عرفت أسعار زيت الزيتون هذه الأيام بولاية البويرة ارتفاعا جنونيا، حيث وصل سعر اللتر الواحد من الجودة العالية إلى 900دج، مسجلا زيادة تتراوح ما بين 150 و200دج مقارنة بالعام الماضي، وهذا بسبب تراجع المحصول الذي سببته الحرائق الموسمية التي أدت إلى إتلاف عدد معتبر من أشجار الزيتون، ورغم ارتفاع الأسعار إلا أن الطلب على شرائه يزداد من يوم لأخر، خاصة وأن زيت زيتون البويرة يعتبر الأرقى والأجود على المستوى الوطني، وهذا ما أكده المختصون في القطاع . يحتل موسم جني الزيتون الذي انطلق منذ أكثر من أسبوعين بقرى ومداشر ولاية البويرة مكانة اجتماعية واقتصادية هامة في حياة السكان، من خلال إحياء الكثير من العادات والتقاليد خاصة "التويزة" التي تعمل الكثير من العائلات على المحافظة عليها . وحسب الكثير من مشايخ منطقة العجيبة فإن حملة جمع الزيتون تبدأ مباشرة بعد أن تنتهي "الأيام الباردة" ومدتها أربعة عشرة يوما، منها الأيام السبعة الأخيرة من فصل الخريف والسبعة الأولى من أيام الشتاء، حيث يشرع السكان في جني الزيتون، ويحضر جني الزيتون قبل نهاية "الأيام الباردة"، وهذا حفاظا على سلامة الشجرة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الزيتون لا يصلح خلال هذه المدة سواء في كمية الزيت أو نوعيته، غير أنه هناك من يعارض ذلك كله ولا سيما بعد التقدم التكنولوجي، وهناك من يؤكد على ضرورة جني الزيتون قبل الأيام الباردة أي في منتصف فصل الخريف للحصول على نوعية جيدة من الزيت خال من الحموضة، حيث أن زيت الزيتون بعد الأيام الباردة قد تكون كميته وفيرة غير أن نوعيته رديئة وغير مستساغة. ورغم ذلك، فالسكان لا يشرعون في جني الزيتون إلا بعد مرور الأيام المذكورة، حيث يبادرون إلى جني المحاصيل البعيدة والمتواجدة في الغابات والجبال ويخرجون في الصباح الباكر ولا يعودون إلا في المساء في جماعات على شكل قوافل من الحمير أو البغال معبئة بالمنتج، غير أن مثل هذه المظاهر غابت منذ بداية الثمانينيات واستبدلت قوافل الحمير بالجرارات والسيارت أو الشاحنات، وقد تقوم شاحنة واحدة أو شاحنتين أو جرارات بنقل جميع ما جمعته العائلات خلال اليوم دفعة واحدة، وهكذا إلى أن يتم جمع المحاصيل البعيدة، ثم يعودن إلى الحقول القريبة. وعادة ما تقوم العائلات التي انتهت من جمع محاصيلها بمساعدة عائلات أخرى لم تجمع محاصيلها بعد، إما لكثرة المنتوج أو لقلة أفراد العائلة، غير أن التعاون يسود جميع السكان فيقومون بجني الزيتون يوما لدى عائلة ويوما آخر لدى عائلة أخرى، وهكذا بالتداول إلى أن ينتهي موسم جني الزيتون، حيث يشارك في العملية الكبار والصغار، فحتى الأطفال تشدهم تلك الأجواء الأخوية وتستهويهم لينظموا إلى العملية ويجمعوا ما امتدت إليه أياديهم الصغيرتين، وتعتبر هذه العادة مباركة بين السكان الذين لا يزالون يحافظون عليها، ومن جهة أخرى تقوم ربات البيوت بإعداد ألذ وأشهى الأطباق التقليدية التي تعتمد على زيت الزيتون خاصة طبق الكسكسي لجلبها إلى الحقول، ويتناوله الجميع بعد يوم شاق من العملية.