حكم التداوي تعتريه الأحكام الفقهية الخمسة: الوجوب، والاستحباب، والإباحة، والكراهة، والتحريم. والمؤثر في تحديد الحكم: قواعد الضرورة ورفع الحرج، والنظر في المآل، وقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد. وأوجب الله تعالى على العبد حفظ نفسه، وجعل العبد صاحب الحق في بدنه بالإذن والمنع فيما أباح الله ؛ ويشمل ذلك ما يكون في حياته وما يأذن به بعد وفاته. وأن أولياء الميت هم أصحاب الحق في بدنه من بعده، فيكون لهم من بعده حق الإذن والمنع في بدنه فيما أباح الله جل وعلا، وما يعود عليه بالنفع. وهناك أحكام في هذا المجال لا يسع الفقيه جهلها: 1- حقيقة الموت والوفاة شرعاً: مفارقة الروح للبدن. وخروج الروح إنما يعرف بالعلامات الحسية للموت. ولا يثبت الموت إلا بعد تحقق العلم اليقيني بالموت؛ فلا يكفي مجرد الشك أو غلبة الظن. 2- حقيقة الموت الدماغي طبياً: توقفٌ في وظائف الدماغ توقفاً لا رجعة فيه. واختلف أهل الاختصاص الطبي في تحديد هذا التوقف على رأيين: الرأي الأول: أن موت الدماغ هو توقف جميع وظائف الدماغ (المخ، والمخيخ، وجذع الدماغ ) توقفاً نهائياً لا رجعة فيه. وهذا رأي المدرسة الأمريكية. الرأي الثاني: أن موت الدماغ هو: توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفاً نهائياً لا رجعة فيه . وهذا رأي المدرسة البريطانية. ويتبع هذا الخلاف، خلافات تفصيلية في شروط تشخيص الموت الدماغي. وخلافات أخرى لا علاقة لها باختلاف المدرستين في تعريف الموت الدماغي، ومن ذلك: اختلافهم في تطبيق مفهوم موت الدماغ في الأطفال، فعدد من مراكز زراعة الأعضاء العالمية تستبعد الأطفال من تطبيق مفهوم موت الدماغ. 3- ما يجوز نقله من الأعضاء إنما يجوز وفق الشروط العامة التي لابد من اعتبارها في نقل أي عضو من الأعضاء، وهذه الشروط هي : أ- ألا يترتب على المتبرع ضرر بذهاب نفسه أو منفعة فيه ؛ كالسمع والبصر والمشي ونحو ذلك؛ حفظاً لحق الله تعالى. ب- ألا يكون النقل إلا بإذن المنقول منه؛ حفظاً لحق العبد في بدنه. وأخذ العضو دون إذنه ظلم واعتداء. ج- أن يكون إذن المنقول منه وهو كامل الأهلية ؛ فلا يصح من الصغير، والمجنون، أو بأسلوب الضغط والإكراه، واستعمال أساليب الحيل والإحراج؛ حفظاً لحق العبد في بدنه. د- ألا يكون النقل بطريق تمتهن فيه كرامة الإنسان؛ كالبيع، وإنما تكون بطريق الإذن والتبرع. ه- أن تحفظ العورات ؛ فلا يجوز الكشف عليها إلا عند الضرورة، أو الحاجة الملحة، والضروة أو الحاجة تقدر بقدرها. و- إعمال الأطباء الذين يشرفون على علاج المريض قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد للمريض والمتبرع ؛ فلا تجرى عملية النقل وانتفاع المريض بها مرجوح، ولا ينقل العضو من الإنسان مع إمكان علاج المريض بوسيلة أخرى. وغير ذلك من الصور والأحوال التي يدور عليها تصرف الطبيب مع المريض بإعماله لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد. وإليكم قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 صفر 1408ه الموافق6-11 شباط (فبراير)1988م، بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً، وهو تحت رقم: 26 ( 1/4 ) قرر ما يلي: 1- يقصد هنا بالعضو أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها كقرنية العين. سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه. 2- الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه. على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً. ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين : الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً. الحالة الثانية : توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً. فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة. 3- من حيث الأحكام الشرعية: أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهود له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً. ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة. ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية. رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر. خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة. سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له. سابعاً: وينبغي ملاحظة: أنَّ الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما. أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر. ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.