حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً .. عاد الحجاج.. ولكن بأي شيء عادوا؟ لقد سعد أناس بأداء فريضة الحج هذا العام فلله الحمد والمنة على ما أنعم به عليهم من إتمام نسكهم وعلى ما يسّر لهم وأعانهم على إكمال هذه الشعيرة العظيمة نسأله سبحانه أن يتقبل منهم وأن يرزقنا وإياهم الإستقامة على دينه إنه جواد كريم. وهاهم بدأوا يَقدمون من خير البقاع بغير ما ذهبوا به ويَصدُرون بخلاف ما وردوا يرجعون بوجوه غير التي راحوا بها ويعودون بقلوب غير تلك التي سافروا بها. روى أنه لما قدم عَمرو بن العاص من مكة إلى المدينة ليَعرض إسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم هشّ له المصطفى صلى الله عليه وسلم وبشّ وبسط يمينه ليبايعه على الإسلام ولكن عَمراً قبض يده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك عَمْرو؟! قال: أردت أن أشترط فقال عليه الصلاة والسلام: تشترط ما ذا؟ قال: أشترط ان يُغفَر لي فقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله . فأي فضل عدتم به حجاجنا وأي جزاء أعظم من تكفير السيئات وستر العيوب وإقالة العثرات؟. وأي هدف أسمى وغاية أنبل من غفران الذنوب والتجاوز عن السيئات! ؟. فيا أيها الحاج: بعد أن تحققت لك الأمنية وتمّت لك العطية وخرجت بإذن الله من صفحاتك السوداء بصفحة بيضاء نقية ناصعة بهية وأعمال مرضية وروح مرتفعة المعنوية احذر من العودة إلى الدنس والإفراط في الذنوب بلا تفكير بعد النقاء والصفاء والتطهير. أترضى بعد الرفعة والإجلال أن تعيش منبوذا تافها حقيرا فذنب بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها فما أحسن الحسنة بعد الحسنة وما أقبح السيئة بعد السيئة!. نعم.. عاد الحجاج ولكن بأي شيء عادوا؟. فما أجمل أن يعود الحاج بعد حجه إلى أهله ووطنه بالخلق الأكمل والعقل الأرزن والوقار الأرصن والشيم المرضية والسجايا الكريمة!. ما أجمل أن يعود الحاج حسن المعاملة لقُعَّاده كريم المعاشرة لأولاده طاهر الفؤاد ناهجًا منهج الحق والعدل والسداد المضمر منه خير من المظهر والخافي أجمل من البادي!. إن من عاد بعد الحج بهذه الصفات الجميلة هو حقًا من استفاد من الحج وأسراره ودروسه وآثاره. غفر الله لنا ولكم أيها الحجاج ولمن استغفرتم له وبارك في حجكم وجعله من أسباب فلاحكم.. حجا مبرورا وذنبا مغفورا.. اللهم وإن كان للعمر بقية فاجعلنا من حجاج بيتك العام القادم إن شاء الله فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه...