الرئيس تبون يؤكد أن المسألة غير قابلة للتنازل أو المساومة: المصداقية والجدية مطلب أساسي لاستكمال معالجة ملف الذاكرة    رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل يؤكد: الاستعمار كان يهدف لتعويض الشعب الجزائري بشعب أوروبي    القمة الإفريقية حول الأسمدة بنيروبي: رئيس الجمهورية يبرز الدور الريادي للجزائر في مجال الأسمدة عالميا    خلال اجتماع اللجنة المشتركة: تأكيد على ضرورة تكثيف التعاون الجمركي بين الجزائر وتونس    تحذيرات من كارثة إنسانية جراء هذه الخطوة    أطلقتها مديرية الحماية المدنية: قافلة لتحسيس الفلاحين بطرق الوقاية من الحرائق    باتنة: الدرك يطيح بعصابة سرقة المنازل بمنعة    والي خنشلة يكشف: مشاريع البرنامج التكميلي وفرت 5852 منصب عمل    الرئيس تبون يؤكد على ضرورة التجنّد لترقية صورة البلاد    على هامش لقاء سوسطارة والكناري حسينة يصرح: ملفنا قوي و"التاس" ستنصفنا    بسبب نهائي كأس الرّابطة للرديف: رقيق وعويسي خارج حسابات مدرب وفاق سطيف    وفاة الأسيرة الصهيونية "جودي فانشتاين"    الجزائر تدين بشدة تنفيذ الاحتلال الصهيوني لعمليات عسكرية في رفح    استراتيجية جديدة للتعليم والتكوين عن بُعد السنة المقبلة    اتفاقية بين ألنفط و إيكينور    دورة جزائرية تركية    دور ريادي للجزائر في تموين السوق الدولية بالأسمدة    بدء التوغل العسكري الصهيوني في رفح    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    تكريم الفائزين في مسابقة رمضان    الجزائر تضطلع بدور ريادي في مجال الأسمدة وتطوير الغاز    مشروع مبتكر لكاشف عن الغاز مربوط بنظام إنذار مبكر    قسنطينة تستعد لاستقبال مصانع التركيب    هذه مسؤولية الأندية في التصدى لظاهرة العنف    دخول 3 رياضيّين جزائريّين المنافسة اليوم    دريس مسعود وأمينة بلقاضي في دائرة التّأهّل المباشر للأولمبياد    16 موزعا الكترونيا جديدا لتحسين الخدمة قريبا    تأكيد على دور حاضنات الأعمال في تطوير المؤسسات الناشئة    دعوات دولية لإتمام اتفاق وقف القتال    دعمنا للقضية الفلسطينية لا يعني تخلينا عن الشعب الصحراوي    زعماء المقاومة الشّعبية..قوّة السّيف وحكمة القلم    3 مراحل تُنهي الحرب وتُعيد النازحين وتُطلق سراح الأسرى    الحجز الإلكتروني للغرف بفنادق مكة ينطلق اليوم    ترحيل 141 عائلة من "حوش الصنابي" بسيدي الشحمي    بن رحمة هداف مجددا مع ليون    وزير التربية:التكوين عن بعد هي المدرسة الثانية    حجام يتألق في سويسرا ويقترب من دوري الأبطال    الأهلي المصري يرفع عرضه لضم بلعيد    تبسة : ملتقى وطني حول تطبيق الحوكمة في المؤسسات الصحية    صيد يبدع في "طقس هادئ"    طرح تجربة المقاهي ودورها في إثراء المشهد الثقافي    فيلم سن الغزال الفلسطيني في مهرجان كان السينمائي    دعوة إلى تسجيل مشروع ترميم متحف الفسيفساء بتيمقاد    تفكيك جماعة إجرامية مختصة في السرقة    دعوة لإعادة النظر في تخصص تأهيل الأطفال    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    أولاد جلال : حجز 72 كلغ من اللحوم غير صالحة للاستهلاك    أم البواقي : أسعار الأضاحي تلتهب والمواطن يترقب تدخل السلطات    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    هول كرب الميزان    بن طالب يبرز جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة لدى فئة الشباب    وزير الاتّصال يكرّم إعلاميين بارزين    دعوة إلى تعزيز التعاون في عدّة مجالات    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات الإيرانية ... بين استمرار مناخ الأزمة مع الغرب أو احتمال تبني خطاب أقل تصادمية
نشر في الحوار يوم 13 - 06 - 2009

بغض النظر عمن يحرز الفوز تبدو الجمهورية الإسلامية على أعتاب دخول مرحلة جديدة من تاريخها المضطرب. وبغض النظر عمن سيفوز ، فإنه سيجابه مشهدا سياسيا مغايرا تماما، وتتمثل أبرز ملامح هذا المشهد الجديد في الانقسامات العميقة التي قفزت إلى السطح داخل المؤسسة الحاكمة. ويرجع تاريخ بعض هذه الانقسامات إلى سنوات عديدة ماضية، بل وربما الأيام الأولى من عمر الثورة. الرئيس القادم وسياسة إيران الخارجية
مثل جميع الناخبين في العالم، يهتم الإيرانيون بالقضايا الاقتصادية أكثر من الخارجية، إلا أنه في الحالة الإيرانية تحوذ مسائل السياسة الخارجية على اهتمام عام داخلي كبير بسبب التحديات الكبرى المفروضة على إيران من الخارج وبسبب الارتباط الواضح بين الملفين في ذهنية الإيرانيين؛ فالاقتصاد الإيراني كاقتصاد ريعي يتأثر بمتغيرات السوق الدولي، كما يربط الكثيرون بين مصاعب إيران الاقتصادية وبين السياسة التصادمية لنجاد مع الغرب، والتي جلبت العقوبات الاقتصادية بلا داعٍ، في حين يدافع البعض الآخر عن سياسات نجاد التي أعادت الكرامة والهيبة لإيران ومكنتها من فرض شروطها على الولايات المتحدة وتحدي إسرائيل، خاصة وأن تأثير هذه العقوبات محدود، إن انتقاد النهج التصعيدي التصادمي لنجاد تعدى المعسكر الإصلاحي، حيث اعتبر كثير من المحافظين أن مسلك نجاد ''مفرط ولا ينسجم مع خط المحافظين''. بينما يشترك الإصلاحيون مع المحافظين المعتدلين في انتقاده بناء على عدة معايير: جلب النزاعات غير المبررة لإيران مع العالم، وتحويل الملف النووي السلمي إلى ساحة حرب مع إسرائيل، وتقديم صورة إرهابية لإيران في الإعلام والرأي العام الدوليين، ونقل الاهتمام الوطني ومخصصات الميزانية من مشاكل الداخل إلى المسألة الفلسطينية، وخسارة إيران لجميع شركائها الأوروبيين والآسيويين. ويقدم موسوي نفسه باعتباره ''إصلاحيا متمسكا بمبادئ الثورة الإسلامية''، ويرغب في تغيير صورة ''التطرف'' التي أعطيت لبلاده مع البقاء وفيا للنهج الرسمي للجمهورية الإسلامية في الملف النووي الإيراني، حيث يرى أنه بإمكان إيران أن تحتفظ بمبادئها لكن مع اتباع سياسة قائمة على الانفراج في علاقاتها الدولية، مشيرا إلى أنه لا يوجد ''ما يدعو لتحويل كافة دول العالم إلى أعداء''. ويلقي باللوم على أحمدي نجاد لدفعه البلاد نحو ما يسميه العزلة الدولية بسبب تبنيه سياسات متصلبة في الخلاف القائم بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتصريحاته المناوئة لإسرائيل وتشكيكه في البعد التاريخي للمحرقة النازية ضد اليهود. ويرفع موسوي في برنامجه الانتخابي شعارات التهدئة مع الغرب والتحاور مع أوباما. كما انتقد إعلان رئيس الجمهورية أن لديه حلولا للمشكلات العالمية قائلا ''يجب أن تحل الحكومة أولا المشكلات في الداخل قبل الانتقال إلى المشكلات العالمية وإظهار نفسها مديرا للعالم''. واتهم موسوى نجاد بالذهاب بعيدا إلى أمريكا اللاتنية لتطوير العلاقات مع بعض دولها ذات التوجه الأيديولوجي المناوئ مثل فنزويلا وأورجواي بدلا من التركيز على دول مجاورة أكثر أهمية لإيران في آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط. ومن ثم يعتبره مؤيدوه أنه الشخص الوحيد القادر على ''إحياء طريق الإمام الخميني''، فهو طريق السلام والتوافق مع العالم وليس طريق نشر العداء والكراهية تجاه الثورة. وفى حالة فوزه، يمكن توقع تبنيه خطاب هادئ يبتعد عن الملاحظات المثيرة للجدل والداعية للعداء، واستطاعته تجديد الصلات مع الحلفاء القدامى والانفتاح إيجابيا على الخارج إقليميا ودوليا. أما عن محسن رضائي، فهو ينتقد سياسات نجاد باعتبارها تدفع إيران إلى شفير ''الهاوية''، وأن خطاباته تنطوي على ''المجازفة''. ويعتبر أن ''الغرب والولايات المتحدة بحاجة إلينا اليوم''؛ وبالتالي على طهران الاستجابة لمبادرات الإدارة الأمريكية المنفتحة حيال إيران. كما ينتقد ضمنيا تصريحات أحمدي نجاد حول المحرقة بحق اليهود، معتبرا أنها ''مسألة تاريخية ينبغي عدم استخدامها سياسيا''. ومن أهم شعارت رضائي الانتخابية: تأسيس حوار مجتمعى مع الإدارة الأمريكية الجديدة قائم على الاحترام والمساواة المتبادلة. وبالمثل يرفع مهدي كروبي شعار الحوار مع رئيس الولايات المتحدة واستعادة العلاقات الإيجابية مع الدول الأوروبية. ومن ثم يتجه أنصاره من الإصلاحيين إلى الدفاع عنه باعتباره شجاع وتكنوقراطي كفء قادر على تحويل وعوده إلى سياسة حقيقية، فله خبرة طويلة كرئيس للبرلمان في مواجهة المتطرفين سواء في المعسكر الإصلاحي أو المحافظ، ورغم ضآلة احتمالات فوزه، إلا أن كروبي قادر على المساهمة في زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات وتقليل فرص انتصار المحافظين. أما معارضوه فيشيرون إلى تماثل برنامجه الانتخابي مع ذلك الخاص بموسوي وأنه لا يقدم جديدا، ومع علمه بضعف فرصه فإنه لا يساهم إلا في تفتيت أصوات الإصلاحيين مما يقلل فرص موسوي المرشح الإصلاحي الآخر الأقوى. من ناحيته، كان لنجاد تقييم مختلف لسياسة إيران الخارجية، وقد بدأ حملته الانتخابية بخطاب حاد انتقد فيه الغرب والتيار الإصلاحي على حد سواء، قائلا: ''إن إيران لن تقبل بهيمنة القوى المتغطرسة'' داعيا للعمل على بناء ''إيران تلعب دورا في توجيه مستقبل العالم''. وشدد على أنه استطاع أثناء ولايته الرئاسية الأولى صد الضغوط الغربية وقوى داخلية للتخلي عن البرنامج النووي. وأكد على استمرار هذه السياسة في حال فوزه في الانتخابات بقوله ''هناك ثمان إلى تسع دول قادرة على تخصيب اليورانيوم في العالم وإيران واحدة منها''. ووجه أحمدي نجاد انتقادا حادا لسلفه محمد خاتمي معتبرا أن سياساته المهادنة كانت السبب وراء إغلاق بعض المنشآت النووية.
إيران نحو خطاب أقل تصادمية
عند استعراض البرامج الانتخابية للمرشحين، ترى كثير من الكتابات أن نجاح نجاد قد يعني استمرار مناخ الأزمة مع واشنطن وتل أبيب، وأن فوز أحد الإصلاحيين قد يعني انفراجة في تلك العلاقة واتجاه إيران داخليا وخارجيا إلى مزيد من الاعتدال، وهو توقع لابد من مراجعته، حيث تقابله عدة حقائق قد تدحضه:
أولا: أن المايسترو الحقيقي القائد للسياسات الإيرانية في الداخل والخارج هو الزعيم المرشد آية الله خامئني وأن منصب رئيس الجمهورية على أهميته ما زال المنصب الثاني الذي يلي منصب القائد، وأن حدود وأبعاد أي تغيير مستقبلي مرتبط برؤية وإرادة الزعيم، وأن مساحة حركة الرئيس لا تتعدى تحديد أسلوب ونمط تطبيق هذه السياسات: بالشد أم بالجذب، بتبني خطاب تصعيدي أم خطاب هادئ أم الاثنين معا كنوع من توزيع الأدوار. ولكن تظل السياسات واحدة مستمرة تهدف لذات الأهداف (الاستمرار في البرنامج النووي مع تخصيب اليوارنيوم والدفع بإيران كقوة إقليمية كبرى لابد أن تشارك في منظومات الأمن الإقليمي بالشكل اللائق بمكانتها والحامي لمصالحها).
ثانيا: أنه برصد خطابات نجاد في الفترة الأخيرة، يمكن توقع أنه حتى في حالة فوزه، فإن الاستعداد الإيراني للتحاور مع الولايات المتحدة سيظل قائما وإن اختلفت فقط الوتيرة وتباين الاقتراب. حيث شهد المحيط الدولي والإقليمي تغيرات فرضت نفسها على صانع القرار تدفعه للاعتدال بغض النظر عن الرئيس، أو بالأحرى تشجع المرشد على اتباع سياسة أكثر مهادنة مع الغرب.
من بين هذه التطورات:
تداعيات الأزمة العالمية على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية وانخفاض أسعار النفط على الموارد الاقتصادية الإيرانية.
مضافا إلى ذلك وصول شخصية مثل أوباما إلى سدة الرئاسة الامريكية وما قد تعنيه من تشجيع مناخ الحوار والتهدئة دوليا وإقليميا. وقد بدأت تظهر بعض بوادر الانفراجة في مقتطفات مختصرة ولكن ذات دلالة في خطابات نجاد الأخيرة. فبعد إعلان واشنطن عن تبني إستراتيجيات جديدة للتعامل مع الملف النووي الإيراني، أشار الرئيس الإيراني إلى أن إيران تريد علاقات أفضل مع الولايات المتحدة.
كما بدأ نجاد في تغيير لهجته نسبيا متحدثا عن مقترحات إيرانية جديدة لكسر الطريق المسدود مع الغرب حول الملف النووي، حيث صرح ''إن الأمة الإيرانية أمة كريمة، قد تنسى الماضى وتبدأ مرحلة جديدة، ولكن عندما تتحدث أي دولة على أساس الأنانية سوف تحصل على نفس رد الأمة الإيرانية المعطى لمستر بوش''، وهو ما اعتبره الخبراء مؤشرا على رغبة نجاد في الدخول في حوار مع إدارة أوباما. وفى مناسبة أخرى، وفي إشارة إلى تداعيات انتخاب أوباما، صرح نجاد أن ''الظروف تغيرت''، تاركا الباب مفتوحا أمام تطورات إيجابية ممكنة في المستقبل.
وقد بدى جليا أن فكرة الحوار مع أوباما اكثر من الحوار مع الولايات المتحدة هي التي تتمثل بوضوح في ذهنية جميع المرشحين، ومن بينهم نجاد بدرجة متفاوتة. بل إن أحمدي نجاد صرح بأنه في حالة فوزه سيطالب بمناظرة أو حوار مع الرئيس الأمريكي أوباما في الجمعية العامة بالأمم المتحدة لبحث ''المسائل الدولية والطريق إلى السلام''.
ولا يقتصر الأمر على التحولات على المستوى الدولي، وفي الداخل الأمريكي، لإحداث تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية، بل لابد من توافر تطورات مماثلة في الداخل الإيرانى، من أهمها موقف مرشد الثورة؛ فما زال خطاب خامئني متحفظا، حيث رفض دعوة أوباما للحوار بقوله إنه ''لم يرى تغييرا في السياسات الأمريكية''، داعيا لحدوث ''تغييرات حقيقية'' حتى تتغير العلاقات بين الدولتين، ومطالبا الولايات المتحدة بإيقاف عدائها لإيران وتدخلها في شئونها الداخلية. وأشار إلى أنه كيف يهنئ أوباما الإيرانيين بالعام الجديد ويتهم إيران بالإرهاب والسعي للحصول على الأسلحة النووية في نفس الرسالة. ووفقا لما سبق، فالتغيير القادم ربما سينحصر في تبني إيران خطابا أقل تصادمية وأكثر انفتاحا على الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، وينطبق ذلك في حالة فوز أي من المرشحين الأربع، وإن كانت فرص نجاد ما زالت كبيرة في الاستمرار كرئيس، يليه في استطلاعات الرأى موسوي، فالنقلة ستحدث على مستوى الخطاب الإعلامي مع بقاء الطموحات الإيرانية ثابتة تتمسك بالخيار النووي وتسلك مسلك القوة الإقليمية الكبرى. إلا أنه لا يجب التقليل من دلالة مثل هذا التغيير، فبالنسبة لإيران مجرد تغيير اللهجة له تأثير كبير على علاقاتها بالعالم الخارجي، ويمكن أن يُحدث نقلة نوعية في طبيعة علاقاتها مع الغرب. وبامتلاك مصادر للقوة الحقيقية والأهم توافر الإرادة لاستخدامها عند الضرورة يصبح للخطاب الرسمي ثقله وأهميته وللهجة الزعماء تداعياتها المسموعة، وهذه هي إيران في المرحلة الحالية.
دور المؤسسات في انتخاب الرئيس
يتمتع النظام السياسي الإيراني بخصوصية واضحة تتمثل في كونه نظاما ثيوقراطيا يحكمه رجال الدين، يحمل في الوقت ذاته مضمونا ديمقراطيا، يتمتع بدوره بطبيعة خاصة نابعة من منطلقات وأهداف المشروع الإسلامي، وتتنوع مؤسساته الحاكمة بين مؤسسات معينة، يهيمن عليها رجال الدين وفق سلطات حددها الدستور، تتمثل في مؤسسات السلطات التشريعية، والقضائية، وأخرى منتخبة، من شأنها مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات، وتتمثل هذه المؤسسات في مجلس الشورى الإسلامي، ومجالس الشورى المحلية، ومجلس الخبراء، ورئاسة الجمهورية. يشار الى انه منذ نجاح الثورة الإسلامية وقيام الجمهورية عام ,1979 أجريت تسع انتخابات رئاسية في إيران، وتعد الانتخابات الحالية هي العاشرة، وتمر العملية الانتخابية لاختيار الرئيس في إيران بالعديد من المراحل وتشترك في إدارتها مؤسسان رئيسيتان هما: مجلس صيانة الدستور ووزارة الداخلية. ويلعب مجلس صيانة الدستور الدور الأهم في إدارة الانتخابات الرئاسية، ويتكون المجلس من اثني عشر عضوا، ستة من الفقهاء يختارهم المرشد الأعلى للثورة مباشرة، وستة أعضاء من الحقوقيين المسلمين من ذوي الاختصاص في مختلف فروع القانون يرشحهم رئيس السلطة القضائية (الذي يعين من قبل مرشد الجمهورية)، ويصادق عليهم مجلس الشورى الإسلامي. وإلى جانب الاختصاصات التي تناط بالمجلس من تفسير الدستور، والمصادقة على ما يصدر عن مجلس الشورى من أحكام وقوانين ومطابقتها مع الدستور، يختص المجلس بالإشراف على الانتخابات الرئاسية، وذلك وفقًا للمادة (99) من الدستور.ومن خلال هذه الوظيفة يحدد المجلس المرشحين، حيث يناط به مهمة البحث في صلاحية المرشحين للرئاسة وأهليتهم لهذا المنصب، واستبعاد غير الجديرين به، وبالتالي ينحصر المرشحين للرئاسة فيمن يختارهم المجلس الذي يملك المرشد حق تعيين نصف أعضائه، ومن ثم فإن المرشد الأعلى للجمهورية يقوم بدور رئيسي في اختيار رئيس الجمهورية وكذلك أعضاء مجلس الشورى الإسلامي من خلال رجاله في مجلس صيانة الدستور، وهو ما يعني أن إمكانية أو فرصة مجيء رئيس للجمهورية معارض للمرشد أو حتى لا يلقى قبولا لديه، مسألة تبدو مستبعدة. كما ان ثاني هذه المؤسسات هي وزارة الداخلية، ويتمثل دورها في قبول طلبات الترشيح والإشراف على العملية الانتخابية بداية من عملية الاقتراع وانتهاءً بإعلان نتيجة الانتخابات، مرورا بتأمين العملية الانتخابية والحفاظ على النظام العام للبلاد أثناء عملية الاقتراع وتيسير وتهيئة الأجواء للأداء الانتخابي ونقل صناديق الاقتراع وفرز الأصوات.وتقوم وزارة الداخلية بتحديد موعد تلقي طلبات الترشح للرئاسة، تمهيدا لبدء دور مجلس صيانة الدستور في فحص المرشحين وصلاحيتهم، وبالتالي استبعاد المرشحين غير المؤهلين، وخلال هذه الدورة الانتخابية تم فتح باب الترشيح في الفترة من 5-9 مايو الماضي، وتقدم خلال هذه الفترة 475 مرشحًا، بينهم 433 رجلا و42 امرأة. ومن ثم بدأ مجلس صيانة الدستور عملية البت في صلاحية المتقدمين من خلال تطبيق الشروط الواجب توافرها فيمن يتولى منصب رئيس الجمهورية.
الأزمة الاقتصادية.. تحدد رئيس إيران
على نقيض ما هو شائع، لا تحظى قضية الملف النووي بالأهمية القصوى لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الإيراني، إذ تبدو الأوضاع الاقتصادية هي الشغل الشاغل لغالبية المواطنين الإيرانيين، لاسيما وأنهم قد اختاروا أحمدي نجاد رئيسا في انتخابات عام ,2005 والذي ارتكز برنامجه بالأساس على وعود بتحسين أحوال الإيرانيين المعيشية. ومنذ ذاك الوقت تحول الاقتصاد إلى موضوع للسجال السياسي في الداخل الإيراني، بل كان أحد العوامل الرئيسية التي دفعت تجاه تشكيل اصطفاف جديد داخل النخبة السياسية الإيرانية، بجناحيها الإصلاحي والمحافظ، وربما يكون الاقتصاد أيضا هو القضية التي ستحسم نتائج الانتخابات الرئاسية ، ومعلوم أن الوعود التي ساقها نجاد في برنامجه الانتخابي عام 2005 بحماية الفقراء وإيصال عوائد النفط إلى مائدة كل إيراني وإعادة توزيع الثروة ورفع الأجور ومكافحة الفساد، هي التي دفعت بالطبقات الفقيرة والوسطى في إيران إلى التصويت لصالحه، على حساب هاشمي رفسنجاني، رئيس كل من مجلس الخبراء ومجمع تشخيص مصلحة النظام وأحد أبرز رموز الثورة الإسلامية.وعلى العكس من هذه الوعود الانتخابية، فقد شهدت الأوضاع الاقتصادية تراجعا ملموسا نتيجة السياسيات الاقتصادية التي اتبعها نجاد، ويسود شعور لدى كثير من الإيرانيين بأن الرئيس نجاد قد فشل في تحقيق أي إنجاز اقتصادي.ويستند هذا الشعور إلى عدة مؤشرات، أبرزها: معدل التضخم العالي الذي تشهده البلاد، حيث بلغت نسبة التضخم في عام 2006 حوالي 7,11 بالمئة، طبقا للتقديرات الرسمية، وارتفعت هذه النسبة إلى 2,17 بالمئة في عام ,2007 طبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، ووصلت في العام الحالي إلى 6,27 بالمئة ، حسب تقديرات البنك المركزي الإيراني، وهى أعلى نسبة تضخم في تاريخ إيران.وإضافة لذلك، بلغت نسبة البطالة وفق التقديرات الرسمية نحو 5,11 بالمئة في عامي 2005 و,2006 كما عرفت أسعار السلع والخدمات ارتفاعا ملحوظا بلغت نسبته 6,13 بالمئة في عامي 2006 و.2007 ووفقا لما أعلنه وزير العمل الإيراني ''محمد جهرومي''، فإن واحدا من كل 10 أشخاص ممن يشكلون قوة العمل لا يجد وظيفة، وأشار أيضا إلى ارتفاع نسبة البطالة من 6,9 في ربيع هذا العام 2008 إلى 2,10 بالمئة في صيف نفس العام.ويزيد من خطورة البطالة أنها تنتشر بين الشباب، حيث إن 6,15 بالمئة ممن لا يجدون وظائف هم من خريجي الجامعات، بالإضافة إلى أن أكثر من ربع الشباب الإيراني عاطل، حسبما أعلن محمد مداد رئيس المركز الإحصائي الإيراني.وتتضح دلالة هذه الأرقام إذا أخذ في الاعتبار أن نصف سكان إيران البالغ حوالي 70 مليون نسمة من الشباب تحت سن 30 سنة، ولا يمكن حل هذه المشكلة، أو ستبقى معدلات البطالة على ما هي عليه إذا لم توفر الحكومة الإيرانية مليون فرصة عمل سنويا، وهو أمر يبدو صعبا، خصوصا مع توقع تزايد القوة العاملة في السنوات الست القادمة من 14 مليونا إلى 39 مليونا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.