في سوريا وليبيا واليمن والبحرين وتونس والعراق وسواها من بلدان العرب التي يجتاحها الحراك المخلوط بدخان الحرب او التنازع، أصبح من الضروري الخروج من لغة الخشب إلى لغة الواقع والمسؤولية.. فليس اكثر من الدمار الذي يهدد عواصمنا العربية الا التشتت والاقتتال على بوابات الحارات والشوارع بين القبيلة والقبيلة، والطائفة والطائفة، وليس سوى التدمير المجنون لكل ما لدينا من مؤسسات وإهدار لإمكاناتنا وثرواتنا.. في الفقه الاسلامي يصبح التحرك نحو التغيير باليد إثما اذا نتج عنه فساد اكبر، وفي السياسة تصبح العملية التغييرية عبثية إن كانت المحصلة ارهاق البلد وإرباكه.. وان حسابات المنطق والدين والانسانية ترفض ان يستمر المتحاربون في حربهم اذا كانت النتائج صفرية ولا ينتج عنها الا الأيتام والأرامل والثكالى والتخريب لكل عناصر الحياة. نقول هذا الكلام ونحن نتابع ما يجري في سوريا من تدمير للبلد شبرا شبرا وموقعا موقعا، وكأن المتقاتلين اتفقوا على تنفيذ مخطط منهجي لتدمير سوريا.. ويصبح كل من يصب الزيت على النار انما هو شريك في تدمير سوريا ولا يصح في هذا الموقف إلا الدعوة المستمرة للمتقاتلين بضرورة التوقف عن تخريب البلد واللجوء إلى منطق العقل والحكمة والمسؤولية لوضع حد للانهيار الخطير. هناك من يعتقد ان الأماني والأحلام تغنيه عن الواقع شيئا، وهناك من يظن بالوعود القطرية والغربية خيرا، ولا يعرف كثيرون ان الدم السوري والبلد السوري والتاريخ السوري اصبح في ملعب قمار اطراف اقليمية ودولية.. وإن كان الأمر لا يخفى على عاقل، فإننا لا نكاد نصدق ما نسمع من اطراف الاقتتال، حيث تختفي الكلمات المسؤولة والروح المسؤولة، ولا نسمع إلا ما يرضي الشيطان الغربي والصهيوني. اجل لا بد من مراجعة المواقف، ولا نستطيع هنا ان نقدم مبادرة، وإن كنا نقدم بالنيابة عن الأمة كلها صرخاتنا المذبوحة وألمنا المستفحل فينا بأن كفى دمارا.. وكفى دما.. فأي بلد بعد الذي تفعلون تريدون، واي انسان بعد الذي تقتلون تريدون، واي مستقبل بعد واقع الدمار تريدون..؟؟ ان سوريا لن تظل سوريا اذا استمريتم في الاقتتال، وان الشعب السوري سينال على ايديكم اسماء عديدة ليس بينها اسمه الحالي.. فأنتم ايها السادة تذبحون الوطن بسكين الغرب، وتقطعون الشعب بسيف أبي لهب. المراجعة على انقاض الخراب العظيم مسألة لا يمكن تجاوزها، والتراجع عن الإيغال في الدم السوري مسألة ستكون فارقة بين الجريمة والتوبة، وبين الخيانة والوطنية، وبين خوف الله واتباع الهوى.. انها مراجعة مسؤولة تكون اشارة البدء فيها اعلان الاستعداد للالتقاء والحوار والتفاهم على طريقة للخروج من المأزق المأساوي..و في ظل الظروف الحالية، شديدة التعقيد، تتضح رغبات شريرة بأن يستمر الاقتتال، وتوازن الضعف بين طرفي التنازع وصولا لتدمير آخر حجر في سوريا.. ومن هنا يصبح لزاما على كل صاحب ضمير في اي من الجبهتين ان يجهر بصوته وموقفه داعيا للحوار والحل السلمي، ولعل الله يرى في هذه الأصوات اخلاصا فيوفقها.