انضمت إيران لغالبية دول المعمورة، التي تمارس التداول السلمي والديموقراطي على السلطة، حسب توجهات كل دولة، ووفقا لعقيدتها وأمنها القومي، أو لنقل على الطريقة الإيرانية التي يجب احترامها، ولا يمكن لأعداء الدولة الإسلامية التي بلغت من العمر أزيد من أربعة وثلاثين سنة من التحدّي، أن يشكّوا في أن أي مؤسسة في الدولة بما فيها مرشد الدولة الإسلامية علي خامنائي، أو جهة أجنبية هي التي قدّمت ورشّحت وفرضت السيد حسن روحاني رئيسا على الشعب الإيراني، وسيكون التركيز على خطاب المدّ الشيعي والديموقراطية المزيّفة التي لا تخرج عن دائرة الموالي، والحنين للامبراطورية الفارسية، لانتقاد إيران، وهي تبني دولتها العصرية التي تكهن لها أعداؤها بالانهيار في منتصف ثمانينات القرن الماضي، هو اجترار لخطاب أكدّ أننا ظاهرة صوتية، لا نتقن سوى انتقاد الآخرين دون أن نتمكن من أن نضع لبنة لدولة، أو نحصّن أنفسنا من الخوف من الآخرين، فمرة نشتكي من الشيوعية والميوعة، وأخرى من التنصير، والآن من التشيّع، وكأننا أوراق شجر تتقاذفها العواصف، وسنكون تلاميذ أغبياء، لو تركنا الدرس الإيراني يمرّ كما مرت الدروس الماليزية والأندونسية والإفريقية دون أن نتعلم منها، أما أن نضع أنفسنا كمحللين اقتصاديين نتكهن بانهيار الاقتصاد الإيراني الذي صمد برغم الحصار العالمي المضروب عليه، أو فقهاء نزعم أننا نتبّع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون خلق الله، ونحن في آخر مراتب العلم وننابز الآخرين بالصفوية والنصيرية وهم بنوا دولتهم التي عطلت "الربيع" عندما أرادت، من أن يُدخل سوريا في فصول الفوضى، بعد أن تابعنا عواصف ربيع في بلدان تئن جميعها الآن دون أن نتمكن من نجدتها. لقد قدمت إيران عددا من الرؤساء في فترة وجيزة في حياة جمهوريتها الفتية ما فاق عدد الرؤساء العرب مجتمعين، وقدّم هؤلاء برامج تنموية اختلفت وتنافست لأجل رخاء الشعب الإيراني دون الخروج عن المبادئ التي ارتضاها الشعب الإيراني، والتحديات التي أجمع عليها خلال أول دستور بعد رحيل الشاه، فتمكنت البلاد من الصمود أمام عاصفة العداء ودعمت حزبا في لبنان صار لا يدخل معركة إلا وحسم النصر فيها لصالحه، حتى ولو كان العدو إسمه إسرائيل، التي كانت تتفسح عسكريا كلما لاقت جيوشا وشعوبا عربية.
إلى زمن قريب كنا نتهم الشيوعية بإلحادها وعدائها للإسلام، ثم صرنا نتهم الأمريكيين والغرب بعنصريتهم وإساءتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بمختلف الفنون من كاريكاتير إلى مسرح إلى سينما، ونتهم الآن الشيعة بسبهم لأم المؤمنين عائشة وللخليفين الراشدين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وقد يكون الكثير من هذه الاتهامات صادق ويحتاج التحرك فعلا، لكننا لم نعترف أبدا أن كل هذه التهم تنطبق علينا، لأن الذي أهان الإسلام فعلا هو الذي تابع كل الأمم وهي تبني دولتها وبقي يحلم بانهيار هاته البنايات حتى تتساوى مع الحضيض الذي بلغه وليس مطاولتها في البنيان.