حذر عدد من الأطباء المتخصصين في جراحة الأنف الحنجرة والأذن، من الارتفاع المقلق لحالات الإصابة بسرطان الأنف ومختلف الأمراض الخاصة بالأذن والحنجرة نتيجة التغيرات المناخية، واستمرار الحرارة نتيجة الوضعية البيئية المتردية التي تتخبط فيها ولاية عنابة. وصرح عدد من هؤلاء الأطباء، منهم أصحاب العيادات الخاصة والممارسين في المستشفى العام بالجسر الأبيض، أن الإصابات بالداء الخبيث في مراحله الأولى تكاد تسجل يوميا بمختلف بلديات ومناطق عنابة، حيث لوحظت الأعراض على العديد من المرضى الذين يتم الطلب منهم إجراء فحوصات بالمصورة الطبية و تحاليل الدم، لمتابعة رحلة علاج مضنية يتم الانتقال خلالها من ولاية عنابة لولايتي قسنطينة والجزائر العاصمة لمتابعة جلسات العلاج الكيميائي. وإلى جانب هذه الفئة من المرضى، هناك فئة أخرى تصاب بأمراض مختلفة تبدأ على شكل التهابات في الجيوب الأنفية، ناجمة أساسا من انبعاث الروائح الكريهة وتلوث الجو بشكل كبير. في هذا السياق، دق المعنيون ناقوس الخطر من أجل لفت الانتباه للوضعية الكارثية التي تتواجد عليها البيئة وسط المدينة على الخصوص، وهو ما تترجمه بكل وضوح وضعية أحياء تقع في قلب مدينة عنابة ، على غرار حي بوقندورة، الحطاب، حي بيجو،حي القومية أمام متقنة عنابة، وغيرها من الأحياء التي تتجمع فيها أكوام من النفايات المنزلية، يصل وزنها إلى أطنان تتأثر بتغير المناخ وارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، وبالتالي تحولها لمصدر انبعاث ميكروبات خطيرة عبر الهواء تنقلها الروائح التي يتم استنشاقها، لتتسبب في بروز أنواع العديد من الأمراض التي تصيب جهاز الأنف الحنجرة والأذن إلى جانب تأثر الجهاز التنفسي كذلك. وتأتي هذه المستجدات التي يصر الأطباء على لفت الانتباه لها، في الوقت الذي تسجل مصالح البلدية غيابا فادحا وغير مفهوم من قبل المواطنين، الذين ضاقوا ذرعا بغياب عمال النظافة لأيام عن مناطق معينة وسط مدينة عنابة. وتجدر الإشارة إلى أن التلوث البيئي الذي بلغ مستويات خطيرة في عنابة، ابتداء من الانتشار الواسع للنفايات والبقايا المنزلية، ووصولا لانبعاث الغازات السامة من المركبات الصناعية فرتيال وأرسيلور ميتال، تعم كامل أرجاء الولاية بمافيها وسطها. وبالموازاة لهذا المشهد، لا توجد أي مبادرات عمومية تهدف لحماية المحيط على الأقل من الانتشار المزري لأطنان من النفايات المنزلية، وما يصاحبها من تكاثر للفئران والحشرات الضارة الأخرى. و خير مثال على الغياب التام لمصالح البلدية ومديرية البيئة، تحول السوق المغطى أوما يصطلح على تسميته ”سوق فرانسيس” بعنابة لقنبلة موقوتة، بسبب الروائح الكريهة التي تعمه، بوجود تدفق للمياه القذرة لم يتم التخلص منها رغم تخصيص غلاف مالي بملايين الدينارات، لإعادة تهيئة هذه السوق، التي لم يتغير في وضعها شيء، حيث بقي التلوث معششا فيها نتيجة الانتشار غير القانوني للتجار الفوضويين لبيع السمك من جهة، ولامبالاة التجار أصحاب المحلات من جهة أخرى، حيث تنعدم كليا شروط النظافة خصوصا في عمليات بيع الدجاج، التي يتم عرضها بمبردات وضعيتها أكثر من كارثية. حالة هذه السوق التي أثرت بشكل كبير وحساس على المحيط وسط المدينة تستدعي، حسب المواطنين، تدخلا يتمثل في أكثر من عمليات طلاء للجدران، وإنما إعادة تهيئة شاملة لخانات السوق، التي باتت تشكل خطرا كبيرا على الصحة العمومية، مع تحمل البلدية لمسؤولياتها اتجاه البيئة والمحيط من خلال قيام عمال النظافة وتهيئة المحيط بالمهام المنوطة بهم، لتغيير الواقع المأساوي لعنابة التي تحول وسطها لمكب نفايات عمومية، حيث يتساءل المواطنون عن مصير الأموال التي يتم رصدها لصالح المشاريع العمومية التي يبقى مستواها في تدهور تام من سنة لأخرى، ما أعاد عنابة سنوات للوراء وكرس فيها المشهد الريفي بكل مقاييسه.