أحالت جهات أمنية مختصة في محاربة التجارة غير الرسمية تابعة للمفتشية الجهوية للشرطة بوهران، تقارير "صادمة" على المصالح الرسمية تفيد بتوالد رهيب وبشكل غير مسبوق لأعداد الباعة المتجولين الذين حولوا شوارع ومساحات مدن الجهة الغربية للوطن إلى أسواق متنقلة صار من الصعب السيطرة عليها بين عشية وضحاها. وأحصت المصالح في تقارير "سرية" قرابة 920 سوقا فوضويا، في شوارع 12 ولاية بالغرب الجزائري أبرزها ولايات وهران، مستغانم، تلمسان، سيدي بلعباس، معسكر، تيارتوالشلف وبدرجة أقل غليزان وتسمسيلت، باتت تقلق المصالح العمومية، في وقت تؤكد تقارير أمنية على زيادة التركيز الأمني ومضاعفة اليقظة بالأماكن العمومية لدرء مخاطر إجرامية محتملة. وتبرز المعطيات التي استقتها "البلاد" أن بعض الولايات وبالأخص عواصمها الكبيرة كوهران، تلمسان، تيارتوالشلف زادت نسبة التجارة غير الرسمية فيها أكثر من 20 في المائة مقارنة بالفترة الماضية التي شهدت تراجعا. ويرجع ذلك إلى التراخي في فرض آليات رقابية خلال الفترة الماضية التي صاحبت الحملة الانتخابية لموعد رئاسيات 17 أفريل الجاري، وتركيز الأجهزة الأمنية على مخطط تأمين الانتخابات. وذكرت المصادر أنه إضافة إلى عدد الأكشاك الفوضوية ونقاط بيع غير مرخصة بالمرة التي كانت تحصيها السلطات في هذه المناطق، فإن عددها زاد بكثير خلال الأيام القليلة الماضية، مبرزة أن أرصفة المدن وشوارعها باتت تعج بالباعة المتجولين ومكتظة بعربات بيع المنتجات الاستهلاكية وحتى أنواع السمك غير المراقب والأواني الحديدية ومختلف أنواع الفواكه. في هذا الإطار، أوعزت جهات أمنية هذه الزيادة المفرطة في عدد نقاط البيع غير المرخصة للتساهل غير المفهوم للسلطات المحلية في عدد من الولايات خلال الحملة الانتخابية مع الباعة المتجولين، وهو ما سمح لهم بإعادة الانتشار مجددا وفرض منطقهم الفوضوي من جديد دون مبالاة بقوانين الجمهورية. واستدل المصدر بمشاهد الفوضى التي باتت تتحكم في عمران المدن الكبيرة كتسجيل نسبة 25 في المائة من التجارة غير الرسمية بوهران في الفترة القليلة الماضية وبلوغ مستوى لا يطاق من هذه المشاهد الخطيرة بولاية تيارت التي تشهد هي الأخرى اجتياحا غير مسبوق للباعة المتجولين. وقد أحصت مصالح شرطة العمران ارتفاع عدد نقاط البيع الفوضوي إلى 12 نقطة سوداء بعدما كان الأمر ينحصر في 5 نقاط بعاصمة الولاية والسوقر. ولفت المصدر إلى أن العديد من قدماء الباعة غير الرسميين عادوا لاحتلال الأرصفة والشوارع بقوة تحت ذريعة أنهم أرباب عائلات ولا دخل لهم سوى عائدات المنتجات التي تعرض على الأرصفة. وتوقعت المصادر اعتراض قوات الشرطة صعوبات جمة في التعامل من جديد بصرامة مع هذا الكم الهائل مع تجار الأرصفة وملاك العربات الذين تسيدوا مجددا في أماكن مخصصة للمارة ومأهولة بالمشاة. وتكشف معطيات ميدانية فشل السلطات المحلية في مكافحة التجارة غير الرسمية كما هو الحال بولاية الشلف التي باتت عاجزة تماما عن السيطرة على هذه الظاهرة وأنها لن تكون قادرة على التخلص من هذه الأكشاك التي زادت نسبتها من 15 إلى 30 في المائة في ظرف وجيز استنادا إلى لغة الأرقام الأمنية التي أحصتها مصالح شرطة العمران. ولم تخف المصادر قلقلها المتزايد من أبعاد الظاهرة في ظل تهديدات التجار الرسميين باكتساح الأرصفة والشوارع العمومية في حال عدم إيجاد مخارج عاجلة لهذه الحالات الخطيرة التي بدت واضحة للعيان، يقابله تعنت واضح لهؤلاء الباعة المتجولين الذين رفضوا مقترح حصولهم على أكشاك على بعد 30 كلم عن عاصمة الولاية، مؤكدين أنهم يرفضون أكشاكت في مناطق بعيدة عن المناطق الحضرية يتعذر الوصول إليها، كما هو الشأن بولاية تيسمسلت التي شوهت التجارة غير الرسمية معالم المدينة وصار التحكم في هذا الملف من أصعب المواقف بالنظر إلى تقاطر عدد هائل لتجار الأرصفة على الواجهات العامة واحتلال جزء منهم ساحات قريبة من الحي الإداري. في هذا السياق سجلت مصالح شرطة العمران بالولاية 5 نقاط سوداء مع كل مع تحمله هذه النقاط من فوضى ومناوشات كلامية بين التجار الرسميين والفوضويين على خلفية "خرائط طرق". ووفقا لمصادر متطابقة، فإن ولاية مستغانم وحدها أحصت زيادة مريعة في عدد الأسواق العشوائية بحوالي 8 نقاط سوداء منتشرة بعاصمة الولاية وبالتحديد على مستوى أحياء تجديت، عرصة و5 جويلية. ووفقا لممثلي لجان الأحياء في هذه المدينة، فإن السلطات المحلية أطلقت حملة لمحاربة هذه الظاهرة السوداء التي "قبحت" وجه مستغانم، وحاولت إدماجهم ضمن مشاريع 10 أسواق جوارية التي أنجزتها السلطات، ناهيك عن حروب المطاردة التي وقعت بين الشرطة والباعة المعنيين بهذه الإجراءات، غير أن الحلول كانت بطيئة جدا، وهو ما دفع بعديد الباعة إلى العودة من جديدة إلى "معاقل الفوضى". ولم يتوان رؤساء لجان الأحياء عن التأكيد على صعوبة مهمة القضاء على التجارة غير الرسمية بسبب تزايدها في المدة الأخيرة خصوصا خلال الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي أمام هذا الواقع المتردي الذي تفرزه تداعيات التراخي في التعامل مع ظاهرة التجارة غير الرسمية، تؤكد بعض الأرقام أن مديريات التجارة بالغرب الجزائري استطاعت القضاء على 70 في المائة من ظاهرة الأكشاك الفوضوية بمحوها أكثر من 3200 نقطة سوداء في حوالي 10 ولايات بالجهة الغربية، لكن ما لوحظ في المدة الأخيرة هو عودة الفوضى لتطل برأسها من جديد وتوطين المدن الكبيرة، من خلال انتشار واسع لباعة قطع الغيار والمنسوجات والمنتجات المنزلية والاستهلاكية وأنواع السمك وحتى عرض مختلف أنواع الزيوت الطبيعية في عربات غير مرخصة. واللافت أن التقارير الأمنية التي حذرت من مخاطر الظاهرة هو تركيزها على انتشار مقلق لتجارة تداول العملة الصعبة في مختلف الأحياء والساحات العمومية وهي تجارة محظورة كغيرها من أنشطة استيراد الأدوية وشراء الأسلحة. وتحدث المصدر عن إمكانية فرض مخطط صارم لاحقا بمضاعفة قوات الشرطة بالتعاون مع مصالح فرقة قمع الغش ومراقبة الجودة التابعة لمديريات التجارة لفرملة هذه الأنشطة المحظورة التي ساعدت على ظهور مجموعات تتاجر بالعملتين الوطنية والأجنبية وهي جريمة يعاقب عليها قانون محاربة الجريمة المنظمة في أبرز لوائحه. وتظهر المعطيات أن تجارة بيع العملة الأجنبية بطرق غير قانونية انتشرت في ولايات وهران، غليزان، مستغانم، تيارت، الشلف وسيدي بلعباس بدرجة كبيرة. ولعل ما يؤكد هذا الطرح هو نجاح مصالح الشرطة القضائية لأمن ولاية تيارت قبل 5 أيام في تفكيك عصابة إجرامية مكونة من 10 أشخاص تزور العملة الصعبة وطرحها على التداول وراح ضحيتها عديد الأشخاص المرتقب حضورهم جلسة محاكمة المتهمين في قادم الأيام. إلى ذلك، تستبعد جهات تشتغل على ملف محاربة التجارة غير الرسمية، القضاء على كامل النقاط السوداء بين عشية وضحاها في ظل توالدها وارتفاع نسبها بين ولاية وأخرى بسبب التسهيلات المشبوهة التي انتهجتها السلطات المحلية في التعامل مع الظاهرة بغير سبب مقنع، لا لشيء سوى أنها لا تملك القدرة على مواجهة تبعات أخطائها التي ترتكبها من حين إلى آخر خصوصا في قضية ضبط قوائم المستفيدين من المحلات التجارية واعتماد المحسوبية والزمالة في التوزيع، وهو ما يؤجج غضب الشباب ويدفعهم إلى احتلال الشوارع والساحات وهنا يصعب التحكم في مشاهد الفوضى التي تدفع الدولة ثمنها الآن.