شهدت الجزائر منذ التسعينات تأسيس عدد كبير من الجمعيات التي تهتم بتنمية مجالات متنوعة جديدة مثل حقوق الإنسان والفئات ذوي الاحتياجات الخاصة ، والأخرى المهتمة بحقوق المرأة و الدفاع عن المحيط والبيئة بالإضافة إلى جمعيات مهنية خاصة بالتجار والفنانين والمقاولين. وقد بلغ عدد الجمعيات المعتمدة بالجزائر أكثر من 80 ألف جمعية حيث أشارت إحدى الدراسات حول الجمعيات إلى أن أكثر من 75% من الجمعيات الناشطة ظهرت في الفترة الممتدة بين 1990 و2004 ، وذلك على خلفية القوانين الجديدة التي تضمنها قانون الجمعيات الذي فتح المجال لتشكيل الجمعيات ، إلا أن وجود جمعيات قوية وناشطة في الميدان لا يزال يطرح نفسه بشدة لا سيما في الوقت الحالي بعدما أثبتت الجمعيات الجزائرية فشلها في لعب دور محوري كقناة حقيقية للتعبئة والتوجيه ، فلماذا لا تمثل الحركة الجمعوية الجزائرية قوى مؤثرة وفعالة في المجتمع ،وكيف يمكن استغلال هذه الأشكال التنظيمية من اجل التواصل وتحقيق التنمية الاجتماعية ؟. وقد أبرزت دراسة اجتماعية إن نشاط اغلب الجمعيات في الجزائر يتسم بالطابع الموسمي، حيث تعيش أغلب الجمعيات في حالة «سبات» ولا تظهر إلا في المواعيد الانتخابية أو في المناسبات الدينية والاجتماعية كشهر رمضان و الأعياد و الدخول المدرسي... ، كما أنه يتم تسجيل بين فترة وأخرى اختفاء بعض الجمعيات ، لعدم تمكنها من الحفاظ على وتيرة عمل متواصلة مع الشريحة المعنية و عجزها عن إعادة إنتاج ذاتها ماديا واجتماعيا بسبب ارتباطها بدعم الدولة أو المنظمات غير الحكومية ،وهو ما يبرز بوضوح من خلال المشاكل المتعلقة بالمقرات أو ببطء تجسيد المشاريع وبرمجة النشاطات، وهو ما يفسر ضعف نسبة الانخراط في الجمعيات بالجزائر التي لا تفوق ال4 بالمائة مقابل 11 بالمائة في المغرب و44 من المائة في فرنساكما تتجه معظم الجمعيات في الجزائر إلى العمل في النشاطات الخيرية والخدماتية الترفيهية ،حيث تتكون التشكيلة الجمعوية من " 43% جمعية اجتماعية،27,8 % ثقافية،13,7% رياضية، في حين تشكل الجمعيات الناشطة في مجالات حقوقية مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة والبيئة وحماية المستهلك أقلية من إجمالي نسيج المجتمع المدني ، كما تشكو بعض الجمعيات من نقص كفاءة مسيريها الذين يظهرون في كثير من الأحيان عاجزين عن التسيير .وأرجع الدكتور سعيد عيادي المختص في علم الاجتماع فشل الجمعيات في جلب الإقبال الكافي بسبب ضبابية الصورة التي يشكلها المواطنون عنها ،كما أن هذه الأشكال التنظيمية عجزت في الكثير من الأحيان عن مد جسور التواصل بينها وبين الفئات التي تعنيها بسبب قلة التكوين وهو ما يدعو إلى الاهتمام وإعادة الاعتبار لهذه الحلقة التي تبقى مفقودة في الكثير من الجمعيات .وأوضح الدكتورعيادي أن الجمعيات الجزائرية والحركة الجمعوية بالجزائر بصفة عامة تندرج فيما يسمى بالاقتصاد التضامني الذي يقتضي أن يحوز أعضاء الجمعية مستوى عال من المعرفة والوعي في المجالات التي تهم المواطنين المستهدفين من هذا التجمع من الكفاءات الوطنية الملتزمة بالعمل من اجل الرفع من مستوى الحياة الاجتماعية وتحقيق الجودة فيها إلا أن الواقع يتافى ما يجب أن تكون عليه الأمور فالجمعيات لا تساهم في تفعيل البرامج الحكومية المتعاقبة منذ الاستقلال كما ان غياب حس المسؤولية والالتزام بمفهوم الخدمة العمومية هو الذي افشل مشاريع لؤلئك الذين ظنوا انهم يحسنون عملا.من جانبها أرجعت فاطمة الزهراء زرواطي رئيسة الفدرالية الوطنية لحماية البيئة «لافعالية» الجمعيات بالجزائر إلى التهميش الذي يمارس عليها من طرف السلطات على كل المستويات ابتداء من رئيس البلدية إلى غاية الوزارة الوصية لا سيما فيما يتعلق بإشراكها في التخطيط والدراسة الموجهة للمشاريع المتعلقة بمجال نشاط الجمعيات وهو ما يجعل كلا الطرفين معزولين بطريقة تعرقل نشاطات الجمعية من جهة وتضعف موقف السلطات أمام تحدي تجسيد المشاريع ، كما أكدت رئيسة الفدرالية الوطنية لحماية البيئة على ضرورة تكثيف التواصل بين الجمعيات وبين السلطات وقالت نحن بحاجة إلى أن نتواصل مع المسؤولين والسلطات من اجل أن يتم إشراك المواطن في القضايا التي تهمه ولكي نحظى نحن بالمصداقية .