رئيس الجمهورية يؤكد أن السيادة الوطنية تصان بجيش قوي واقتصاد متطور: الجزائر دولة مسالمة و من اعتدى عليها فقد ظلم نفسه    يخص منطقتي أولاد جلال وسيدي خالد: السلطات تستعجل إنهاء مشروع تدعيم توزيع المياه    تحسبا لموسم الاصطياف بسكيكدة: حملات نظافة مكثّفة وتعليمات بإنهاء مشاريع التهيئة    القمة الإفريقية للأسمدة وصحة التربة بنيروبي: تبني مقترح الجزائر بشأن دعم منتجي الغاز    سكنات عدل: توزيع حوالي 40 ألف وحدة بالعاصمة في الذكرى 62 للاستقلال    بمبادرة من الجزائر: مجلس الأمن يدعو إلى تحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة    بهدف ترقية تسييرها وتوفير خدمات ذات جودة عالية: الحكومة تدرس التدابير المتعلقة بالاستغلال السياحي للشواطئ    رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يؤكد: الاقتصاد الوطني في تطور مستمر وسيشهد قفزة في 2027    تفادى ذكر الريال و"تغافل" عن اسم الخليفي: مبابي يودّع باريس سان جيرمان    قسنطينة: توقيف متهميْن في قضية مخدرات    بمبادرة جزائرية.. مجلس الأمن يدعو لفتح تحقيق مستقلّ في المجازر الجماعية بغزة    الجزائر ستواصل جهودها بمجلس الأمن لتكريس عضوية فلسطين بالأمم المتحدة    «وتتوالى الإنجازات».. انتصارات متتالية للدبلوماسية الجزائرية    تسريع وتيرة العمل لتسليم منشآت هامة    انطلاق البكالوريا التجريبية بنفس إجراءات الامتحانات الرسمية    الجزائر الجديدة هي المشروع الوطني الذي يجسد طموحنا    خطوة مهمة تعزّز الحق الفلسطيني    الاحتلال الصهيوني يجبر الفلسطينيين على إخلاء مناطق جديدة في رفح    الرئاسيات المقبلة محطة هامة لتجسيد طموحات الجزائريين    2027 سنة الإقلاع الاقتصادي    إحصاء شامل لمليون و200 ألف مستثمرة فلاحية    "عدل 3" بمسابح وملاعب وعمارات ب 20 طابقا    تركيا تكشف عن حجم التجارة مع الجزائر    إعذار مقاول ومكتب متابعة منطقة النشاط بسكيكدة    البنايات الهشة خطر داهم والأسواق الفوضوية مشكل بلا حل    الكشف عن وثيقة تاريخية نادرة    بشكتاش التركي يحسم مستقبل غزال نهائيا    شايبي يحلم بدوري الأبطال ويتحسر على "كان 2025"    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران: فوز الجزائري نسيم سعيدي بالسباق    ألعاب القوى/البطولة العربية لأقل من 20 سنة: 10 ميداليات جديدة للجزائر، منها أربع ذهبيات    مختبر "سيال" يحافظ على اعتماده بمعايير "إيزو 17025"    ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    التزام ثابت للدولة بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    إجراء مباراة مولودية وهران اتحاد العاصمة يوم 21 ماي    عمورة ينال جائزة أفضل لاعب إفريقي في بلجيكا    بنك الاتحاد الجزائري بموريتانيا : إطلاق نافذة الاسلامية لتسويق 4 منتجات بنكية    حفريات "قصر بغاي".. الأربعاء المقبل    أولاد جلال تحتضن بسمات الأطفال    بلمهدي يشارك بإسطنبول في اللقاء العالمي لحوار العلماء المسلمين    الجلفة : معرض الكتاب "الجلفة نبض الابداع" يفتتح هذا الأربعاء    نستالجيا تراثية.. تظاهرة ثقافية لاستحضار واستذكار أهم الألعاب الشعبية    لقاء بمركز المحفوظات الوطنية حول مجازر 8 مايو 1945    مفهوم النهضة في الغرب مسكون بحقبته الكولونيالية    العائلات لا تولي أهمية لبرامج الرقابة الأبوية    لا تشتر الدواء دون وصفة طبية    صدور القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية في الجريدة الرسمية    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الجمعة بالنسبة لمطار الجزائر العاصمة    رسالة من سلطان عُمان إلى الرئيس تبّون    قطاع الري سطّر سلم أولويات لتنفيذ البرنامج    الجزائر مستمرة في نضالها من أجل الشعب الفلسطيني    انطلاق مشاريع صحية جديدة بقالمة    ملتقى حول "التراث الثقافي المخطوط"    استحسن التسهيلات المقدمة من السلطات : وفد برلماني يقف على نقائص المؤسسات الصحية بقسنطينة في مهمة استعلامية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات الصهاينة تكشف عن حجم الهزيمة
الحلقة الخامسة.. سلسلة "الحرب العربية الصهيونية السادسة"
نشر في الأمة العربية يوم 08 - 08 - 2009

رغم انتصار حزب الله انتصارا بينا في حرب 2006، إلا أن فئة من الحاقدين الذين استعرت قلوبهم غيظا، خرجت لتشكك في هذا النصر حسدا من عند أنفسهم، وحاولوا خلال السنوات الثلاث الماضية طمس الحقائق لإنقاذ العدو من الفضيحة وإفساد فرحة الأمة. وللأسف، فإن المشككين في هذا النصر من أبناء جلدتنا، لكن العدو كان أكثر صدقا وموضوعية منهم.
وفي هذه الحلقة، نكشف عن عدد هام من الشهادات التي اعترف فيها الصهاينة والأمريكان بهزيمتهم المنكرة.
رغم التكتم الذي فرضته الرقابة العسكرية على عرض وقائع حرب 2006 تجنبا للمس بمعنويات الصهاينة وجيشهم، فإن الكثير من لقطات الهواة التي تسربت فيما بعد كشفت بالشهادات الحية ما عاشه جيش الاحتلال والمستوطنون من رعب واضطراب نتيجة الحمم النارية التي صبتها المقاومة، وحوّلت منطقة الشمال في كيان العدو إلى ما يشبه الجحيم كما وصفها بعض من وثّق تلك الأحداث فضلا عن شهادات لجنود تعرض لأول مرة حول ضراوة المعارك والقصف الذي تعرضوا له.
الشهادات الجديدة كانت جزء من واقع عاشه الصهاينة طيلة ثلاثة وثلاثين يوما، وقد كشفت عن وطأة الضغط والرعب المتواصل بفعل الضربات الموجعة التي سددتها المقاومة.
وفي إحدى تلك اللقطات، سئل جندي صهيوني: هل رأيت مقاتلي حزب الله؟ فأجاب: فقط عبر العدسة، ومن ثم سئل: صفهم لي وكم أعمارهم؟ فأجاب الجندي الصهيوني: "هم شبان في جيل الثامنة عشرة حتى 25 عاما، لقد كان القتال قاسيا في أغلب الأحيان"، عندها سئل ولماذا القتال كان قاسيا؟ فأجاب: "لأنه قتال ضد قوة أشباح"، ولدى سؤاله: هل تخاف على مصيرك ومصير من حولك؟ أجاب الجندي: "كنا عند مدخل المطلة ورأيت الكثير من الجنود على حمالات الجرحى، مقاتلو حزب الله كانوا يقصفوننا دون توقف ويعلمون مكان وجودنا بالضبط، وكل مرة ننتقل إلى نقطة مختلفة، فهذه رشقات دقيقة ولا أعلم لولا الدبابات ماذا كان سيحصل. لقد تعرضنا لضربات قريبة جدا، بتنا نشعر أننا كالفئران وكل لحظة صافرة إنذار نهرع إلى داخل الآلية".
وتحدث جندي صهيوني آخر فقال: "إذا دخلنا إلى لبنان وأنا أقول ذلك بقناعة تامة فإننا سنعود جميعا بعد ساعتين في التوابيت، صاروخ كورنيت سينهي المسألة، الجميع يعلم ذلك ولا يريد الحديث عنه".
فمن الواضح أن هذه الشهادات للجنود الصهاينة تعرض الحالة النفسية المزرية والتعقيدات التي شهدتها الحرب، وفي هذا السياق يقول أحد الضباط الذين شاركوا في المعركة: "هناك إحباط جراء عدم تمكننا من إيقاف الكاتيوشا والقضاء عليها، وكان هذا أكثر تعقيدا مما اعتقدنا، فنحن لا نقاتل ضد جيش، إنما ضد مجموعات حرب عصابات".
أما أحد الجنود فوصف الواقع بالقول: "نحن لا نقوم بالهجوم، إنما نقوم فقط بإنقاذ الجرحى. كل خلية تستطيع تدمير دبابتين ويكفي أن يسقط قتيل في كل دبابة، لتشتغل كل الكتيبة بالإنقاذ والتغطية، وهذا محبط جدا".
ومن أجل الوقوف أكثر على معاناة الصهاينة جراء الهزيمة، نتوغل الآن في قلب المجتمع الصهيوني، الذي لم تمر عليه الذكرى الثالثة للحرب مرور الكرام، فقد اشتد الخلاف بين الصهاينة حول المتحمل والمتسبب في الهزيمة. وعلى مدار الأيام الماضية، شهدت وسائل الإعلام العبرية تبادلا للاتهامات حول مسؤولية الإخفاق في هذه الحرب، إلى درجة أن المسؤولين غابوا حتى عن حضور ذكرى قتلى الجيش الصهيوني، لأنه ليس ثمة ما يفتخرون به. أما المستوطنون، فقد استمروا تحت وقع الخوف من أن يأتيهم حزب الله من حيث لا يحتسبون.
فمن جانبه، حاول "دان حالوتس" رئيس أركان جيش العدو إبان تلك الحرب تحويل مشاركته في إحدى الندوات إلى منصة للدفاع عن نفسه بالإصرار على أن الحرب سارت بشكل سليم، ملمحا إلى مسؤولية من سبقوه بسبب عدم مواجهة حزب الله قبل أن تتعاظم قوته.
وقال حالوتس في هذا الإطار: "جذور 2006 مغروسة في الوقت الذي انسحبت فيه إسرائيل عام ألفين من لبنان، فقد كان من الممكن الاستمرار بنفس الوضع ودفن رؤوسنا في الرمال والاعتقاد بأن صواريخ حزب الله سيصيبها الصدأ".
أما نائب رئيس جيش الاحتلال، موشي كابلنسكي، فقال: "أعتقد أننا فشلنا في تقصير أمد الحرب، إضافة إلى عدم تجنيد الاحتياط في بدايتها وعدم وجود مبادرة وهجومية والتزام بالمهمة".
وزير الحرب الصهيوني السابق، شاؤول موفاز، قال من جهته: "لماذا لم يتم تدمير منظومة حزب الله الصاروخية في السنوات الست التي سبقت حرب 2006، والتي تبلغ الآن ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب".
وقال موفاز إن "إسرائيل" أهدرت فرصة لن تتكرر وكان باستطاعتها تحقيق إنجازات فيها. ويتحدث موفاز الذي شغل وقت الحرب عضوية الحكومة الأمنية المصغرة "الكابينت" في حكومة أيهود أولمرت قائلا: "اليوم يوجد بحوزة حزب الله قدرة أكبر مما كانت في السابق، إذ بات يمتلك صواريخ بعيدة المدى بمقدورها ضرب العمق الإسرائيلي، والتهديد الصاروخي من قبل حزب الله أكبر بكثير من الخطر الإيراني، وإن حالة الهدوء السائدة على الجبهة الشمالية مع لبنان قابلة للانفجار في كل لحظة، وخصوصا أن النوايا المعلنة لدى حزب الله ما زالت قائمة ولم تتغير، بل ازدادت هيمنة إيران على المنطقة".
وبيّن موفاز أن "المشكلة الأساسية في تلك الحرب، كانت في طريقة اتخاذ القرارات من قبل الإسرائيليين، إذ كان باستطاعة إسرائيل تفادي عدد القتلى لو تم تجنيد قوات الاحتياط في الوقت المناسب، وفي حينها كان القرار القيام بتنفيذ عمليات بدون تحديد أهدافها، مما تسبب في وقوع الكارثة".
وبالرغم من الحديث عن جهوزية الجيش الصهيوني، فقد حذر رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني "غيورا إيلند" بالقول: إن أي حرب جديدة ضد حزب الله ستحمل نفس النتائج التي أتت بها حرب 2006 .
فيما تساءلت صحيفة "يدعوت أحرنوت" إذا كان الردع قد تحقق، فلماذا يختبئ كل من رئيس الأركان السابق ووزير الحرب الذي قال إن حسن نصر الله لن ينسى اسمه، ورئيس الحكومة التي قادت الحرب؟ ودعتهم للنظر في عيون الجنود الذين قاتلوا في مارون الراس وبنت جبيل اللتين تمثلان رمزا معنويا لحزب الله، ولخطاب بيت العنكبوت للسيد نصر الله.
وفي هذا المجال، يقول قائد سلاح الجو الصهيوني السابق "إيتان إلياهو": "السؤال الثقيل كيف سيتم التعامل مع حزب الله الآن؟ وهذا سؤال مهم، لأن الحزب بات أقوى ووضعه في لبنان أكثر متانة. لكن من أجل الخروج للحرب ضده، يجب أن تتولّد الظروف الداخلية والخارجية، ويمكن القول بشكل قاطع إن هذه الظروف غير موجودة، لذا لا يوجد مبرر لشن حرب إضافية ضد حزب الله".
من جانبهم، يرى مستوطنو شمال فلسطين المحتلة أن الحرب يمكن أن تتكرر بالرغم من الحدود الهادئة، لكن غير الآمنة على الإطلاق، فوراء الحدود هناك حزب الله، عدو مستمر بالتأهب ويعاظم قوته، وقد عبّروا عن عدم ثقتهم بقدرة الجيش الصهيوني على الدفاع عنهم بمواجهة الحزب الذي يشعرون أنه قريب جدا منهم ويسمعون أصوات الحفريات التي يجريها، وقد يستيقظون ليروا أنه خرج إليهم من تحت الأرض، وأعرب المستوطنون عن امتعاضهم من موجة الإعمار التي تشهدها المناطق اللبنانية المحاذية للحدود.
إذا كان هذا هو رأي وحالة الشعب والإعلام الصهيوني، فماذا عن الخبراء والمحللين، والذين يعدون الأكثر دراية بالأمور؟
كبار الخبراء الصهاينة لم يكفوا يوماً عن التفكير في الهزيمة وذيولها، ويقيمون الحدث الجلل على حد الاستثناء.
فلو طالعنا ما في الصورة الصهيونية من جدل في السياسة والحرب، لبدا لنا اضطراب في التصورات والتقديرات، مثلما كان الحال عقب حرب أكتوبر 1973، وكل آراء هؤلاء تأتي تحت عنوان عريض هو "التقصير".
فنتائج الحرب والتي وضعت عنوانا نهائيا لها في تقرير فينوغراد الشهير، لا تزال تُستأنف بقوة عبر رؤى وتقويمات متجددة، والدواعي إلى ذلك كثيرة، أهمها ما يعود لديهم إلى استمرار جبهة جنوب لبنان بابا ‌مفتوحا على تهديد إستراتيجيات الأمن الصهيوني، ومنها ما يعود كذلك إلى إجماع القادة العسكريين والسياسيين في تل أبيب على أن حزب ‌الله تحوّل بعد ثلاث سنوات إلى قلعة مكتظة بالصواريخ وتهدد كبريات المدن والمواقع الحيوية الصهيونية.
وإذا كان الخبير العسكري في صحيفة هآرتس "عاموس هرئيل" رأى أن "إسرائيل" لم تخسر الحرب وأنها انتهت إلى تعادل، فإن كثيرا من المعلقين ذهبوا إلى خلاف ذلك، فاعتبروها هزيمة، لأنها لم تتطابق مع التوقعات التي كانوا ينتظرونها. فالجيش الصهيوني الذي نجح قبل عامين أو ثلاثة في كبح عمليات المقاومة الفلسطينية داخل المدن الصهيونية، لم ينجح في وقف نيران مدفعية حزب ‌الله، واضطر سكان الشمال إلى ملازمة الملاجئ خمسة أسابيع، في الوقت الذي لم تدرك فيه الحكومة ورئاسة أركان الجيش مدى خطورة وضع دولة عاجزة عن تأمين حاجاتها الأساسية.
حسب هؤلاء الصهاينة، كشفت الحرب بصورة خطرة المستوى المخزي لتدريبات الجيش التي سبقت الحرب، وحتى العملية البرية التي جرت في الساعات الستين الأخيرة للحرب فشلت فشلا ذريعا، فالجيش الصهيوني لم يفشل فقط في الوصول إلى المواقع التي كان في استطاعته من خلالها أن يهدد حزب ‌الله فعليا، وإنما كشفت كذلك عملية اتخاذ القرارات في القيادة أخطاء تسببت بموت العديد من الجنود، إضافة إلى أن المجموعة الوزارية والعسكرية التي استقالت رفضت تحمّل مسؤولية أخطائها.
ورغم أن عددا من قادة الحرب كرئيس الأركان السابق دان حالوتس الذي دفع منصبه ثمناً للفشل، حاول الدفاع عن حكومة إيهود أولمرت وقراراتها في ذلك الوقت، فإن نائبه موشيه كابلنسكي لزم الواقعية المتشائمة قائلا "إننا دخلنا الحرب من دون خطة عملانية، وعندما يكون هذا الأمر مفقودا فإن الحوار بين المستوى العسكري والمستوى السياسي يصبح مختلا". أما الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال احتياط غيورا ايلند، الذي قدم تصوره عن الحرب في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، فقد حذر من أنه "إذا اندلعت حرب لبنان الثالثة غدا، فإن نتائجها لن تكون مختلفة تماماً عن حرب لبنان الثانية. وإذا اشتعلت النار مجددا في الشمال، فإننا لن نستطيع إلا أن نحارب لبنان كله، بما لذلك من إلحاق أضرار هائلة بكل ما يتصل بالقدرات العملانية للحرب".
هذه عينة تترجم السجال المحتدم في الكيان الصهيوني حول ما يسمونه "الحرب الثانية"، وهي تعكس حقيقة الاضطراب الذي يشهده المجتمعان الأمني والسياسي بعد ثلاثة أعوام على الحرب، ومن هنا نجد وجهتين في التقييم الصهيوني لحرب 2006، الأولى تسعى إلى إظهار صورة مقلوبة عن الإحباط العام الذي يلف البيئات الصهيونية، وخصوصا بعد صدور تقرير لجنة فينوغراد، والآثار السياسية والنفسية المترتبة عنه، وتحاول هذه الوجهة الادعاء بأن الجيش الصهيوني استعاد نظرية الردع، وذلك ما أشار إليه رئيس برنامج البحوث العسكرية في معهد بحوث الأمن القومي "غابي سيبوني"، الذي قال إن "إسرائيل استفادت من الدرس ولن تكرر أخطاءها"
أما الوجهة الثانية: وهي في منطق السجال الصهيوني تسير في اتجاه معاكس، ذلك لأنها مستمرة في نقدها للفشل الذي عصف بإسرائيل جراء الحرب، وهو ما تعكسه ثقافة مدرسة فينوغراد من خلال كتابات وأقوال جنرالات في الجيش وطائفة من السياسيين والصحفيين والمفكرين والخبراء، وتتلخص هذه الوجهة كما عبر عنها المقدم احتياط "إيتي لندسبرغ" بأن أهداف الحرب لم تتحقق رغم الحديث عن الردع كإنجاز، وإن هناك من الإسرائيليين من لهم مصلحة سياسية وإيديولوجية في نسيان حربين مؤلمتين جرتا في لبنان هما حربا 1982 و2006.
وكما هو واضح، فإن السجال الصهيوني المنعقد على تداعيات الحرب لن ينتهي في الأمد المنظور، فثمة ما يشبه رحلة انتقالية شديدة التعقيد يسعى خلالها تيار الحرب الصهيوني إلى اختبار جديد، إلا أن مثل هذا الاختبار لن يكون هينا بحال من الأحوال. فمثلما يتحصن الصهاينة بدروس الحرب، فإنهم يخشون في المقابل ما تمتلئ به تلك القلعة الهائلة من الصورايخ، التي قال عنها قائد الفرقة 91 في الجبهة الشمالية اللواء "عماد فاس": "إنها ستدخل إسرائيل كلها إلى جهنم الحمراء".
ومن الكيان الصهيوني إلى الولايات المتحدة الطرف الثالث في حرب 2006 فقد صدرت الكثير من المقالات والتقارير والدراسات التي أجمعت على أن حرب 2006 كانت حربا أمريكية في المقام الأول خاضتها "إسرائيل" بالإنابة، وهزمت فيها أميركا و"إسرائيل" بالأصالة، ويضاف دليل آخر على أن الحرب كانت أمريكية، فالجيش الأمريكي الذي أعلن أنه أجرى دراسة مفصلة عن الحرب تخلص إلى اعتراف كامل بالهزيمة، بدأ يدعو لاستخلاص الدروس ويحث على وضع الخطط لحرب قادمة يتم فيها تلافي نقاط الضعف والتقصير واستعادة الهيبة التي مرغت في التراب.
الدراسة التي شارك فيها كبار جنرالات الولايات المتحدة وفي مقدمتهم الجنرال المتقاعد "روبرت سكيلس"، تناولت قدرات وتجربة المقاومة الإسلامية اللبنانية وتطورها منذ الثمانينات وصولا إلى 2006، وقدمت توصيات مهمة للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة باراك أوباما.
وبناء على هذه الدراسة، تم إجراء تعديلات على الموازنة العسكرية الأمريكية لتحسين بعض قطع السلاح والتقنيات الحربية والعسكرية، إضافة إلى الخطوات المثلى التي اتخذت في ذات الاتجاه في "إسرائيل"، وهو ما يؤكد مجددا أن أميركا و"إسرائيل" كانتا في الخندق ذاته في الحرب وبالمقدار نفسه، وهو ما يؤكد أيضا حقيقة إلحاق الهزيمة بأمريكا على المستوى العسكري وليس السياسي فقط.‏
وإذا كانت الهزيمة السياسية وعملية إسقاط الشرق الأوسط الجديد التي بشرت بولادته رايس قد تم إثباتها وتحقيقها من قبل، فإن دراسة الجيش الأمريكي لحرب 2006 تثبت على نحو واضح الهزيمة العسكرية الأمريكية.‏
وكانت تفاصيل المعارك البرية التي دارت رحاها في قرى الجنوب اللبناني، قد حازت على اهتمام الخبراء والمحللين الأمريكيين، وتحوّلت عيتا الشعب ومارون الراس وبنت جبيل، وغيرها، إلى مدارس في الفنون القتالية بالنسبة لصانعي ومهندسي الحروب الأمريكيين. وتحت عنوان "حزب الله في الحرب"، قدم تقييم عسكري أعده الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والضابط السابق في الجيش الأميركي "أندرو أكسوم"، الذي قسم الحرب إلى ثلاثة أجزاء: معركة القرى، معركة المضاد للدروع، معركة الصواريخ.
وأشار "أكسوم" الذي شارك في غزو العراق وأفغانستان في مستهل تقريره، إلى أن صانعي السياسات في الولايات المتحدة يجب أن يستفيدوا من هذه الحرب، كون الطرف الذي عانى كثيرا في الحرب، أي "إسرائيل"، مجهز بعتاد وتقنيات أمريكية.
ويضيف الباحث الذي زار لبنان وفلسطين المحتلة من أجل تقييمه هذا، أن مقاتلي حزب الله يملكون خبرة وتكتيكا عسكريين يفوق تلك التي يملكها الإيرانيون، الأمر الذي يدفع المراقبين المستقلين للقول بأن حزب الله هو من يدرب الإيرانيين.. لا العكس.
وفي هذا الإطار، يضيف أكسوم أن أداء حزب الله في حرب 2006، يحث على ضرورة الأخذ بجدية أن الحزب مستقل بقراره العسكري بشكل تام عن أي قوة خارجية، وأن القرارات بما فيها قرار الأسر اتخذ في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وفي الجزء الذي يتحدث فيه عن الحرب، يؤكد "أكسوم" أن التكتيك الذي استعمله حزب الله في الحرب الأخيرة كان ملائما لها. وعلى الرغم من أن الحزب فوجئ بقوة واتساع الرد، فإنه تمكن من مفاجأة "إسرائيل" برده على الهجوم، بحيث استطاع أن يفرض على الجيش الإسرائيلي المعركة التي يريدها المقاومون، لا التي جاء لأجلها الإسرائيليون.
ثم ينتقل التقييم إلى أجزاء أكثر تفصيلا، حيث يسرد لمعركة القرى التي يرى فيها "أكسوم" ورطة للجيش الإسرائيلي، فحزب الله لم يفاجئ الجنود الإسرائيليين فقط، بل أغضبهم ومكّنهم من تجربة قتال مجموعة عربية تحترف المناورات التكتيكية تحت وابل النيران.
ويضيف أكسوم أن حزب الله جعل "إسرائيل" تدفع من دماء جنودها ثمن كل سنتمتر من أراضي القرى التي حاولت احتلالها.
وحرب 2006 برأي أكسوم، ستبقى على مدى العصور تعرف بحرب مضاد الدروع. وفي الجزء المعنون معركة مضاد الدروع، يشير الكاتب الأمريكي إلى أن تكتيك حزب الله الناجح في استعمال الصواريخ المضادة للدروع، جعله يستفيد من الأخطاء الإسرائيلية التي ارتكبت على الأرض.
وفي القسم الأخير الذي يحمل اسم معركة الصواريخ، يشير أكسوم إلى أن حزب الله حقق نجاحا تكتيكيا، وفشلا إستراتيجيا، فهو حسبه تمكن من الاستمرار في ضرب العمق الصهيوني على مدى الأيام الثلاثة والثلاثين وبالكميات نفسها، وهذا نجاح تكتيكي. أما الفشل الإستراتيجي، فهو عدم القدرة على كسر ما أسماه ب "إرادة المستوطنين".
وفي ختام الدراسة، يوضح الكاتب أن حزب الله يعرف كيف يوزع قوته النارية، أيا كان السلاح الذي يملكه، وهذا الذي يجعله قادرا على إدارة المعركة، مراهنا بأن حزب الله بدأ بالتحضير للمواجهة المقبلة عبر التحضير لضرب نقطة تفوق الجيش الإسرائيلي، وهي سلاح الجو.
يتبع
------------
تقرأون في الحلقة القادمة
"الأمة العربية" تحاور أبطال حزب الله
شهادات مثيرة تؤكد على أعظم انتصارات العرب
روايات تكشف عن النصر الإلهي
2000 رجل حطموا الأسطورة وزلزلوا العالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.