإرشاد الأسري والبيداغوجية إشكالية العنف في المدارس، وظاهرة الاختطاف التي شغلت الأولياء في الآونة الأخيرة. عرفت دار الشباب المغاربي ببلدية باب الزوار، أول أمس، توافد أعداد كبيرة من الأولياء للمشاركة في أشغال الملتقى، لاسيما أن هذا الأخير تزامن ويوم عطلة، حيث عبر بعض المواطنين ل «المساء»، عن أهمية مثل هذه النشاطات وضرورة التكثيف من الملتقيات التي تعود بالفائدة على الأسر، وحتى التلاميذ، بالمزيد من الوعي. بدأت أشغال الملتقى بتلاوة عطرة لآيات بينات من الذكر الحكيم، بعدها استمع الحضور إلى النشيد الوطني، ومن ثمة، الوقوف دقيقة صمت على أرواح الأطفال الأبرياء الذين راحوا ضحية اختطاف وقتل، بعدها، قدم علي بن زينة، رئيس الملتقى كلمته الافتتاحية، حيث قال: «جمعية اتحاد أولياء التلاميذ لشرق العاصمة متعودة على برمجة مثل هذه الملتقيات لتوعية الأسر، فبعد اللقاءين السابقين حول المنشآت المدرسية، وضعف التحصيل العلمي، ارتأينا هذه المرة، تزامنا والأحداث الأخيرة التي عرفها المجتمع الجزائري، تنظيم هذا الملتقى الذي حاولنا فيه الربط بين ظاهرتي العنف المدرسي والاختطاف، واخترنا له شعار «التعليم بدون خوف» لنُزيل مخاوف الأولياء ونقدم لهم بعض الآليات التي تمكنهم من فهم أبنائهم وحمايتهم بالأساليب الصحيحة، عوض أن يصطفوا يوميا أمام أبواب المؤسسات التعليمية لمرافقة أبنائهم من وإلى المدرسة، مما عزز من مخاوفهم. من جهته، استعرض عبد القادر خير الدين، الأمين العام لاتحاد أولياء التلاميذ، الرسالة التي حمله إياها الاتحاد، ومن جملة ما جاء فيها قوله؛ «إنه على الرغم من تعدد التعاريف الخاصة بالعنف المدرسي، إلا أنها ركزت على معطيات الخلل والانحراف عن المألوف في قانون المؤسسة التعليمية، وبالتالي كل خرق للقانون الجاري به العمل بالمؤسسة التربوية هو «عنف مدرسي». وأضاف؛ «إن الاهتمام العالمي بظاهرة العنف، سواء على مستوى الدول أو الباحثين أو العامين في المجال السيكولوجي أو على مستوى المنظمات غير الحكومية في الآونة الأخيرة في تزايد، نتيجة تطور الوعي النفسي والاجتماعي بأهمية مرحلة الطفولة، مع ضرورة توفير المناخ النفسي والتربوي لنمو الأطفال نموا سليما من الناحية الجسدية والاجتماعية. من جهتها، شرحت زهرة قاصد قاسي، مفتشة التعليم المتوسط ومختصة في البيداغوجية، ظاهرة العنف المدرسي، حيث قالت: «هناك ثلاثة أسباب أدت إلى تفاقم العنف لدى الأطفال، منها أسباب مرتبطة بالوسط المدرسي، وتتحد في عدم وجود استراتيجية تربوية محددة داخل المدارس للتعامل السليم مع التلاميذ، إلى جانب عدم تكوين الأساتذة نتيجة غياب المعاهد التكنولوجية، بعد أن تم إغلاقها سنة 1993، وبالتالي لم يعد لدينا أساتذة مكونون في تخصص علم النفس التربوي، أما الأسباب المرتبطة بالأسرة، فتتمثل بالدرجة الأولى في عدم وجود قنوات الحوار بين الأبناء والأولياء، إذ نجد أطفال اليوم مولعين بالتكنولوجيا، منطوين على أنفسهم ويتقمصون شخصيات الأفلام التي يشاهدونها، وهي في مجملها أفلام تروّج للعنف في ظل غياب الرقابة الأسرية، أما الشارع الذي يأتي في آخر الترتيب، فيعتبر تحصيلا حاصلا، فالطفل يلجأ عادة إلى الشارع وكأنه المتنفس الذي يصب فيه كل غضبه ويفرغ فيه شحنة العنف التي تكونت بداخله، ليجد في المقابل ثقافة الشارع الفوضوية التي تحيط به من كل جانب وتحوله إلى شخص عنيف. قدمت المتحدثة بعض الحلول التي اعتقدت أنها مناسبة لوضع حد للعنف المدرسي، حيث قالت: «لابد من إعادة تفعيل دور المستشار التربوي بالمؤسسات الابتدائية والمتوسطات وعدم حصرها في الثانويات، لأن العنف يبدأ عند المراحل الأولى من نمو الطفل ، إلى جانب العمل على تحسيس وتوعية التلاميذ عن طريق إدراج برامج خاصة بالتربية الأخلاقية، وفي المقابل، ينبغي على الأسر أن تعي أهمية التواصل مع الأبناء من خلال التحاور معهم حول يومياتهم، وكيف يقضونها بين المدرسة والشارع وحتى مع الأصدقاء، أي لابد للأسرة ألا تهمل الأطفال، وإنما تشعرهم بأهميتهم وتشجعهم على الإلتحاق بالنوادي الرياضية والترفيهية، على غرار دور الشباب. تطرق محمد بونيب،مرشد أسري، إلى الدور الكبير الذي يقع على عاتق الأسرة اتجاه الأطفال وكيفية حمايتهم، حيث قال: «العنف ما هو إلا تحصيل حاصل لعدة عوامل متداخلة، منها العامل النفسي للتلاميذ، إلى جانب العامل الأسري، العامل المدرسي وعوامل اجتماعية أخرى تجعل التلميذ يكتسب العنف كمفعول به، أي أن العنف يمارسه بأفعاله، لذا فالمطلوب من الأسرة، عوض أن تقوم بتعزيز سلوك العنف عند الطفل بطريقة غير واعية، أن تخرج من قوقعتها وتنضمّ إلى مختلف الحركات الجمعوية، على غرار اتحاد أولياء التلاميذ لتستفيد من مختلف الملتقيات والبرامج التوعوية التي يتم برمجتها، حتى تتمكن الأسرة من تقويم تصرفاتها بنفسها. كان من بين المشاركين في الملتقى؛ جمعية «ندى للدفاع عن حقوق الأطفال» إذ عرض نور الدين فكرون، منسق برامج الأطفال بها، الطريقة التي تعتمدها الشبكة لحماية الأطفال والدفاع عنهم، وفي حديثه ل «المساء» قال: «تدخلت الشبكة من خلال عدة برامج، كان آخرها البرنامج المسطر في إطار محاربة العنف المدرسي الذي تم تسطيره بين الشبكة والمركز الدولي الكندي لحقوق الإنسان، هذا الأخير جاء تحت عنوان؛ «لا نتلاعب بالحقوق»، تم تقسيمه إلى قسمين؛ القسم الأول جمعنا فيه شركاء عاملين بالحقل الجمعوي، حيث حددنا فيه الحاجات الضرورية للتلاميذ، أما القسم الثاني، فركزنا فيه على تكوين منشطين توكل لهم مهمة التدخل على مستوى المدارس عبر كامل التراب الوطني، ويتمثل دورهم في تعزيز قيم التعاون والمشاركة. وعلى العموم، هذا المشروع تم الشروع فيه على مستوى المؤسسات الابتدائية، وهو موجه للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12 سنة. من بين البرامج التي جاءت بثمار حسنة في مجال حماية الأطفال من العنف الممارس ضدهم، الرقم الأخضر يقول محدثنا ويعلق: «في الفترة الممتدة بين جوان 2010 وجوان 2011، أحصينا 1300 اتصال، منها حالات عنف مدرسي تم معالجتها».