في خرجتنا الميدانية والوقوف على مشاكل بعض الأحياء التابعة لبلدية خميس مليانة بولاية عين الدفلى على غرار منطقة بوطان والتي طالما سمعنا عنها، لم يخطر ببالنا أن تطرح أزمة العزلة بتلك الحدة التي رصدناها لدى السكان إلى درجة أنها أصبحت بمثابة هاجس يؤرق يومياتهم، بل ونالت حصة الأسد على مجمل الانشغالات والاهتمامات، والغريب في الأمر أنها من بلديات العاصمة ورغم أنها لم تبعد عن مقرها سوى كيلو متر فقط. إنها بعيدة كل البعد عن اهتمام المسؤولين المتداولين على السلطة المحلية بالمنطقة، حيث تعيش أكثر من 320 عائلة في عزلة تامة فرضها موقعها الجغرافي من جهة وإهمال المسؤولين من جهة أخرى حسب عمي (جلول) مرافقنا في جولتنا التي حاولنا من خلالها الوقوف أمام ما يتكبده هؤلاء. ونحن نتوجه نحو البلدية التقينا أحد أقارب عمي جلول وما إن عرف هويتنا حتى بدأ يسرد علينا قصة المنطقة التي تحوَّلت وخلال فترة وجيزة من العشرية الدموية إلى ملاذ كل سكان البلديات المجاورة، وبفعل النزوح الريفي والهجرة الجماعية هروبا من خطر المجازر، وبذلك صارت المنطقة تشهد حالة من الاكتظاظ أكثر مما كانت عليه، حيث كانت منطقة ذات طابع فلاحي بالدرجة الأولى، غير أن هذا لم يدم بفعل الأزمات التي عرفتها البلاد خاصة أزمة العشرية السوداء، وحتى أزمة السكن الذي ساهمت وبشكل كبير في الفوضى والاكتظاظ الذي أصبح يميز المنطقة. فهذه البنايات أقل ما يمكن وصفها بأنها بناياتٌ منكوبة تنتظر ساعة الفرج، هي عبارة استقبلنا بها (عمي عيسى) أحد قاطني الحي، بعدها مباشرة سرد لنا قصة معاناته في بيت يتكون من غرفتين يأوي 12 شخصا، وفي ظل غياب أهم شروط الحياة الكريمة خاصة وأنه يتحمل مسؤولية إخوته العشرة ووالدته المريضة بعد وفاة والده، بعد سقوط سقف بنايتهم بعد تهاطل كميات معتبرة من الأمطار، متسائلا في ذات السياق عن تواجد المسؤولين المتربعين فوق الكراسي والذين لم يحركوا ساكنا لتغيير ولو جزء من معاناتهم التي طال أمدها؟ ونحن نغوص في الحي صادفنا مجموعة من السكنات مبنية من الطوب والصفيح واقعة على حافة منحدر قابل للسقوط في أية لحظة بسبب انزلاق التربة، حاولنا التقرب منه غير أن أحد مرافقنا منعنا من ذلك محذرا إيانا من المخاطر التي سنتلقاها عند دخولنا لتلك السكنات، ولكن عملنا الميداني يتطلب الوقوف عند مثل هذه الصعوبات دخلنا الحي رفقته، توجهنا إلى أول عائلة وهي عائلة (ب م) التي عانت الكثير من ويلات الإرهاب الذي سفك دم أبنائها، باعتبار أن المنطقة كانت مسرحا للأحداث الدموية، فبعد هروبها من ويلات الإرهاب وقعت في ويلات الطوب والصفيح الذي قهر حياتهم وحوّل حياتهم إلى جحيم، فخطر الموت يحدق بهم في كل لحظة خاصة وأن بيتهم يقع على مستوى منحدر مائل قابل للانجراف، هذه حالة أكثر من 40 عائلة في نفس الحي، أضف إلى ذلك مشكل آخر يهدد هؤلاء وهو القناة الرئيسية التي تصب فيها قنوات الصرف الصحي للحي والأحياء المجاورة والتي تتسرب مياهها إلى الخارج، والتي ساعدت على انتشار الأمراض المزمنة لدى الصغار والكبار والأمراض الجلدية، ضف إلى ذلك أن معظم بنايات السكان تتواجد تحتها قنوات الصرف الصحي، وفي هذا السياق، اشتكت إحدى السيدات إصابتها بالربو بعدما تعرضت قناة الصرف للانفجار في بيتها، ناهيك عن الروائح المنبعثة في الحي التي أصبحت تنبأ بحدوث كارثة وبائية ويكون ضحيته الفئة الفقيرة التي استنجدت كثيرا بالمسؤولين الذي لم يكترثوا للوضع الذي يدق ناقوس الخطر ويهدد الصحة العمومية. كما يواجه شباب حي بوطان فراغا قاتلا وواقعا مؤلما بسبب النقص الفادح المسجل في غياب فرص العمل سواء المؤقتة أو الدائمة، فحتى مشروع 100 محل لم يظهر له أثر بالمنطقة، وهو الهاجس الذي عبّر عنه شباب المنطقة خلال زيارتنا الميدانية، حيث لا يزال حلم العشرات من أبناء ولاية عين الدفلى الخروج من دائرة البطالة، وفي انتظار ذلك يبقى الوقوف أمام المحلات أو الجلوس بالمقاهي كوسيلة لقتل الفراغ الذي حاصرهم وحول حياتهم إلى معاناة حقيقية، مع العلم أن معظم الشباب من خرجي الجامعات والمعاهد التكوينية، وما زاد من حدة الوضع غياب مرافق الترفيه، إذا لا يكاد المتجول بالبلدية المذكورة أن يرى فضاء ملائما للراحة أو ملعبا جواريا مهيئا ما عدا قاعة رياضة بحي زيروت، يبدو أن قاصديها ليسوا بكثير خاصة وأن أنشطتها لا تتلاءم مع اهتمامات شباب المنطقة. وأمام هذه الأوضاع المزرية وجملة النقائص يطالب سكان منطقة بوطان بخميس مليانة بالتدخل العاجل لإخراجهم من المعاناة وحياة الترييف التي تطبع يومياتهم وهذا بترحيلهم إلى سكنات لائقة تحفظ كرامتهم.